حسن البصري
أخطر الهزات الارتدادية التي تأتينا كل يوم من المناطق المنكوبة، وأكثرها خطورة على أرواحنا هي التي تحملها إلينا مشاهد من بؤر النكبة محملة بإعصار التفاهة.
بعد أن أصبحت الأقاليم المتضررة من الزلزال المدمر حديث وسائل الإعلام في العالم، قرر التافهون شد الرحال إلى موقع الدمار لجمع «اللايكات» من تحت الأنقاض.
بعد مرور أسبوع على الزلزال الرهيب، استرجع «المؤثر» نيبا أنفاسه وشد الرحال إلى الحوز، ما أن وطأت قدماه بؤرة الزلزال حتى طوقه أشباه الصحافيين من حملة الهواتف و«البونجات»، استعار الرجل تقاسيم الحزن وطلب من المحيطين به ترتيب أسئلتهم واختصارها نظرا لبرنامجه المكثف وكأنه موفد هيئة عليا في علم الزلازل.
اعتذر كبير التافهين عن تأخره في المجيء إلى بؤرة النكبة، وقال بلغة واثقة إن النكبة «تستدعي تدخلنا نحن معشر المؤثرين»، قبل أن يتحول إلى خبير نكبات ويشرع في تفسير الظواهر الطبيعية، ويضرب الأخماس في الأسداس أمام «أشباه» صحافيين يحسنون فن الاستماع.
سبق لـ«نيبا» أن زار أوريكا سنة 2019، ونشر تفاهته على امتداد نهر أوريكا الغاضب، وجمع ما تيسر من مشاهدات ونفخ رصيده البنكي من صنبور اليوتوب، ثم عاد إلى قواعده غانما.
بين أنقاض النكبة ينتشر التافهون وسط المكلومين، يقضون سحابة يومهم في بيع التفاهة والبلاهة بالتقسيط، ينصبون أنفسهم خبراء فواجع أحيانا ورسل سلام أحيانا أخرى.
شد علال القادوس الرحال إلى أمزميز يبتغي «لايكات» زاده هاتف وشحن وتعبئة، ما أن حل بمكان النكبة حتى شرع في تبخيس جهود الدولة والمجتمع المدني والمحسنين، وقال دون استحياء إنه مستعد لوضع خبرته في مجال «القواديس» رهن إشارة لجان اليقظة في المناطق المنكوبة، وكم كانت صدمتي قوية وأنا أشاهد «حملة الهواتف الذكية» يستجدون حوارا معه.
بين الصحافيين المهنيين الذين يقومون بتغطية للآثار المترتبة على الزلزال، عشرات المندسين الذين يتعاطون لصحافة الإثارة الرخيصة، يحولون نكبة المتضررين إلى مورد للرزق.
ليس نيبا ولا علال ولا الكابران وحدهم المرابطون في بؤر زلزال الحوز والمناطق المجاورة، بل هناك جيل جديد من «المؤثرين» الذين امتهنوا «البوز»، أكثرهم إثارة شخص رافق شحنة مساعدات غذائية من الدار البيضاء إلى تاحناوت، وحين تم إفراغ الشحنة مدد مقامه في إقليم الحوز وأصبح صحافيا ينقل لقناة على اليوتوب «يوميات محسن في الأرياف».
أما المؤثر المغربي نوفل بنموسى، المعروف بـ«صوفيا طالوني»، فاستغل فرصة الزلزال ليطل على المغاربة من تركيا، ويضرب كل المكاسب ويفرغ البلاغات من محتوياتها ويشكك في تضامن المغاربة مع المنكوبين، دون فرامل، لأن البحث عن الكسب السريع يبيح المحظور.
حين ضرب الزلزال تركيا طلبت صوفيا من مثيلاتها نشر خبر وفاتها تحت الأنقاض، غابت عن الأنظار استعدادا للخرجة الكبرى التي قالت فيها «أنا حية وهذه قصة نجاتي من الموت»، وهو «اللايف» الذي جلب لها ملايين المشاهدات.
هناك أصناف أخرى من التافهين الذين حولوا المناطق المتضررة إلى منتزه، بعضهم نظموا رحلة ترفيهية إلى مولاي ابراهيم وقضوا ساعات في التقاط صور مع الأطفال المكلومين، وهم يوزعون عليهم اللعب الرخيصة، وحين انتهت الرحلة وضعوا صورهم في منصاتهم التواصلية.
أمام هذا المد الجارف القادم من مجاري التفاهة، لم تعد بيانات المجلس الوطني للصحافة كافية للردع، بل تحولت إلى مجرد فزاعات في حقل طماطم. ففي زلزال الحوز تبين أن المهنية تموت تحت الأنقاض، وأن كائنات تقتات كل يوم من النكبات دون رادع، في ما يشبه الهزات الارتدادية التي تضرب الجسم الصحفي في الصميم.
اليوم نصف الشعب يتعاطون للصحافة والنصف الآخر زبائن يوزعون «اللايكات» بسخاء.