
اشتهرت منصة “ديسكورد” بكونها مخصصة لعشاق ألعاب الفيديو، لكنها تحولت اليوم إلى ساحة سياسية رقمية للشباب على الأنترنيت. منصة المراسلة الأمريكية، التي أطلقت في ماي 2015، بهدف توفير بيئة دردشة صوتية للاعبين، أضحت أداة استراتيجية في أيدي شباب “جيل زاد” (Gen Z) حول العالم، وشكلت خلال السنوات الأخيرة ساحة نقاش افتراضية مفتوحة، حتى باتت تستعمل اليوم في تنسيق تحركات احتجاجية بالنيبال والمغرب ومدغشقر.
الأخبار
منذ يوم السبت 26 شتنبر الفائت، يشهد المغرب احتجاجات كبيرة يقودها شباب من “جيل زاد”، وهي الفئة العمرية المولودة قبيل ومع مطلع الألفية الجديدة. وقد بدأت أولى هذه الاحتجاجات منتصف الشهر الماضي، وذلك احتجاجاً على صعوبة الوصول إلى بعض الحقوق الأساسية، سيما في قطاع الصحة الذي يعاني من تفاوت كبير بين المؤسسات العمومية والخاصة.
ومع تصاعد الغضب الشعبي، طالب الشباب في تظاهرات بعدة مدن مغربية، بتحسين نظام الرعاية الصحية. ومن أجل تنظيم تحركاتهم الاحتجاجية، عمل الشباب على استخدام آلية التواصل التي تتيحها منصة المراسلة الأمريكية “ديسكورد”. وتحت اسم“GenZ 212”، أنشأ مجموعة من الشباب المغاربة على هذه المنصة قناة للنقاش تضم حتى اليوم أكثر من 150 ألف عضو.
“ديسكورد” تتحول إلى ساحة سياسية
تحولت منصة الألعاب الإلكترونية إلى ما يشبه “الأغورا السياسية”، مثلما كان يفعل قدماء اليونان في تلك الساحة الدائرية التي اشتهرت بهذا الاسم.. وقد انصبت محاور نقاش الشباب المغربي على قضايا الصحة والتعليم ومحاربة الفساد، إضافة إلى عملية التخطيط للتحركات الميدانية القادمة. وبعد حوارات طويلة وتحركات ميدانية، بات هذا التجمع، الذي يصف نفسه بأنه مكون من “شباب أحرار” دون انتماءات سياسية، يؤكد على مطالبه بإقالة الحكومة، كما جاء في بيان لهم في ليلة 2 إلى 3 من شهر أكتوبر الجاري.
هذه التظاهرات التي يشهدها المغرب هذه الأيام ليست حالة منفردة، فقد شهدت دول أخرى احتجاجات مماثلة، مثل مدغشقر ونيبال في أوائل شهر شتنبر الماضي. وعلى الرغم من اختلاف السياقات المحلية، فإن “جيل زاد” في هذه البلدان ينظم نفسه عبر الأنترنيت بالأساس، مطالباً بتحسين ظروف الحياة ورافضاً للممارسات القديمة للقيادات السياسية التي لم تعد تلبي توقعاته.
في نيبال، على سبيل المثال، انطلقت الاحتجاجات بعد قرار الحكومة حظر 26 منصة رقمية، بينها “فيسبوك” و”يوتيوب” و”لينكدإن”، في نهاية الصيف الفائت. واندلعت مظاهرات ضخمة في شوارع كاتماندو يومي الاثنين والثلاثاء 8 و9 شتنبر الماضي.
وكان تطبيق “ديسكورد” المنصة التي نظم الشباب من خلالها احتجاجاتهم، حيث جمعت مساحة نقاش تضم عشرات الآلاف من الأشخاص، وأسهمت في اختيار رئيسة وزراء بالإنابة، هي سوشيلا كاركي، التي تولت المنصب يوم 16 شتنبر وحتى الانتخابات القادمة المقررة في شهر مارس المقبل. وهذه هي المرة الأولى التي يحدث فيها مثل هذا التنظيم السياسي عبر منصة رقمية من هذا النوع.
