
لا يصبح المنع من السفر ساري المفعول إلا بحكم قضائي، أو بمذكرة بحث أو ببرقية إغلاق الحدود من طرف النيابة العامة. والمنع يقتصر على الأسفار خارج المغرب ولمدة محددة.
هناك العديد من القضايا التي تستدعي اللجوء إلى مسطرة إغلاق الحدود، كالشيكات والقروض المقرونة بالإكراه البدني، ويمكن للغرامات أن تكون محل مذكرة بحث، وبالتالي يمكن أن تمنع من السفر، شريطة أن يكون بحكم قضائي وليس بمجرد قضية رائجة في ردهات المحاكم.
هناك اجتهادات قضائية، صادرة عن المحكمة الإدارية بالرباط، تقضي بأحقية القضاء الاستعجالي الإداري في مراقبة قرارات النيابة العامة، في حال اتخذت خارج المقتضيات والضوابط القانونية، وهو ما جسده قاضي المستعجلات في قرار وصف بالتاريخي، جاء فيه أن الإبقاء على “قرار المنع من السفر لمدة تزيد عن ثلاثة أشهر، في ظل الفراغ التشريعي، يشكل اعتداء ماديا على حرية التنقل ويستوجب تدخلا للقضاء الاستعجالي الإداري لرفعه”. لذا تقرر رفع قرار المنع من مغادرة التراب الوطني بعد مرور ثلاثة أشهر على البحث التمهيدي.
وثمة نقاش حقوقي حول ما إذا كان المنع اعتداء على حرية التنقل التي يضمنها الدستور، وأن قرار المنع لا يمكن أن يكون مشمولا بالسرية، ما دام يمس أحد الحقوق الأساسية لشخص لا يزال مشمولا بقرينة البراءة.
المنع من السفر يشمل أيضا القضايا التي يتم تداولها في محكمة الأسرة، سيما المتعلقة منها بمنع سفر الزوجة والمحضونين، أو ما يتعلق بالمنع بسبب الامتناع عن أداء النفقة الزوجية، في حالة استكمال جميع مراحل التقاضي.
لكن أغلب قرارات المنع من السفر وإغلاق الحدود، والتي تكون مقرونة بسحب جواز السفر، تصدر عن قاضي التحقيق وتمس شريحة كبرى من رجال الأعمال والسياسيين.
في ملف “الأخبار” الأسبوعي، جرد لأبرز حالات المنع من السفر لاعتبارات قضائية.
حسن البصري
منع أزيد من 200 منتخب من السفر ضمنهم 60 رئيس جماعة
أفادت معطيات صادرة عن وزارة الداخلية بأن عدد المتابعات القضائية في حق أعضاء مجالس الجماعات الترابية بلغ 200 منتخب، ضمنهم رؤساء جماعات ونواب للرئيس ومستشارون جماعيون ورؤساء سابقون، وذلك بسبب ارتكابهم لأفعال مخالفة للقانون، غالبيتهم منعوا من السفر إلى حين استكمال التحقيقات.
وأوضح التقرير الذي أحاله عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، على لجنة الداخلية بمجلس النواب، أنه في إطار تتبع الوزارة للمتابعات القضائية في حق منتخبي مجالس الجماعات الترابية الرائجة أمام المحاكم المختصة، وترتيب الآثار القانونية للأحكام القضائية الصادرة بشأنها على وضعية المنتخبين المعنيين بمجالس الجماعات الترابية، سيما التشطيب عليهم من اللوائح الانتخابية، وبالتالي عدم أهليتهم لممارسة المهام الانتدابية، فقد بلغ عدد المتابعات القضائية في حق أعضاء مجالس الجماعات الترابية 200 حالة، تتعلق بـ60 رئيس جماعة، و25 نائبا للرئيس، و99 مستشارا جماعيا، و16 رئيس جماعة سابق. من بين هذه الحالات نسبة كبيرة تقرر في حقها مصادرة الحق في السفر.
