
وسط تنامي إعصار العنف الرقمي والمدرسي وعنف الشارع، وتفشي العنف والتفكك الأسري، وصعود نجومية التفاهة والتحولات المجتمعية المتسارعة، وانتعاش تجارة الابتزاز والتشهير والسب والقذف، وإهانة المؤسسات الرسمية وإقحام مسؤولين كبار في شبهات خطيرة، والتدمير الممنهج لأجيال المستقبل، نحتاج إلى وقفة تأمل حقيقية، لعلنا نجيب من خلالها عن أسئلة راهنية حول ماذا يقع، وإلى أين نسير، وما هي الحلول الناجعة لتجاوز هذه الأزمة وتحويلها إلى مكاسب قبل فوات الأوان؟
في ظل تسارع الأحداث السلبية، التي تتناقلها منصات المواقع الاجتماعية، ولها بالغ التأثير على الأمن العام وحفظ السلم الاجتماعي والمس بهيبة المؤسسات الرسمية وعرقلة تطبيق القانون، علينا العودة لدراسة متأنية لأسباب الأعطاب الاجتماعية التي نعانيها، مع تفعيل المحاسبة بالنسبة إلى كل قطاع حكومي ومسؤوليته في الفشل، خاصة وأن الدولة خصصت الملايير لقطاعات الثقافة والرياضة وإصلاح قطاع التربية والتعليم، دون تحقيق الأهداف المسطرة.
نحتاج إلى الشجاعة الكافية للقول إننا أمام معضلة حقيقية لتحول العنف الإلكتروني إلى عنف مادي، واستغراق الأسر في السعي خلف كسب وتحسين الوضع المادي وضمان المصاريف الضرورية وتداخل الأساسيات مع الكماليات، وكل ذلك على حساب التربية على القيم النبيلة والنصح والإرشاد، وغياب الدفء الأسري.
وبالنسبة إلى من يتابع تطورات التحولات المجتمعية بالمغرب، ويدرس التحول الأسري وانتشار العنف، فإن ما يحدث الآن ليس فيه أي عنصر للمفاجأة، باعتباره نتيجة طبيعية لفشل منظومة التربية والتعليم، وتراكمات الفشل الحكومي في التنمية، وغياب الرفع من المداخيل، والتقليد الأعمى لثقافات وعادات وتقاليد أخرى دخيلة، لا تتوافق وتاريخ وثقافة المملكة الشريفة العريقة.
في كل الأزمات المعقدة، هناك الحلول المستعجلة لوقف النزيف أولا، وبعدها تتم دراسة الاستراتيجيات الناجعة التي تعالج الأسباب في العمق، شرط القابلية للتنزيل على أرض الواقع وتوفير الأرضية المناسبة بشكل استباقي، عوض البرامج الإنشائية التي تنتهي صلاحيتها بمقرات الاجتماعات، ولا تلامس الواقع المعاش لشريحة واسعة من المواطنين تشكل الأغلبية في كل الأحوال.
علينا إحداث تغييرات جذرية في السياسات العمومية لتواكب التحولات المجتمعية المتسارعة، وتسريع التشريعات القانونية لتواكب هذه السرعة المهولة التي يسير بها كل شيء، وتقنين النشر بالدرجة الأولى وردع كافة أشكال التحريض على العنف، مهما كانت الجهة التي يصدر عنها، وتجريم التطبيع مع جرائم السب والقذف الافتراضية التي انتقلت لأرض الواقع على شكل جرائم القتل والصراعات الدموية الخطيرة.
ما زال الوقت مناسبا لتدخل كافة الجهات المعنية، لكسر موجة العنف والتشهير والسب والقذف وتمييع دور المؤسسات الرسمية، بشرط تقدير المسؤولية وربطها بالمحاسبة، وهي المحاسبة التي يجب أن تمتد للأسر أيضا وكل طرف متورط في الإهمال والتملص من المسؤولية على أن ذلك لا ينسينا التركيز على تمويل مشاريع التنمية الشاملة والتشغيل والتكوين والسكن اللائق في البرامج الحكومية المقبلة، والحد من نسبة الفقر والتهميش وتقليص الفوارق الاجتماعية.
هذا الوطن الغالي علينا جميعا، هو بيتنا الذي يحمينا تحت القيادة الرشيدة للملك محمد السادس، وبالعودة إلى مضامين الخطب الملكية السامية نجد أنها دقت ناقوس خطر ما يحدث الآن، قبل سنوات، من التوجيه نحو تجويد التكوين المهني وإصلاح التربية والتعليم، وتخليق الحياة السياسية، وتجويد الخدمات العمومية من قبل المجالس المنتخبة، والحد من نسبة الفقر والتهميش، وترشيد النفقات، وتوفير الشغل، وجعل كافة المؤسسات العمومية في خدمة الوطن والمواطنين، وإلا فإنه لا حاجة إلى وجودها من الأصل كما ذكر ذلك ملك البلاد في خطاب له، فهل من ملتقط للرسائل الملكية ولو بعد حين؟