شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسيةسياسيةوطنية

نقاش صحي 

خروج المندوبية العامة لإدارة السجون ببلاغ يدق ناقوس الخطر بشأن الوضعية المزرية لمراكز الاعتقال وما رافق ذلك الخروج من حوار مؤسساتي مع القضاء في انتظار الحكومة والبرلمان، أمر صحي بالنسبة لدولة ترنو نحو الحق والقانون، وعلى العكس تماما ليس في هذا الحوار أي تجاوز أو اعتداء على الاختصاصات وليس فيه أيضا أي تصفية حسابات مؤسساتية تحاول أن تحمل السلطة القضائية ظاهرة اكتظاظ السجون جراء الاعتقال الاحتياطي.

مقالات ذات صلة

هذه الصرخة من المؤسسة المكلفة بتدبير السجون كانت ضرورية قبل فوات الأوان، خصوصا أن هذه المؤسسة شبه أمنية، والمحافظة عادة في منظومتها، تتحدث لأول مرة في بلاغ رسمي عن سيناريو «انفلات أمني» بسجون المملكة بعدما فاق عدد المعتقلين سقف 100 ألف في بنية استقبال لا تتجاوز 60 ألف سرير .

وعلى أهمية النقاش الدائر حول مشاكل الاكتظاظ والاعتقال الاحتياطي والعقوبات البديلة، إلا أن السؤال الأهم من ذلك كله هو كيف وصلنا لهذا الكم الهائل من المجرمين وراء القضبان والذين نحاول اليوم إيجاد حلول لهم، ففرنسا التي تفوقنا ساكنة يبلغ عدد سجنائها 74 ألف سجين وإسبانيا لا يتجاوز نسبة معتقليها حدود 60 ألف سجين، بل إن هناك دولا تتجه إلى تحويل سجونها إلى مؤسسات متحفية وإدارات عمومية بسبب انحسار الجريمة وبسبب خيارات عقابية بديلة تحقق الجدوى من الردع العام.

والحقيقة أن ارتفاع الساكنة السجنية كل سنة، يسائل أولا وأخيرا سياساتنا التعليمية والأسرية والاجتماعية التي فشلت فشلا ذريعا في الحد من المنسوب المرتفع للجنوح نحو الجريمة، وحتى مراكز الاعتقال التي تهدف إلى إعادة الإدماج تحول بعضها إلى مراكز لإعادة إنتاج المجرمين وارتفاع حالات العود تؤكد ذلك، وأصبحت الكثير من السجون التي تعيش الاكتظاظ والاختناق مؤسسات تلفظ بدورها المجرمين الذين تتولد لديهم رغبة انتقامية في استهداف الآخرين عبر سلوكات منحرفة وإجرامية حاقدة.

وصفوة القول أن مشاكل الاكتظاظ وندرة العقوبات البديلة وارتفاع وتيرة الاعتقال الاحتياطي مهمة ولا نفهم سبب تأخر الحكومة في إخراج مدونة جنائية حديثة وفعالة، لكن مشكل الإجرام الذي يوصل للسجون يوجد في ملعب السياسات العمومية التي تقف إلى حدود اليوم عاجزة عن تجفيف المنابع الحقيقية للإجرام قبل فوات الأوان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى