أحزاب سياسية تتلاعب بالمال العام
العدوي سجلت 201 ملاحظة وطالبت 15 حزبا بإرجاع 21,96 مليون درهم

أصدر المجلس الأعلى للحسابات تقريره المتعلق بتدقيق حسابات الأحزاب السياسية برسم سنة 2023، وفحص صحة النفقات المصرح بها برسم الدعم العمومي الممنوح لها للمساهمة في تغطية مصاريف تدبيرها وتنظيم مؤتمراتها الوطنية العادية، وذلك في إطار المهام والاختصاصات المنوطة بالمجلس. وعلى غرار السنوات السابقة، رصد التقرير جملة من الخروقات والاختلالات في تدبير حسابات جل الأحزاب السياسية، حيث وجهت رئيسة المجلس 201 ملاحظة للمسؤولين عن هذه الأحزاب، فيما طالبت 15 حزبا سياسيا بإرجاع مبالغ دعم تناهز 21,96 مليون درهم إلى خزينة الدولة، يتعلق الأمر بمبالغ الدعم غير المستحقة، أو غير المستعملة، أو المستعملة لغير الأغراض التي منحت من أجلها، أو التي لم يتم إثبات صرفها بوثائق الإثبات القانونية. وسجل التقرير أن بعض الأحزاب تخرق قواعد المحاسبة المالية الخاصة بها، ولم تدل بوثائق تثبت أين صرفت نفقات تحصل عليها من جيوب دافعي الضرائب.
إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي
المجلس الأعلى للحسابات يوجه 201 ملاحظة للأحزاب السياسية
أصدر المجلس الأعلى للحسابات، تقريره المتعلق بتدقيق حسابات الأحزاب السياسية برسم سنة 2023، وفحص صحة النفقات المصرح بها برسم الدعم العمومي الممنوح لها، للمساهمة في تغطية مصاريف تدبيرها وتنظيم مؤتمراتها الوطنية العادية، وذلك في إطار المهام والاختصاصات المنوطة بالمجلس.
وأسفرت عملية التدقيق عن تسجيل 201 ملاحظة، شملت التدبير المالي والمحاسبي للأحزاب ومدى التزامها بالمقتضيات القانونية والتنظيمية المؤطرة لماليتها، وكذا الإجراءات المتخذة من طرف الأحزاب المستفيدة من الدعم الإضافي برسم سنة 2022 بشأن الإدلاء بمخرجات وتقارير المهام
والدراسات والأبحاث الملتزم بإنجازها.
ووجهت هذه الملاحظات إلى المسؤولين الوطنيين عن الأحزاب السياسية خلال الفترة الممتدة ما بين 5 و11 يوليوز 2024، قصد تمكينهم من تقديم التبريرات والمعطيات اللازمة بشأن الملاحظات المسجلة وتوصل المجلس بتعقيباتهم وبوثائق محاسبية ومستندات إثبات لدعم أجوبتهم خلال الفترة ما بين 26 يوليوز و3 أكتوبر 2024.
وقد أظهرت المعطيات المتعلقة بآجال الرد على ملاحظات المجلس تفاوتًا في مستوى احترام الأجل القانوني المحدد في ثلاثين (30) يوما، إذ احترم 21 حزبًا من أصل 27 هذا الأجل، أي بنسبة تُعادل حوالي 78%. في المقابل، تجاوزت 6 أحزاب هذا الأجل، وهو ما يُمثّل نسبة 22%، حيث تراوحت مدد التأخر بين يوم واحد بالنسبة لحزبين، لتصل إلى أكثر من أربعين يوما بالنسبة لحزب واحد.
ومن خلال فحص تحليل الأجوبة المذكورة، ثبت للمجلس عدم تقديم بعض الأحزاب للتبريرات الكافية، لاسيما في ما يخص إرجاع مبالغ الدعم إلى الخزينة، ومحتوى الحسابات السنوية المدلى بها، وتقارير الخبراء المحاسبين، والتحفظات المعبر عنها في هذه التقارير، واحترام القواعد المحاسبية، وإثبات تحصيل الموارد وصرف النفقات، وكيفيات تحصيل الموارد.
وبالموازاة، وفي إطار جهوده المتواصلة لمواكبة الأحزاب السياسية، قام المجلس بتوجيه استبيان إلى جميع الأحزاب التي قدمت حساباتها (27 حزبًا)، بهدف تقييم مدى التحسن الذي عرفه تسيير هذه الأحزاب خلال سنة 2023 في المجالات المتعلقة بالتنظيم الإداري والمالي والمحاسبي، وإعداد وتنفيذ الميزانية، وتدبير الموارد البشرية، واستعمال الدعم السنوي الإضافي، وقد تلقى المجلس أجوبة 22
حزبًا من أصل 27.
ومن خلال تحليل أجوبة الأحزاب على هذا الاستبيان، سجل المجلس استمرار النقائص المثارة في تقاريره السابقة برسم سنتي 2021 و2022، لاسيما فيما يخص محدودية مستوى التأطير والموارد البشرية والتدبير الإداري والمالي.
وعلى مستوى دعم النفقات المصرح بصرفها بوثائق الإثبات القانونية، س ّجل المجلس نقصا في دعم ما يعادل 5,73 ملايين درهم بوثائق الإثبات القانونية أي ما يناهز 6,27% من مجموع النفقات المصرح بصرفها، والمقدّرة بـ 91,37 مليون درهم، مقابل 26% من مجموع النفقات المصرح بها سنة 2022 و4% سنة 2021.
وقد همت هذه الملاحظات 17 حزبًا من أصل 27، وتوزعت بين نفقات لم يتم دعمها بوثائق الإثبات القانونية، والتي تمثل 5,85% من مجموع النفقات المصرح بها من طرف الأحزاب، ونفقات تم دعمها بوثائق إثبات غير كافية أو معنونة في غير اسم الحزب (0,42%).
