أحداث نونبر 1977 الساخنة في الصحراء.. وكواليس رسالة الملك الحسن الثاني إلى الجامعة العربية

يونس جنوحي
طوال سنوات اشتغاله إلى جانب الملك الحسن الثاني، احتفظ السفير محمد التازي بعدد من الرسائل الملكية التي تولى نقلها بنفسه أو كان شاهدا على سياقها وحاضرا في كواليسها.
احتفظ التازي، في أوراقه الشخصية، بنصوص مضامين الرسائل الملكية، خصوصا منها التي وجهها الملك الراحل إلى الجامعة العربية في أسخن محطات ملف الصحراء.
في شهر نونبر 1977، وجه الحسن الثاني رسالة إلى الأمين العام للجامعة العربية، في سياق ساخن.. كان التازي وقتها عين سفيرا في تونس ولم تمض على تعيينه سنة كاملة. هنا يشهد التازي على السياق الذي كُتبت فيه الرسالة الملكية ويسجل نصها كاملا في أرشيفه الشخصي. يقول:
«الرسالة مؤرخة في الثاني عشر من شهر نوفمبر عام 1977. ففي ذلك الشهر كثفت الجزائر من انتهاكها للأراضي المغربية في الصحراء المسترجعة بواسطة عملائها من البوليساريو، ومن مرتزقة بعض دول أمريكا اللاتينية، وإفريقيين وجزائريين، ولم يبق الاعتداء مجرد مناوشات، بل اتخذ مسار الحرب النظامية، بالدبابات والصواريخ: أرض- أرض وأرض- جو. وأصبح من واجب الدولة المسؤولة عن أمن المواطنين أن تصد العدوان وتلاحق المعتدين في أماكن تجمعهم وتمركزهم، ما يعرف في العرف الدولي بحق المتابعة. ومع ذلك تريث جلالته في اتخاذ قرار خطير كهذا، لأن معناه حرب صريحة بين المغرب والجزائر. وإعلان الحرب قرار سهل يسير، لكن إنهاءها لا يمكن التحكم فيه، لذلك ارتأى جلالته أن يبرئ ذمته ويطلع الدول العربية على خطورة الوضع، فبعث برسالة إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية».
من أقوى مضامين الرسالة الملكية الموجهة إلى الأمين العام للجامعة العربية وقتها، السيد محمود رياض، ما يلي:
«منذ ما يناهز سنتين والتراب المغربي والتراب الموريتاني يتعرضان لهجومات غادرة وحدودنا تخترق، وتتسرب إليها من داخل الجزائر عصابات تتوفر على الأسلحة الفتاكة التي تودي بالأرواح، وتحاول شل النشاط الهادف للبناء.
ولقد حاولنا جهدنا ولحد الآن، ألا نتابع المعتدين إلى حيث انطلقوا ونقتصر على صد العدوان في مكان العدوان، حقنا للدماء، وتخفيفا من التضحيات في الأنفس والممتلكات. إلا أن الاعتداءات استمرت واتسع نطاقها وأخذت تكتسي مع توالي الأيام مظهر العمليات الحربية، إنه ليتحتم أن يوضع حد لهذا التصعيد، ونحن في ما يخصنا سنوالي الجهود للحفاظ على وحدة الصف العربي والتضامن الإفريقي وما نزال مؤملين أن تتغلب مقتضيات التعاون وحسن الجوار بين الأشقاء في المغرب العربي على كل اعتبار.
وإنه ليؤلمنا ويحز في نفسنا أن يقابل المسؤولون الجزائريون جميع المساعي المبذولة من الأشقاء والأصدقاء بموقف تميز بكيفية مطردة بالرفض والعناد والتصلب.
إننا تأمل – مع ذلك – أن يتغلب التعقل في النهاية حتى لا نمضي في طريق المغامرات العسكرية، وحتى ننصرف لبناء الوحدة العربية لخير شعوبنا المشتركة، ولصالح القضية العربية التي تستدعي وحدة الصف وحشد الجهود والطاقات في المشرق والمغرب لتأييدها ونصرتها.
إننا ننتظر من الجامعة العربية الموقرة عملا حاسما يحمل المسؤولين الجزائريين على مراجعة موقفهم حتى تنقذ منطقة المغرب العربي من التردي أكثر في هذه الوضعية التي تهدد سلم المنطقة وأمنها».
المثير أن الرسالة الملكية إلى الجامعة العربية تزامنت مع رسالة أخرى من هواري بومدين، اطلع عليها السفير محمد التازي في إطار مهمته في الجامعة العربية.. رسالة الرئيس الجزائري ضمت عددا من النقاط التي رد عليها التازي بطريقته، والتي كشف فيها أن هواري بومدين كان يناقض نفسه- بحسب تعبير السفير محمد التازي-، من سطر إلى آخر.





