آلفين توفلر…مفكر صدم العالم بتوقعاته السياسية والاقتصادية
ناقش الثورة الرقمية وثورة الاتصالات وثورة الشركات والتطور التكنلوجي

“آلفين توفلر” الكاتب والمفكر الأمريكي وعالم دراسات المستقبل الذي غيبه الموت في لوس أنجلوس قبل عدة سنوات، أبهر العالم بتوقعاته، حيث تُرجمت كتبه ودراساته إلى أكثر من عشرين لغة حول العالم، وقام بالتدريس لعدة رؤساء دول وحكومات أبرزهم “ميخائيل جورباتشوف” آخر رؤساء الاتحاد السوفيتي، ورئيس وزراء ماليزيا “مهاتير محمد” وغيرهم الكثير من أبرز قادة وحكام العالم سياسيًا واقتصاديًا. كان توفلر في أعماله يحلق خارج السرب دوماً سواء في اختياره لموضوعاته أو في الكيفية التي يتناولها بها.. فلفت أنظار العالم وهو يناقش الثورة الرقمية، وثورة الاتصالات، وثورة الشركات، والتطور التكنولوجي، وحقق نجاحات كبيرة عندما عمل نائبا لرئيس تحرير مجلة فورتشن الشهيرة.
ألن توفلر..عندما يصبح المستقبل علما
لم يؤثر أي حديث عن المستقبل في واقع السياسة الدولية وفكر القادة والسياسيين وعلماء الاجتماع، كما فعل الكاتب والمفكر الشهير “ألفين توفلر”. فقد كانت دقة توفلر ومنطقيته في التفكير عندما تقرأ له و هو يحكي لك عن مستقبل العالم سياسيًا و اقتصاديًا و اجتماعيًا كفيله بأن يجعلك تشعر أنه يحدثك عن شيء يراه بالفعل حاضرًا أمام عينيه.
كان توفلر في أعماله يناقش الثورة الرقمية وثورة الاتصالات وثورة الشركات والتطور التكنلوجي. عمل نائبا لرئيس تحرير مجلة فورتشن الشهيرة. ركز توفلر في كتاباته المبكرة على التكنلوجيا وتأثيرها على الناس مثل تأثير المعلومات الزائدة أو الفائضة. ثم تحول إلى دراسة ردات الفعل والتغيرات في المجتمع.
وكانت كتاباته بعد ذلك دراسة عن تركيز الدول بشكل واضح في القرن الواحد والعشرين على تطوير المعدات العسكرية وانتشار الأسلحة وتطوير التكنلوجيا وعلى الرأسمالية. توفلر متزوج من هايدي توفلر وهي أيضا كاتبة وعالمة دراسات مستقبلية. ويعيش هو وزوجته في لوس أنجلس. وكانا في الواقع يكتبان معا جميع الكتب التي ظهرت باسم الزوج ألفن توفلر. وصفت مؤسسة أكسنتور للاستشارات الإدارية توفلر بأنه ثالث أهم شخص بين رواد الإدارة في أمريكا بعد بيل غيتس وبيتر دراكر. كذلك أطلق عليه في الجريدة البريطانية فاينانشال تايمز بانه “أشهر عالم دراسات مستقبل في العالم”.
صنفته صحيفة الشعب اليومية الصينية بين خمسين أجنبي الذين ساهموا في صياغة الصين الحديثة. وجاء في الصحيفة الصينية بالنص: “على مر تاريخ الصين الطويل، فان العصر الذي بدأ من عام 1840 تميز بأكبر وأسرع وأشرس وأعقد تغيير في تاريخ الصين. وقد كان هناك الكثير من الأجانب الذي كان يمكن أن يؤثروا في تلك الفترة بالذات. لكن بشكل عام فهناك خمسون منهم بلا شك قد قدموا أفضل وأكبر تأثير برهن على الميزات التاريخية التي تصادمت بها الصين مع العالم”.
وصفت مؤسسة أكسنتور للاستشارات الإدارية توفلر بأنه ثالث أهم شخص بين رواد الإدارة في الولايات المتحدة عبر التاريخ بعد بيل جيتس وبيتر دراكر، كذلك وصفته الجريدة البريطانية العريقة “فاينانشال تايمز” بإنه “أشهر عالم دراسات مستقبل في العالم”. كما صنفته صحيفة “الشعب” اليومية الصينية بين الخمسين أجنبي الذين ساهموا في صياغة الصين الحديثة، كما كان له فضل كبير في تطوير طريقة تفكير رئيس الحكومة الصينية الأسبق زهاو زيانج. كما أعترف بعبقرتيه الملياردير المكسيكي كارلوس سليم الذي ساعده “توفلر” كثيرًا على التوقع بالفرص التجارية المستقبلية والتعرف عليها.