وتعزى هذه الوضعية أساسا إلى عدم الإدلاء ببعض الوثائق والمستندات المثبتة المنصوص عليها في قائمة الوثائق والمستندات المعتمدة لتبرير نفقات الأحزاب السياسية الجاري بها العمل، بعد التعديلات التي طالتها ابتداء من 7 أكتوبر 2021، وخاصة تلك المتعلقة بتبرير أجور المستخدمين والتعويضات،
وكذا النفقات المرتبطة بكراء المقرات الحزبية، فيما لم يتم الوقوف على أي استخدام للدعم الممنوح للأحزاب السياسية لتغطية مصاريف التدبير في غير الغايات التي منح من أجلها، أو على ملاحظات تتعلق بمخالفة السقف القانوني للتسديد نقدا .
وفي ما يتعلق بتقديم الوثائق والمستندات المكونة للحسابات السنوية، قدم 27 حزباا من أصل 33 حساباتها السنوية، مقابل 29 حزبًا برسم سنتي 2021 و2022. وقد احترم 22 حزبًا الأجل القانوني لتقديم هذه الحسابات، مقابل خمسة أحزاب خارج الأجل القانوني، فيما تخلفت ستة أحزاب عن تقديم حساباتها للمجلس وهي: حزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية، وحزب الإصلاح والتنمية، وحزب النهضة والفضيلة، وحزب العهد الديمقراطي، وحزب القوات المواطنة، وحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.
ولاحظ المجلس أن 23 حزبا من أصل 27 قدمت حسابات مشهودًا بصحتها من طرف خبير محاسب مقيد في هيئة الخبراء المحاسبين، من بينها 19 حسابًا مشهودًا بصحته بدون تحفظ، وأربعة حسابات بتحفظ (حزب الاستقلال، وحزب الحركة الشعبية، وحزب جبهة القوى الديمقراطية، وحزب الحرية
والعدالة الاجتماعية)، فيما قدمت أربعة أحزاب حساباتها السنوية دون تقديم تقرير الخبير المحاسب للإشهاد بصحتها (حزب النهضة، وحزب المجتمع الديمقراطي، والحزب الديمقراطي الوطني، وحزب النهج الديمقراطي العمالي).
كما سجل المجلس عدم تقديم سبعة أحزاب لكل الجداول المكونة لقائمة المعلومات التكميلية المرفقة بالملحق رقم 2 للمخطط المحاسبي الموحد للأحزاب السياسية (الحزب الاشتراكي الموحد، والحزب المغربي الحر، وحزب الأمل، وحزب الخضر المغربي، وحزب الاتحاد المغربي للديمقراطية، والحزب الديمقراطي الوطني، وحزب النهج الديمقراطي العمالي).
وفي نفس الإطار، وخلافًا لما هو منصوص عليه في المخطط المحاسبي المذكور، لم تقدم ثلاثة أحزاب جميع الكشوفات البنكية للحسابات المفتوحة بأسمائها (الحزب الاشتراكي الموحد، وحزب الاتحاد المغربي للديمقراطية، والحزب الديمقراطي الوطني). كما لم يقم كل من حزب الاتحاد المغربي للديمقراطية، والحزب الديمقراطي الوطني، وحزب النهج الديمقراطي العمالي بالإدلاء بجرد للنفقات المنجزة برسم سنة 2023 وبوضعية المقاربات البنكية.
وبخصوص التدبير المالي والمحاسبي للأحزاب، يسجل المجلس مرة أخرى ملاحظات على مستوى مسك محاسبة 23 حزبًا من أصل 27. وتتعلق بعدم التقييد المحاسبي لمبالغ الدعم الواجب إرجاعه إلى الخزينة (15 حزبًا) وارتكاب أخطاء في تنزيل عمليات محاسبية مختلفة (11 حزبًا)، وعدم احترام نماذج جداول قائمة المعلومات التكميلية أو الملاءمات المنصوص عليها في المخطط المحاسبي الموحد للأحزاب السياسية (ثمانية أحزاب)، وعدم احترام قاعدة “عدم المساس بالموازنة” أو مبدأي “تخصص الدورات المحاسبية” أو “الوضوح” (أربعة أحزاب)، وعدم تسجيل بعض العمليات المحاسبية عملية بعملية ومرتبة تبعًا لتسلسلها الزمني (ثلاثة أحزاب).
15 حزبا سياسيا مطالبة بإرجاع 21,96 مليون درهم لخزينة الدولة
رصد المجلس الأعلى للحسابات، في تقريره الأخير حول تدقيق حسابات الأحزاب السياسية، برسم سنة 2023، وفحص صحة النفقات المصرح بها برسم الدعم العمومي الممنوح لها، للمساهمة في تغطية مصاريف تدبيرها وتنظيم مؤتمراتها الوطنية العادية، مجموعة من الاختلالات في صرف الدعم العمومي، وطالب المجلس 15 حزبا سياسيا بإرجاع مبالغ دعم تناهز 21,96 مليون درهم إلى خزينة الدولة.
وحسب التقرير، فقد رصدت الدولة، في قانون المالية لسنة 2023، اعتمادات مالية قدرها 140 مليون درهم في إطار الدعم السنوي الممنوح للأحزاب السياسية للمساهمة في تغطية مصاريف تدبيرها وتنظيم مؤتمراتها الوطنية العادية والمصاريف المترتبة عن المهام والدراسات والأبحاث. وقد تم صرف 43 في المائة من هذه الاعتمادات لفائدة 17 حزباً (60,38 مليون درهم)، بالإضافة إلى صرف مبلغ دعم مخصص لتشجيع تمثيلية النساء (100.813,20 درهم) لفائدة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. وفي المقابل، واستنادا إلى المعطيات الواردة من المصالح المختصة بوزارة الداخلية، لم يتم صرف الدعم العمومي لفائدة 16 حزباً لعدم استيفائها شرطاً أو أكثر من الشروط المطلوبة قانوناً.
وفي ما يتعلق بتقديم الوثائق والمستندات المكونة للحسابات السنوية، يفيد التقرير بأن المجلس الأعلى للحسابات توصل بحسابات 27 حزبا من أصل 33، وقد احترم 22 حزبا الأجل القانوني لتقديم هذه الحسابات، في حين تخلفت ستة أحزاب عن تقديمها. ولاحظ المجلس أن 23 حزبا من بين الأحزاب التي أدلت بحساباتها، قدمت حسابات مشهودا بصحتها من طرف خبير محاسب مقيد في هيئة الخبراء المحاسبين، منها 19 حسابا مشهودا بصحته بدون تحفظ، وأربعة حسابات مع تسجيل تحفظات، فيما أدلت أربعة أحزاب بحساباتها السنوية دون الإشهاد بصحتها من قبل خبير محاسب.
