
لم يجد الرئيس الفرنسي ماكرون ما يبرر به دوامة العنف التي تسببت فيها تصريحاته ضد الإسلام سوى أن يقول على قناة الجزيرة إن تصريحاته تم تحويرها وأننا لم نفهمه.
بالعكس السيد ماكرون، كلامك كان واضحا ولا يحتاج أي تأويل، ورسالتك كانت واضحة لا لبس فيها.
نحن نعرف أن الرئيس الفرنسي ذهب إلى الجزيرة ليس من أجل الاعتذار للمسلمين ولكن من أجل إنقاذ الاقتصاد، فقطر التي قادت موقف مقاطعة المنتجات الفرنسية توفر 60 ألف فرصة عمل في فرنسا، كما أن 300 شركة فرنسية تعمل في قطر بينها 70 شركة ملكيتها فرنسية 100%.
أما الاستثمارات القطرية في فرنسا فتتجاوز 40 مليار دولار، أي ما يعادل تقريبا ميزانية المغرب السنوية.
لقد فوت الرئيس الفرنسي فرصة نزع فتيل هذا المد العاتي من العنف الذي تسبب فيه المتطرفون من الجانبين بتقديم التهاني لمسلمي فرنسا والعالم بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف.
فالإسلام يبقى هو الدين الثاني في فرنسا بعد المسيحية، ومثلما سمح ماكرون للمسيحيين رغم إعلانه الحجر الصحي، بإحياء عيد لاتوسان ويوم الموتى فقد كان أجدر به، وفي إطار العلمانية التي تتعامل مع جميع الأديان على قدم المساواة، أن يتمنى للمسلمين عيد مولد نبوي سعيد، وأعتقد أنه لو كان فعل لساهم في إخماد جزء كبير من الحرائق التي أشعلها بتصريحاته المتهورة التي عرضت حياة مئات الآلاف من الفرنسيين الذين يعيشون ويشتغلون في بلدان العرب والمسلمين للخطر.
فرنسا اليوم بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى زعيم يعطي إشارات قوية عن رباطة الجأش والهدوء والروية، لأن المسار الذي دخلته فرنسا مؤخرا يقود نحو الحرب الأهلية، ولا أحد يتمنى أن يحدث ذلك، لأن فرنسا وإرثها كبلد للأنوار ليسا ملكًا للفرنسيين وحدهم بل للبشرية جمعاء، وسيكون من المحزن تبديد هذا الإرث على يد سياسيين متهورين يضعون حلمهم للبقاء في السلطة فوق كل اعتبار، حتى ولو أدخلوا البلد في نفق مظلم.
ولسنا نحن من نقول بأن احتمال الحرب الأهلية وارد في فرنسا بل الفرنسيون أنفسهم قالوا ذلك، وعلى رأسهم الكاتب والصحافي إريك زيمور الذي كشف على أثير محطة RTL كيف أن الجيش الفرنسي يستعد للقيام بحملة تطهير على طريقة حرب الجزائر لتحرير الأحياء الفرنسية من قبضة المهاجرين المسلمين. وقد كشف زيمور عن اسم العملية التي يطلق عليها الجيش الفرنسي عملية غونص Ronce، والتي استعد لها الجيش بتعاون مع الجيش الإسرائيلي الذي درب عناصر هذا الأخير على طرق تحرير الأحياء والتعامل مع حالات القتل الجماعي.
ورغم ما يبدو ظاهريا من كون الصراع ذا طابع ديني إلا أنه في العمق صراع سياسي وانتخابي.
عندما أتأمل هذه الفتنة التي قامت بسبب إعادة نشر الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم وكيف أن قوى دولية يتستر بعضها وراء الدفاع عن حرية التعبير ويتستر بعضها الآخر وراء الدفاع عن النبي الكريم، أكتشف كم تتصرف بنذالة هذه القوى الدولية وكم تتصرف الشعوب المسلمة والمسيحية بغباء.
ما يهم ماكرون وأردوغان وغيره من الزعماء الذين اصطفوا وراء قراره بمقاطعة المنتجات الفرنسية دفاعًا عن النبي الكريم هو البقاء في السلطة باستغلال الدفاع عن الهوية والدين في الحملة الانتخابية. وكثير من هؤلاء الزعماء الذين يدعون الدفاع عن النبي الكريم يؤذون المسلمين في بلدانهم ويستعبدونهم ويمنعونهم من التعبير عن مجرد رأي، فهم يسجنون المعارضين ويعذبونهم ويحرمون شعوبهم من الحرية والكرامة التي انتصر لها الرسول الكريم وجاء من أجل تحقيقها للجميع.
فهل أمثال هؤلاء هم من سيدافع عن الرسول ويجسد أخلاقه؟