الموجة الثالثة
في عام 1987 صدر كتابه توفلر الشهير “الموجة الثالثة “Third Wave الذي توقع فيه بانهيار الاتحاد السوفيتي السابق، حيث قدم دلائل علمية وذكيّة تؤيد تصوراته وتدعم بقوة احتمال انهيار وشيك. وهذا ما تحققّ بعدها بثلاث سنوات. لقد انهار الاتحاد السوفيتي فعلا وفق توقعاته. ولكن ما يخيف الأمريكيين ما جاء في نهاية الكتاب، إذ استكمل توفلر توقعاته التي شدد عليها بإصرار، بالقول إنه بعد 25 عاماً على الأقل من انهيار الاتحاد السوفيـتي، على العالم أن ينتظر انهيار الولايات المتحدة الأمريكية نفسها وتفككّها إلى ولايات مستقلة.
وذهب توفلر إلى أكثر من ذلك، حينما وضع في إطار نظريته المستقبليّة احتمالات عدّة لسيناريوهات الانهيار، منها، أن تبدأ (ثورة السود) وامتدادها إلى كل الولايات. حرائق ومظاهرات، وأعمال شغب وقتل وانهيار أمني ثم انفصال وهكذا، سوف يبدأ الانهيار.. مجرد شرارة واحدة تشعل غضب الملونين، وكأنه تنبأ بسياسة ترامب العنصرية البغيضة أو باجتياح وباء كورونا البلاد. فقد انهار الاتحاد السوفيـتي بالفعل، وها قد مضى ما يقرب من 30 عاماً على ذلك الحدث الكبير. فهل يمكن اعتبار توقعات توفلر عن انهيار الولايات المتحدة أمراً محتملاً؟ وخاصة أنها تقوم على احتمالية تفكك الولايات المتحدة الأمريكية نتيجة حصول ركود اقتصادي كالذي حصل عام 1921.
يوضح توفلر افكاره عن طبيعة المجتمع بقوله: “يحتاج المجتمع إلى افراد يهتمون ويعتنون بالمسنين وكبار السن وإلى افراد يكونون رحماء فيما بينهم وصادقين مع بعضهم. يحتاج المجتمع إلى افراد يعملون في المستشفيات. يحتاج المجتمع إلى كل أنواع المهارات والمعارف التي لا تكتفي بكونها مهارات فنية لا غير. بل ان يكون حاملوا هذه المهارات والفنيات يتمتعون بعواطف ووجدان. لا تستطيع إعمال المجتمع بالأوراق والكمبيوتر وحدهما”.
ويتحدث توفلر عن أمية القرن الواحد والعشرين في كتاب “إعادة تفكير في المستقبل” ويقول: “الأميون في القرن الواحد والعشرين ليسوا من لا يقرؤون ولا يكتبون، لكن أميي القرن الجديد هم الذين ليست عندهم قابلية تعلم الشيء ثم مسح ما تعلموه ثم تعلمه مرة أخرى”.
في كتابه “الموجة الثالثة” يبين توفلر ثلاثة أنواع من المجتمعات، مستندا على مفهوم يسميه “الموجات”. فكل موجة تزيح طبيعة المجتمعات وطبيعة الثقافات السابقة عليها جانبا.
الموجة الأولى هي مجتمع ما بعد الثورة الزراعية الذي أزاح وتجاوز ثقافة مجتمع الصيد. أما الموجة الثانية فهي المجتمع أثناء الثورة الصناعية. التي يرجع تاريخها تقريبا إلى أواخر القرن السابع عشر وحتى أواسط القرن العشرين.
المكونات الرئيسية لمجتمع الموجات الثلاث هي الأسرة النووية أو الأسرة النواة، نظام التعليم المصطنع ونظام المؤسسات التجارية. يقول توفلر عن هذا الموضوع: “مجتمع الموجة الثانية مجتمع صناعي قام أساسات عديدة. قام على الإنتاج الضخم، والتوزيع الواسع المجال، وعلى الاستهلاك الكبير، التعليم الإلزامي، ووسائل الإعلام ذات الجمهور العريض، وانتشار وسائل التسلية والترفيه، حتى نصل إلى انتشار أسلحة الدمار الشامل. ثم تجتمع هذه الأساسات مع مفاهيم مثل توحيد المقاييس أو التوحيد المعياري، ومفهوم المركزية، ونظام التواصل والتزامن السريع. ثم نخرج بنموذج تنظيمي إداري ندعوه البيروقراطية”.