وسجل المجلس أن سبعة أحزاب لم تدرج كافة الجداول المكونة لقائمة المعلومات التكميلية، المنصوص عليها في الملحق رقم 2 من المخطط المحاسبي الموحد للأحزاب السياسية. وفي السياق ذاته، لم تقدم ثلاثة أحزاب جميع الكشوفات البنكية المتعلقة بالحسابات المفتوحة بأسمائها، كما لم تدل ثلاثة أحزاب بجرد تفصيلي للنفقات المنجزة برسم سنة 2023، ولا بوضعية المقاربات البنكية.
وبخصوص فحص صحة الموارد، سجل المجلس الأعلى للحسابات نقائص بخصوص إثبات تحصيل الموارد الذاتية، بلغ مجموعها 1,72 مليون درهم، أي ما يمثل نسبة 1,64 في المائة من مجموع الموارد المصرح بها برسم سنة 2023 من طرف الأحزاب السياسية، والتي بلغت ما مجموعه 104,25 مليون درهم.
وقد همت هذه الملاحظات ثمانية أحزاب من أصل 27، وتوزعت بين موارد لم يتم دعم تحصيلها بوثائق الإثبات القانونية (بقيمة 853.164,60 درهم)، وموارد تم تحصيلها نقدا (بقيمة 865.900,00 درهم)، بالرغم من تجاوزها للسقف القانوني للتحصيل النقدي المحدد بموجب القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية.
أما في ما يتعلق بدعم صرف النفقات بوثائق الإثبات القانونية، فقد سجل المجلس نقائص همت نفقات تدبير بلغت قيمتها حوالي 5,73 ملايين درهم، أي ما يمثل نسبة 6,27 في المائة من مجموع النفقات المصرح بصرفها من طرف الأحزاب السياسية البالغة 91,37 مليون درهم.
وتعد هذه النسبة أقل من تلك المسجلة خلال سنة 2022، والتي بلغت 26 في المائة. وقد سجلت هذه النقائص على مستوى 17 حزبا من أصل 27، وتوزعت بين نفقات لم يتم دعمها بأي وثائق إثبات قانونية، بمبلغ إجمالي قدره 5,34 ملايين درهم، ونفقات تم تبريرها بوثائق غير كافية من حيث الشكل أو المضمون، بما قيمته 308.745,54 درهما، بالإضافة إلى نفقات أرفقت بوثائق معنونة في غير اسم الحزب المعني، بلغ مجموعها 74.688,73 درهما.
وفي ما يتعلق بتتبع عملية إرجاع مبالغ الدعم غير المستحقة، أو غير المستعملة، أو المستعملة لغير الأغراض التي منحت من أجلها، أو التي لم يتم إثبات صرفها بوثائق الإثبات القانونية، إلى الخزينة، وعملا بالمقتضيات التشريعية والتنظيمية ذات الصلة، سجل المجلس أن 24 حزبا قام، خلال الفترة الممتدة من سنة 2022 إلى غاية متم شهر مارس 2025، بإرجاع مبالغ دعم إجمالية قدرها 35,92 مليون درهم إلى الخزينة.
وتوزعت هذه المبالغ بين مساهمة الدولة في تمويل الحملات الانتخابية للأحزاب السياسية برسم اقتراعات سابقة، بما مجموعه 28,71 مليون درهم، والمساهمة في تغطية مصاريف التدبير بمبلغ 2,42 مليون درهم، إضافة إلى المساهمة في تمويل المهام والدراسات والأبحاث بمبلغ 4,79 مليون درهم.
وسجل المجلس كذلك أن 15 حزبا لم يقم بعد بإرجاع مبالغ دعم تناهز 21,96 مليون درهم إلى الخزينة علما أن عملية الإرجاع تتواصل بشكل مستمر وتخضع لتتبع سنوي من طرف المجلس. ومن بين الأحزاب المطالبة بإرجاع مبالغ الدعم، حزب الاستقلال بمبلغ يفوق مليار و146 مليون سنتيم، وحزب الحركة الشعبية بمبلغ يفوق 539 مليون سنتيم، وحزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية بمبلغ 156 مليون سنتيم، وحزب التقدم والاشتراكية بمبلغ 31 مليون سنتيم.
وتتوزع هذه المبالغ بين مساهمة الدولة في تمويل الحملات الانتخابية المتعلقة باستحقاقات سنتي 2015 و2016، والتي بلغ مجموعها 2,41 مليون درهم تخص ثلاثة أحزاب، ومساهمة الدولة في تمويل اقتراع سنة 2021، بمبلغ 18,13 مليون درهم يخص سبعة أحزاب، فضلا عن مبالغ متعلقة بمساهمة الدولة في تغطية مصاريف التدبير خلال السنوات 2017 و2020 و2021 و2022 و2023، بمبلغ إجمالي قدره 1,42 مليون درهم يهم سبعة أحزاب.
ويحرص المجلس، من خلال تقريره، على حصر وتتبع وضعية الإرجاعات والمبالغ الباقي إرجاعها إلى الخزينة، والتي لم يتم إثبات صرفها من طرف الأحزاب السياسية بوثائق قانونية، أو التي لم تُستعمل، أو استُعملت لغير الأغراض التي منحت من أجلها، أو التي تُعدّ غير مستحقة بالنظر إلى
النتائج المحصل عليها في الاقتراعات الانتخابية.
ويُؤشر تطور مبلغ الإرجاعات المنجزة سنويًا، بخصوص مبالغ سبق تسجيلها ضمن خانة “الباقي إرجاعه” في تقارير سابقة صادرة عن المجلس، إلى انخراط الأحزاب المعنية في مسار تدريجي لتسوية وضعيتها المالية تجاه الخزينة، مما يُضفي على وضعية هذه المبالغ طابعًا ديناميكيًا.