منصة للعب.. وللجد أيضا
ظهرت منصة “ديسكورد” في عام 2015 في الولايات المتحدة، وخصصت في البداية لعشاق الألعاب الإلكترونية، لتسهيل التواصل بينهم. المنصة مجانية ومتاحة عبر الهاتف، وعلى الحاسوب واللوحات الإلكترونية، ومؤخراً عبر أجهزة الألعاب.. وتتيح المحادثات الصوتية، ومؤتمرات الفيديو، والرسائل النصية.
وتتكون “ديسكورد” من “خوادم” متعددة، وهي مساحات عامة أو خاصة تُقسم إلى غرف نقاش موضوعية. يمكن تشبيهها بمجموعة من المنتديات الرقمية، لكل منها مجتمع معين: عشاق الألعاب، المانغا، الموسيقى، البودكاست، العملات الرقمية… ويتم الوصول إليها فقط عبر روابط دعوة، مما يعزز شعور الخصوصية لدى المستخدمين. وقد تستوعب هذه الخوادم عشرات آلاف الأعضاء، وهو ما يتجاوز بكثير قدرات منصات المراسلة التقليدية مثل “ماسنجر” و”واتساب”.
في فرنسا، انتشر تطبيق “ديسكورد” بين طلاب المدارس الثانوية والمتوسطة أثناء جائحة كورونا سنة 2020، وذلك بالتوازي مع استخدام تطبيقات مثل “زووم” أو “تيمز” من قبل الأهل لأغراض العمل.
وعلى الرغم من الصورة الملتصقة بالمنصة كمجال للألعاب، فقد أظهرت الإحصاءات أن 67 في المئة من خوادم “ديسكورد” في سنة 2022 لم تعد تختص بالألعاب، بحسب تصريحات جيسي ووفورد، المدير السابق للتسويق في المنصة، لصحيفة لوفيغارو الفرنسية. واليوم، تعلن منصة “ديسكورد” عن وجود 200 مليون مستخدم نشط لها شهرياً حول العالم، مما يجعلها بيئة مثالية للنقاش السياسي وتناول قضايا الشأن العام بين الشباب.
مؤطر
“تيك توك” و”إنستغرام”.. الثقافة الشعبية كأداة سياسية
ليست “ديسكورد” المنصة الوحيدة لـ “جيل زاد” للتعبير السياسي. فقد أصبح تطبيق “تيك توك” أداة سياسية مهمة، إذ لم تعد منصة للرقصات البسيطة، بل باتت وسيلة للشباب لتوثيق ما يجري في بلدانهم بطريقة ساخرة تتوافق مع ثقافة المنصة. في نيبال والمغرب، تُشاهد هذه الفيديوهات ملايين المرات، ما يتيح للمستخدمين الآخرين دعم الحركات الاحتجاجية.
كما لعب تطبيق “إنستغرام” دوراً محورياً، سيما في تنظيم الاحتجاجات في مدغشقر، حيث توثق عدة حسابات المعلومات المرتبطة بالحركة. حساب Genz_Z_Madagascar، على سبيل المثال، يضم أكثر من 30 ألف متابع ويشارك يومياً مطالب الشباب التي تشمل تحسين خدمات المياه والكهرباء.
وتظهر في الصورة الرمزية شخصية القراصنة الشهيرة المستوحاة من علم لوفي، بطل مانغا ون بيس، والتي تحولت إلى رمز مشترك لكافة هذه الحركات الاحتجاجية. وفي قسم النبذة عن الحساب، يمكن قراءة عبارة: «مدغشقر المستقبلية بين أيدينا. لا تخشوا من التعبير»، مما يعكس بشكل واضح تطلعات هذا الشباب الغاضب نحو حياة أفضل.