الانهيار الحتمي للولايات المتحدة الأمريكية
الحديث عن مستقبل الولايات المتحدة الأمريكية يندرج في هذا السياق، وبما أن “أهل مكة أدرى بشعابها” فالمفكر الأمريكي المستقبلي سيكون أكثر مصداقية من غيره في الحديث عن ذلك، نظراً لارتباطه بالمصالح العليا لبلاده، والتي تشكل الدافع باتجاه نقده البناء للواقع الأمريكي. وحتى يكون هذا المفكر موضوعياً، سيأخذ بعين الاعتبار الحقيقة التاريخية التي تقول بأن القمة لا تدوم لأحد في تاريخ الدول والحضارات؛ لذلك، فإن تغيير المستقبل يبدأ بالنقد الإيجابي للواقع ومحاولة تغييره. وفي ذات الإطار وضع علماء “المستقبليات الأميركيين” تصوراتهم لمستقبل بلادهم، حيث يؤكِّدون بأن تفكّك وتهاوي أميركا هما مسألتان حتميتان فلا مناص منهما، وذلك بناء على قوانين وأسباب مؤدّية إلى سقوط الدول والحضارات، وهي “تكهّنات” تنبني على رَصْدِ مختلف العوامِل والأسباب والشروط التي أسقطت دولاً وإمبراطوريات مثل: الرومانية، العثمانية، البريطانية التي غابت عنها الشمس، الاتحاد السوفياتي.. وقياساً على ذلك فإن أميركا لن تكون خارج السياق وليس من المنطق أن تستثنيها قوانين التاريخ الإنساني، وخاصة أن أسباب تقهقرها كامنة في سياساتها الداخلية والخارجية وقد يعجل بالخاتمة رجل مقامر بمواصفات ترامب.
نحن هنا لا نتحدث عن نبوءات مستحيلة تقوم على الرجم بالغيب؛ بل على توقعات وفق ما يتوفر لدى المفكرين من معطيات واقعية وقواعد تقنية للقياس. وهنا يتجلى التوافق العجيب ما بين توقعات ” ألفين توفلر” وواقع الحال، أي أن الولايات المتحدة الأمريكية ستعاني من الركود الاقتصادي المحتمل، بعد انتشار وباء الكورونا المدمر، واستمرار رئيسها المقامر ترامب في سياساته الدولية الخاطئة بدءاً من ابتزاز دول الخليج العربي، والانحياز ل”إسرائيل” في إطار خيار صفقة القرن المجحف بحق الفلسطينيين، وتصعيده للمواجهة الاقتصادية مع الصين، وإلغاء معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى العام الماضي، حيث مضى عليها ثلاثة عقود، والتي أبرمت بين ريغان وغورباتشوف عام 1986، وجاء قرار الإلغاء من الطرف الأمريكي بذريعة أن روسيا انتهكتها منذ عام 2014 بينما في واقع الأمر بأن القرار الخاطئ جاء للرد على جهود الصين في تطوير ترسانتها النووية.. وهذا سيستهلك الميزانية الأمريكية في سباق جديد للتسلح وعلى حساب التنمية الشاملة، وسوف يهز موقف الدولار عالمياً لصالح اليوان الصيني أو اليورو.. وقد يؤدي كل ذلك إلى انفصال كاليفورنيا عن الاتحاد. ودعونا نتذكر ما قاله بيرنارد غروفمان، خبير العلوم السياسية بجامعة كاليفورنيا في إيرفين: “إذا انفصلت كاليفورنيا، قد تتفكك أوصال الولايات المتحدة الأمريكية” وهذا يتوافق مع توقعات توفلر.
تزايدت حدة الاستقطاب السياسي والفكري في الولايات المتحدة الأمريكية خلال السنوات الأخيرة. ويرى بعض الباحثين أن الولايات المتحدة تشهد في الوقت الراهن تجاذبات وصراعات فكرية غير مسبوقة، وكأن توقعات “توفلر” تقرع الأبواب، وكان المشككون يصرون على أن كاليفورنيا لا تعتزم الانفصال عن الولايات المتحدة الأمريكية في المستقبل القريب ما لم يطرأ تغير جسيم.. وهذا التغير بدأ يفرض نفسه على الواقع الأمريكي كما تحدثنا عنه أعلاه، تحت عنوان “ما بعد انتشار الكورونا”.