وبخصوص التدبير المالي والمحاسبي للأحزاب السياسية، سجل المجلس الأعلى للحسابات عدة ملاحظات همت مسك محاسبة 23 حزبا من أصل 27، تمثلت بالأساس في عدم التقييد المحاسبي لمبالغ الدعم الواجب إرجاعها إلى الخزينة من طرف 15 حزبا، وأخطاء في تنزيل عمليات محاسبية مختلفة لدى 11 حزبا، فضلا عن عدم احترام نماذج جداول قائمة المعلومات التكميلية المنصوص عليها في المخطط المحاسبي الموحد للأحزاب السياسية من طرف ثمانية أحزاب، وعدم التقيد ببعض القواعد أو المبادئ المحاسبية لدى أربعة أحزاب، إلى جانب تسجيل أخطاء في عملية ترحيل أرصدة الموازنة الختامية لدى حزبين اثنين.
وفي سياق تتبع تنفيذ التوصية الصادرة عن المجلس بشأن الإدلاء بتقارير ومخرجات الدراسات والأبحاث المنجزة في إطار الدعم السنوي الإضافي الممنوح برسم سنة 2022، سجل التقرير أن المجلس توصل بمخرجات الدراسات المتعلقة بثلاثة أحزاب، والتي تم التعاقد بشأنها مع مكاتب دراسات خلال السنة المعنية. كما قامت أربعة أحزاب بإرجاع مبالغ الدعم غير المستعملة في إطار هذا الدعم الإضافي، بلغ مجموعها ما يناهز 2,03 مليون درهم، مما مكنها من تسوية وضعيتها إزاء الخزينة بخصوص هذا الشق من الدعم.
اختلالات صرف الأحزاب للدعم.. مشاكل بنيوية بآثار عكسية
سجلت التقارير السنوية للمجلس الأعلى للحسابات بخصوص صرف الدعم العمومي الموجه إلى الأحزاب، عدة اختلالات تعتري صرف الأحزاب السياسية للأموال العمومية، تمثلت في ضعف الشفافية في إعداد التقارير المالية، حيث تعمد بعض الأحزاب إلى تقديم وثائق محاسبية غير مكتملة، أو غير دقيقة، ما يجعل من الصعب التأكد من حقيقة صرف الأموال المستلمة. وأحيانا، يتم تقديم تقارير شكلية تفتقر إلى البيانات التفصيلية الضرورية، مما يعقد مهمة المجلس الأعلى للحسابات في ممارسة دوره الرقابي.
ويمنح القانون الدعم العمومي للأحزاب لغرض تأطير المواطنين، وتنظيم الأنشطة السياسية والتكوينية، والمساهمة في تكاليف تدبير مقراتها، إلى جانب مصاريف الحملات الانتخابية، غير أن تقارير المجلس الأعلى للحسابات كشفت عن استعمال جزء من هذا الدعم في غير الأغراض المنصوص عليها، مثل صرفه في مصاريف شخصية أو تسيير داخلي غير مبرر، أو تغطية نفقات لا علاقة لها بالتأطير السياسي.
ومن بين الممارسات المسجلة أيضا، لجوء بعض الأحزاب إلى تضخيم أو تزوير الفواتير لتبرير صرف مبالغ الدعم، سواء عبر تقديم فواتير مبالغا فيها، أو اللجوء إلى فواتير صورية، ما يطرح إشكالات حقيقية تتعلق بالنزاهة والحكامة المالية، إلى جانب ما سبق، تعاني العديد من الأحزاب من ضعف آليات المراقبة الداخلية، إذ تغيب في بعض الأحيان لجان المراقبة أو التدقيق المالي، أو لا تقوم بدورها بشكل فعال. وهذا يفتح الباب أمام سوء التدبير وسوء استعمال الموارد العمومية، دون أن يتم كشفها داخليا، قبل أن تثيرها أجهزة الرقابة الخارجية.
ورغم تكرار هذه الملاحظات في تقارير المجلس الأعلى للحسابات، فإن غياب آليات فعالة لربط المسؤولية بالمحاسبة يبقى من بين أبرز أسباب استمرار هذه الاختلالات. فعلى الرغم من أن القانون يخول للمجلس الأعلى للحسابات مطالبة الأحزاب بإرجاع مبالغ الدعم المصروفة بشكل غير قانوني، إلا أن التنفيذ العملي لهذه المقتضيات يواجه أحيانا عراقيل، سواء على مستوى الإجراءات الإدارية أو على مستوى الإرادة السياسية.
وتؤثر هذه الاختلالات بشكل كبير على مصداقية الدعم العمومي للأحزاب السياسية، وتحول دون تحقيق الأهداف المرجوة منه، والمتمثلة أساسا في تقوية المؤسسات الحزبية وتمكينها من أداء أدوارها الدستورية. ومن ثَمَّ، يظل إصلاح منظومة صرف هذا الدعم ضرورة ملحة، سواء عبر مراجعة القوانين المنظمة، أو عبر إرساء آليات مراقبة فعالة، وربط الدعم بتحقيق الأهداف التنموية والسياسية المحددة، ضمانا لحكامة جيدة، وتعزيزا للثقة في العمل الحزبي.
وتعود هذه الاختلالات إلى مجموعة من العوامل البنيوية والثقافية، من أبرزها ضعف الثقافة المؤسساتية لدى بعض الأحزاب، وغياب بنية مالية وهيكلية قوية قادرة على التدبير المحكم للموارد. كما أن هيمنة بعض القيادات على أجهزة الحزب، وغياب الديمقراطية الداخلية، يجعل قرارات الصرف خاضعة أحيانا لمصالح شخصية أو فئوية، بدلا من أن تكون موجهة لخدمة أهداف التأطير السياسي والتنمية الديمقراطية.
إلى ذلك، يساهم ضعف كفاءات التدبير المالي والإداري داخل الأحزاب في تفاقم هذه الاختلالات؛ إذ غالبا ما يُسند الإشراف على صرف الدعم إلى أشخاص يفتقرون إلى الخبرة أو التدريب الكافي، ما ينتج عنه سوء تدبير وغياب معايير الحكامة الجيدة.
وتنعكس هذه الاختلالات بشكل مباشر على صورة الأحزاب لدى الرأي العام، حيث تؤدي إلى فقدان الثقة في العمل الحزبي، وتغذية العزوف السياسي لدى المواطنين، خاصة فئة الشباب. كما أنها تُضعف من مصداقية الأحزاب أمام شركائها الدوليين والمؤسسات المانحة، وتؤثر سلبا على مناخ المنافسة الانتخابية النزيهة.
وتُفرغ آلية الدعم العمومي من جوهرها، إذ يُفترض أن تُمكن الأحزاب من تنظيم لقاءات، تكوين كوادرها، وإنتاج برامج فعلية قادرة على معالجة مشكلات المواطنين. إلا أن سوء تدبير الدعم يجعل جزءا كبيرا من هذه الأهداف غير متحقق.
الدعم العمومي للأحزاب.. موارد مالية مهمة وتدبير ضعيف
يحتل موضوع تدبير الأحزاب السياسية للمال العام موقعًا بالغ الأهمية ضمن النقاش العام حول الحكامة السياسية والإصلاح الديمقراطي. فالأحزاب، بحكم وظيفتها الدستورية في تأطير المواطنات والمواطنين، والمساهمة في التعبير عن إرادتهم والمشاركة في تدبير الشأن العام، تُمنح موارد مالية مهمة من ميزانية الدولة. غير أن طريقة صرف وتدبير هذه الموارد كثيرًا ما تُثار حولها تساؤلات مشروعة، بل وانتقادات صريحة، سواء من طرف مؤسسات الرقابة أو من قبل المجتمع المدني والمهتمين بالشأن السياسي. إن تتبع المسار القانوني والعملي لتدبير الأحزاب للمال العام يكشف عن مفارقة واضحة؛ فمن جهة، توجد منظومة قانونية تحدد بوضوح طرق التمويل وقواعد الصرف والرقابة، ومن جهة أخرى، تسجل المؤسسات الرقابية، وعلى رأسها المجلس الأعلى للحسابات، اختلالات متكررة تمس جوهر الحكامة المالية وتطرح علامات استفهام بشأن مدى التزام هذه الأحزاب بالشفافية والمساءلة.
لقد نص الدستور لسنة 2011، في فصله السابع، على أن الأحزاب السياسية تساهم في تأطير المواطنات والمواطنين وتعزيز مشاركتهم في تدبير الشأن العام، وفي التعبير عن إرادة الناخبين وممارسة السلطة، على أساس التعددية والتناوب بالوسائل الديمقراطية. ولتحقيق هذه الوظائف، خُصص للأحزاب دعم عمومي من ميزانية الدولة، ينظمه القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية. ويوزع هذا الدعم على شكل موارد مختلفة، تشمل الدعم السنوي لتغطية مصاريف التسيير، والدعم الخاص بعقد المؤتمرات الوطنية، والدعم الانتخابي حسب النتائج المحققة في الاستحقاقات التشريعية والجماعية والجهوية. كما يتيح القانون للأحزاب الاستفادة من مساهمات المنخرطين، ومن عائدات أنشطتها المشروعة كإصدار الجرائد أو تنظيم التظاهرات. ويلزم القانون هذه الأحزاب بمسك محاسبة دقيقة، وتقديم تقارير مفصلة حول أوجه صرف هذه الموارد، مع إلزامية إيداعها لدى المجلس الأعلى للحسابات قصد المراقبة والتدقيق.
ورغم هذا الإطار القانوني المتقدم نسبيًا، إلا أن الواقع العملي يكشف عن اختلالات عميقة ومزمنة في تدبير المال العمومي من طرف الأحزاب، فحسب تقارير المجلس الأعلى للحسابات، يسجل عدد من الملاحظات المقلقة؛ فهناك أحزاب لا تقدم الوثائق المحاسبية الكاملة أو الدقيقة التي تبرر كيفية صرف الدعم، كما أن هناك غموضًا في طبيعة بعض النفقات المسجلة، التي توصف بعبارات عامة مثل “تعويضات” أو “نفقات تسيير”، دون إرفاقها بوثائق إثبات كافية. ويلاحظ المجلس أيضًا أن بعض الأحزاب لا تقوم بإرجاع الفائض من الدعم الانتخابي غير المستعمل، في خرق واضح للقانون، في حين تتأخر أخرى، أو تمتنع كليًا، عن تقديم تقاريرها المالية السنوية. ومن اللافت أن هذه التجاوزات لا تقتصر على الأحزاب الصغرى أو غير الممثلة، بل تشمل كذلك أحزابًا رئيسية في المشهد السياسي، ما يضعف مصداقية الالتزام الجماعي بقواعد الشفافية والحكامة.
تعود أسباب هذه الاختلالات إلى عدة عوامل متداخلة، بنيوية ومؤسساتية، فالكثير من الأحزاب لا تتوفر على بنيات إدارية وتنظيمية قوية، ولا تستعين بأطر مؤهلة في مجالات المحاسبة أو التدبير المالي، مما ينعكس على جودة التقارير والقدرة على الامتثال القانوني. كما أن ثقافة المحاسبة ما تزال ضعيفة، حيث يُنظر إلى المال الحزبي كأمر داخلي لا يقتضي الخضوع لمعايير الشفافية أو للمحاسبة الصارمة، وهو ما يتعارض مع طبيعة الدعم العمومي باعتباره مالًا عامًا خاضعًا للرقابة. يضاف إلى ذلك ضعف المتابعة الزجرية من قبل الجهات الرقابية، فبالرغم من الملاحظات المتكررة للمجلس الأعلى للحسابات، إلا أن حالات المساءلة القضائية أو فرض الجزاءات تظل نادرة. ومن بين العوامل الأخرى، غياب هياكل الرقابة المالية الداخلية داخل الأحزاب نفسها، حيث لا توجد لجان تفتيش أو تدقيق محاسبي داخلية فعالة، فضلًا عن تسييس بعض التقارير الرقابية أحيانًا، مما يفقدها فعاليتها في الدفع نحو الإصلاح.
تُخلف هذه الممارسات آثارًا سلبية عميقة على الديمقراطية المغربية. فهي تُفقد العمل الحزبي مصداقيته أمام الرأي العام، إذ يشعر المواطن أن الأحزاب تستهلك المال العمومي دون مردودية حقيقية أو التزام بمعايير الشفافية، مما يكرس أزمة الثقة في الأحزاب وفي المؤسسات السياسية عامة. كما تؤثر هذه الاختلالات على نزاهة المنافسة السياسية، حيث يستفيد من لا يحترم القانون من الدعم نفسه الذي يُمنح لمن يحاول الالتزام، ما يضرب مبدأ تكافؤ الفرص. ويجعل ذلك الأحزاب رهينة لمصالح ضيقة أو مناورات ظرفية، في غياب قواعد صارمة تضمن الاستقلالية والنزاهة في اتخاذ القرار السياسي.
وأمام هذا الوضع، يبرز الإصلاح كضرورة ملحة، ليس فقط لتحسين صورة الأحزاب، بل لضمان حسن صرف المال العام وتعزيز ثقة المواطن في المؤسسات. ويتطلب ذلك تفعيل آليات الرقابة وربط المسؤولية بالمحاسبة، وربط الدعم العمومي بمؤشرات دقيقة تتعلق بالأداء، وليس فقط بالنتائج الانتخابية. كما ينبغي فرض نشر التقارير المالية للأحزاب بشكل علني، وإتاحتها للعموم ولمؤسسات المجتمع المدني، وتوسيع سلطات المجلس الأعلى للحسابات، مع منح الصحافة دورًا رقابيًا فاعلًا في هذا المجال. ولا يقل أهمية عن ذلك، العمل على بناء قدرات الأحزاب داخليًا، من خلال التكوين والتأهيل في مجالات التدبير المالي، وتشجيع بناء إدارات حزبية حديثة تُمارس الحكامة الرشيدة.
إن تدبير الأحزاب السياسية للمال العام في المغرب يشكل مرآة حقيقية لمدى تطور الممارسة الديمقراطية في البلاد. وإذا كان النص القانوني قد وضع الأسس الصلبة لهذا التدبير، فإن الممارسة العملية ما تزال في حاجة ماسة إلى التطوير والتقويم. فبناء ديمقراطية فعالة يمر أولًا من احترام المال العام، وتكريس ثقافة المحاسبة والشفافية، حتى تكتسب الأحزاب شرعيتها من التزامها، لا من موقعها في الخارطة السياسية.
قصة دعم الأحزاب السياسية وشروط استفادتها من المال العام
يعتبر ظهير الحريات العامة الصادر بتاريخ 15 نونبر 1958 والمتعلق بتأسيس الجمعيات، أول إطار قانوني لتنظيم وتأسيس الأحزاب السياسية، ومن خلال تصفح هذا الظهير، يتضح أنه يمنع منعا كليا تمويل الأحزاب السياسية من الدولة، بحيث ينص الفصل 18 من الظهير على أنه «لا يمكن للأحزاب السياسية والجمعيات ذات الصبغة السياسية أن تتسلم بصفة مباشرة أو غير مباشرة إعانات من الدولة أو البلديات أو جماعات عمومية أو من المكاتب والمؤسسات العمومية».
لكن خلال سنة 1986، وجه الملك الحسن الثاني رسالة إلى الوزير الأول آنذاك، حثه فيها على تخصيص 20 مليون درهم سنويا لدعم الصحافة الوطنية، ومساعدة الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية، وأشارت الرسالة إلى أن هذا القرار الملكي جاء استجابة لمتلمس تقدم به أعضاء لجنتي الداخلية والإعلام بمجلس النواب، واستجابت الحكومة للرسالة الملكية، حيث تم التنصيص على تخصيص هذا المبلغ في قانون المالية للسنة الموالية سنة 1987، ومنذ تلك السنة أصبحت الدولة تخصص مبالغ مالية لتمويل الأحزاب السياسية، لكن هذا التمويل طرح العديد من الإشكالات القانونية حول كيفية توزيع الدعم وتحديد لائحة الأحزاب المستفيدة، لكن دستور 1992 نص في فصله الثالث على تخصيص دعم للأحزاب المنخرطة في المسلسل الديمقراطي على تأطير المواطنين، وهو ما أضفى شرعية قانونية ودستورية على منح الدعم للأحزاب السياسية الذي أصبح معمولا به إلى حدود الآن.
بعد ذلك أصدرت الحكومة مرسوما بتاريخ 28 شتنبر 1992، نص على تخصيص دعم للأحزاب لتمويل حملاتها الانتخابية، بحيث نص المرسوم على أنه «على الأحزاب السياسية والجمعيات ذات الطابع السياسي التي تتلقى إعانة من الدولة، خصوصا في صورة مساهمة في تمويل الحملات الانتخابية، التي تقوم بها بمناسبة الانتخابات العامة الجماعية والتشريعية، أو في صورة معونة للصحف التي تصدرها، أن تثبت في المواعد ووفق الإجراءات التي تحددها الحكومة أن المبالغ التي تلقتها قد صرفت في الأغراض التي منحت من أجلها».
وحدد قانون الأحزاب السياسية نظام تمويل الأحزاب السياسية وكيفيات مراقبته، وحدد موارد الحزب المالية وأملاكه المنقولة والعقارية الضرورية لممارسة نشاطه وتحقيق أهدافه، وتشتمل الموارد المالية للحزب، كما حددها القانون في واجبات انخراط الأعضاء، والهبات والوصايا والتبرعات النقدية أو العينية، على أن لا يتعدى المبلغ الإجمالي أو القيمة الإجمالية لكل واحدة منها 500 ألف درهم في السنة بالنسبة لكل متبرع، والعائدات المرتبطة بالأنشطة الاجتماعية والثقافية للحزب، وعائدات استثمار أموال الحزب في المقاولات التي تصدر الصحف الناطقة باسمه، وفي مقاولات النشر والطباعة العاملة لحسابه، والدعم السنوي الذي تقدمه الدولة للمساهمة في تغطية مصاريف تدبير الأحزاب السياسية، وكذا الدعم المخصص للمساهمة في تغطية مصاريف تنظيم مؤتمراتها الوطنية العادية، المنصوص عليها في هذا القانون التنظيمي، والدعم المخصص للأحزاب السياسية برسم المساهمة في تمويل حملاتها الانتخابية في إطار الانتخابات العامة الجماعية والجهوية والتشريعية.
وخلال سنة 2021، تم تغيير وتتميم شروط الاستفادة من الدعم (القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية، الذي تم تغييره وتتميمه بالقانون التنظيمي رقم 07.21). في هذا الإطار، تنص المادة 32 من القانون التنظيمي المذكور على ما يلي: «تمنح الدولة للأحزاب السياسية المؤسسة بصفة قانونية، المشاركة في الانتخابات العامة التشريعية، والتي غطت على الأقل ثلث عدد الدوائر الانتخابية المحلية الخاصة بانتخاب أعضاء مجلس النواب، شريطة أن تكون هذه الدوائر موزعة على الأقل على ثلاثة أرباع (3/ 4) جهات المملكة، وغطت على الأقل نصف عدد الدوائر الانتخابية الجهوية الخاصة بانتخاب أعضاء المجلس المذكور، دعما سنويا للمساهمة في تغطية مصاريف تدبيرها».
وينص القانون على استفادة الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات العامة التشريعية، التي تتوفر على الشروط، مرة واحدة كل أربع سنوات، من مبلغ مالي للمساهمة في تغطية مصاريف تنظيم مؤتمراتها الوطنية والعادية، وبخصوص مساهمة الدولة في تمويل الحملات الانتخابية للأحزاب السياسية في الانتخابات العامة الجماعية والجهوية والتشريعية، ويحدد المبلغ الكلي للمساهمة المشار إليها بقرار يصدره رئيس الحكومة، باقتراح من السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية والسلطة الحكومية المكلفة بالعدل والسلطة الحكومية المكلفة بالمالية، بمناسبة كل انتخابات عامة جماعية أو جهوية أو تشريعية، ويراعى في توزيع مبلغ مساهمة الدولة عدد الأصوات التي يحصل عليها كل حزب على الصعيد الوطني، وعدد المقاعد التي يفوز بها كل حزب على الصعيد نفسه.
ثلاثة أسئلة لمحمد زين الدين*:
«أعطاب صرف الأحزاب للدعم العمومي مرتبطة بغياب التكوين المالي والشفافية الداخلية»
- ما التأطير القانوني للدعم العمومي للأحزاب السياسية؟
أولا تجب الإشارة إلى أن الدعم العمومي الموجه للأحزاب السياسية يعد آلية أساسية لدعم التعددية الحزبية وتعزيز الممارسة الديمقراطية. ويستند هذا الدعم إلى إطار قانوني محدد يروم تنظيم وضبط صرف الأموال العمومية وضمان الشفافية والمحاسبة.
ويؤطر هذا المجال القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.166 بتاريخ 21 نونبر 2011، والمعدل والمتمم لاحقًا. ويهدف هذا القانون إلى تمكين الأحزاب من القيام بأدوارها الدستورية، من خلال تقديم دعم مالي يخصص لأنشطتها العادية وكذا لحملاتها الانتخابية، إلى جانب تشجيع تمثيلية النساء والشباب، ودعم بنياتها التنظيمية وبرامج التكوين والتأطير السياسي.
وتحدد المادة 32 من القانون التنظيمي شروط ومعايير الاستفادة من هذا الدعم، حيث تربط ذلك بمدى تحقيق الحزب السياسي لنسبة معينة من الأصوات أو المقاعد، خلال الانتخابات التشريعية أو الجماعية، ما يضمن نوعًا من التوازن بين حجم الدعم ومدى تمثيلية الحزب.
وينص القانون كذلك، في مادته 33، على أن الدعم يصرف بقرارات حكومية ويحَوَّل مباشرة إلى الحسابات البنكية الرسمية للأحزاب المستفيدة، مع إلزامية تقديم الأحزاب لتقرير مالي سنوي مفصل يوضح أوجه صرف الدعم العمومي، وفقًا لما تنص عليه المادة 34، وذلك من أجل تعزيز مبادئ الشفافية وحسن التدبير.
وتسهر الأجهزة الرقابية، في مقدمتها المجلس الأعلى للحسابات، على تتبع ومراقبة أوجه صرف هذه الأموال، للتأكد من مطابقتها للقوانين الجاري بها العمل، ولضمان عدم توجيهها لأغراض غير قانونية. وتمنح المادة 35 من القانون الدولة الحق في استرجاع المبالغ غير المبررة في حال عدم تقديم التقارير أو استعمالها في غير ما خُصصت له.
إلى جانب ذلك تحدد مراسيم تطبيقية طرق توزيع الدعم بين الأحزاب السياسية، استنادًا إلى تمثيليتها في البرلمان ومجالس الجماعات الترابية، وعدد الأصوات المحصل عليها، إضافة إلى تشجيع التمثيلية النسائية عبر تخصيص جزء من الدعم لدعم مشاركة النساء في الحياة السياسية.
ويشكل هذا النظام المالي خطوة مهمة في مسار دعم الأحزاب وتمكينها من أداء أدوارها على أكمل وجه، في إطار احترام قواعد الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة.
- ما أعطاب صرف الأحزاب لهذا الدعم العمومي؟
إن الممارسة أبانت عن جملة من الأعطاب والاختلالات في صرف هذا الدعم، ما يطرح تساؤلات جدية حول نجاعة هذه الآلية ومدى التزام الأحزاب بقواعد الشفافية والحكامة.
أول هذه الأعطاب يتمثل في ضعف التبرير المحاسباتي، إذ تعاني أغلب الأحزاب من صعوبات في مسك سجلات مالية مضبوطة وفقًا للمعايير المطلوبة، حيث أشار المجلس الأعلى للحسابات، في تقاريره المتتالية، إلى غياب وثائق الإثبات لدى بعض الأحزاب أو عدم مطابقتها للمعايير القانونية، ما يعرقل التأكد من صرف الأموال وفق الأهداف المحددة.
ثانيًا يبرز مشكل غياب الالتزام بالتقارير المالية السنوية، حيث لا تلتزم جميع الأحزاب السياسية بإيداع تقاريرها المالية في الآجال القانونية أو تكتفي بتقديمها بشكل صوري يفتقر للدقة والوضوح، ما يفرغ آلية الرقابة من مضمونها.
وثالثًا تشكل أوجه الصرف غير المحددة بدقة عائقًا حقيقيًا، إذ غالبًا ما يوجه الدعم العمومي إلى مصاريف غير مرتبطة فعليًا بأنشطة التأطير أو التكوين السياسي، بل يُستعمل أحيانًا لتغطية مصاريف إدارية أو شخصية أو انتخابية غير مبررة.
يضاف إلى ذلك عدم استثمار الدعم العمومي في تعزيز مشاركة النساء والشباب، رغم أن القانون ينص على تخصيص جزء من الدعم لهذا الغرض، إلا أن أغلب الأحزاب تكتفي بصرف المبالغ المخصصة لهذا الباب دون أن تُحدث أثرًا ملموسًا في التمثيلية أو في الدينامية الحزبية.
أما رابعًا فيبرز الضعف في التدبير الإداري والمالي داخل الأحزاب، إذ تفتقر بعض التشكيلات السياسية إلى هياكل تنظيمية متخصصة في التدبير المالي، ما يجعل صرف الدعم يتم بطريقة عشوائية أو تحت إشراف أشخاص غير مؤهلين، ما يؤدي إلى ارتباك في صرف المبالغ وتوثيقها.
وأخيرًا فإن غياب العقوبات الزجرية الصارمة، في حق الأحزاب التي تسيء تدبير الدعم العمومي، يفتح الباب أمام تكرار هذه الاختلالات، ما يقوض مبادئ الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة. من هنا يبدو أن إصلاح منظومة الدعم العمومي للأحزاب لم يعد مطلبًا فقط لضمان حسن التدبير، بل أيضًا لتعزيز ثقة المواطن في العمل السياسي، وضمان توجيه هذه الأموال نحو بناء أحزاب قوية وقادرة على القيام بأدوارها الدستورية بكفاءة وشفافية.
- كيف تتم معالجة أعطاب صرف الدعم العمومي الموجه للأحزاب؟
يعتبر الدعم العمومي الموجه للأحزاب السياسية في المغرب آلية أساسية لتعزيز العمل الحزبي وتقوية دوره في تأطير المواطنين، غير أن تقارير هيئات الرقابة كشفت عن وجود أعطاب واختلالات كبيرة في صرف هذه الأموال. ويقتضي تصحيح هذا الوضع جملة من التدابير والإصلاحات تضمن ترشيد الصرف وربط المسؤولية بالمحاسبة.
أول خطوة في هذا الاتجاه هي تحديث وتبسيط الإطار القانوني والتنظيمي المتعلق بالدعم العمومي للأحزاب، ويشمل ذلك إعادة صياغة النصوص الحالية بشكل يحدد بوضوح أوجه صرف الدعم وأولويات توجيهه، ويضع معايير دقيقة لتحديد الحاجيات الفعلية للأحزاب، وينبغي، كذلك، تضمين هذه النصوص آليات مرنة تضمن الشفافية والتتبع المستمر.
ثانيًا لا بد من تعزيز آليات المراقبة والتدقيق المالي، من خلال تمكين المجلس الأعلى للحسابات وغيره من الهيئات الرقابية من صلاحيات أوسع لتتبع طريقة صرف الدعم، وإلزام الأحزاب بتقديم تقارير مالية مفصلة وموثقة خلال آجال محددة، وينبغي إرفاق هذه الآلية بإجراءات زجرية حازمة في حق الأحزاب التي يثبت تورطها في تدبير غير سليم للدعم العمومي.
ثالثًا ينبغي العمل على تأهيل الكفاءات المالية والإدارية داخل الأحزاب، فغالبًا ما يكون ضعف التدبير مرتبطًا بقصور في الإمكانيات البشرية والتقنية للأحزاب، وهو ما يستدعي تقديم برامج تكوين في مجال المحاسبة والتدبير المالي للحزب، وتشجيع الأحزاب على إحداث هياكل داخلية متخصصة في هذا المجال.
رابعًا يجب على الحكومة ومؤسسات الرقابة تشجيع إشراك المجتمع المدني والإعلام في تتبع أوجه صرف هذا الدعم، عبر نشر تقارير دورية وتحفيز نقاش عمومي مسؤول. فشفافية المعلومات تظل من أقوى الضمانات لتصحيح الاختلالات وتجنب تكرارها.
خامسًا تنبغي إعادة توجيه جزء من الدعم العمومي نحو تمويل المشاريع الحزبية ذات البعد التكويني والتأطيري، بما يضمن تطوير قدرات الأحزاب بدل الاقتصار على تغطية مصاريف إدارية لا تعود بالنفع على الأداء السياسي.
أخيرًا يظل ربط الدعم العمومي بمعايير أداء الأحزاب خيارًا حاسمًا. ويعني ذلك اعتماد معايير موضوعية، مثل نسبة مشاركة النساء والشباب، وعدد الأنشطة التأطيرية وجودة البرامج السياسية، أساسا لتحديد حجم الدعم الموجه لكل حزب، وهو ما سيدفع نحو التنافسية والرفع من جودة الأداء الحزبي، حيث إن هناك أحزابا غير ممثلة في البرلمان ولا تقدم أي دور تأطيري ولا نرى لها أثرا في الحياة السياسية، غير أنها تستفيد، أيضا، من الدعم العمومي، وهذا الأمر يطرح نقطة مرتبطة بفعالية الأحزاب في الساحة السياسية.
بهذه الإصلاحات المتكاملة، تمكن معالجة أعطاب صرف الدعم العمومي، وتحويله إلى رافعة حقيقية لتأهيل الحياة السياسية، بما يخدم مصلحة الوطن ويعزز ثقة المواطن في الأحزاب ومؤسساتها.
*أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بالمحمدية