واستنادا إلى التقرير، فقد توصلت وزارة الداخلية خلال هذه السنة، بما مجموعه 235 شكاية، من بعض أعضاء مجالس الجماعات الترابية والمواطنين وجمعيات المجتمع المدني، تتعلق بالمخالفات المرتكبة في المجال المالي والإداري ومجال التعمير، وربط بعض منتخبي الجماعات مصالح خاصة مع جماعاتهم، وتمت إحالة بعض هذه الشكايات على المفتشية العامة للإدارة الترابية، كما تمت إحالتها على ولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم المعنية، لإجراء بحث في مضمونها والتأكد من صحتها، وموافاة وزارة الداخلية بتقارير في هذا الشأن، وعند الاقتضاء اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
وأصدرت المحكمة الدستورية قرارات بتجريد برلمانيين من مقاعدهم بمجلس النواب، بسبب صدور أحكام قضائية نهائية في حقهم، إما تقضي بعزلهم من مهام انتدابية كانوا يشغلونها بالجماعات الترابية، أو بسبب إدانتهم بأحكام حبسية نافذة أو غرامات مالية في ملفات فساد مختلفة.
وهناك أسماء سياسية ثقيلة وجدت نفسها ممنوعة من السفر خارج الوطن في بعض المهام ذات الارتباط بالشأن النيابي، على غرار عبد النبي العيدودي، المعروف بـ”هشة بشة”، من الحركة الشعبية، بعد إدانته من طرف محكمة جرائم الأموال بالرباط، وجردت المحكمة نفسها البرلماني رشيد الفايق، من التجمع الوطني للأحرار، من حق السفر قبل إدانته بالحبس النافذ من طرف محكمة جرائم الأموال، نفس القرارات شملت البرلماني عبد القادر البوصيري، ومحمد الحيداوي في قضية التلاعب بتذاكر المونديال، وياسين الراضي قبل اعتقاله وإدانته بالحبس …… كما أمر قاضي التحقيق بقسم جرائم الأموال بمحكمة الاستئناف بفاس إغلاق الحدود في وجه النائب البرلماني، الحركي السابق والرئيس السابق لجماعة عين الشكاك القروية، محمد صمصم، وسحب جواز سفره بعدما حول مصلى إلى تجزئة سكنية خاصة، وهي القضية التي أثارت الكثير من الجدل بمدينة صفرو واللائحة طويلة.
كما تابع الرأي العام المراكشي أطوار ما عرف بلائحة الأربعين ممنوعا من مغادرة التراب الوطني، بسبب الاشتباه في تورطهم في قضايا تتعلق بنهب وتبديد أموال عمومية بالمدينة الحمراء.
لخصم يشكر القضاء بعد إلغاء منعه من مغادرة البلاد
بعدما صدر قرار بمنعه من السفر، تصدى مصطفى لخصم، رئيس جماعة إيموزار، للقرار واتبع المساطر القضائية اللازمة لوقفه. وفي تدوينة له، عبر البطل العالمي السابق عن شكره وامتنانه للقضاء بمدينة فاس، وذلك عقب صدور قرار يقضي بإلغاء أمر منعه من مغادرة التراب الوطني، بعدما خضع له في سياق مسطرة قضائية، قبل أن تقرر المحكمة رفع هذا الإجراء مع إلغاء الغرامة المالية الصادرة في حقه وقدرها 20 ألف درهم.
ونشر لخصم مقطع فيديو تم تداوله عبر خاصية “ستوري” بحسابه بموقع “فيسبوك”، قال فيه: “أتقدم بجزيل الشكر للقضاء المغربي الذي أنصفني وأعاد لي حقي في التنقل والسفر”، مؤكدا على ثقته في استقلالية العدالة ودورها في حماية الحقوق والحريات.
وكان قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بمدينة فاس قد أصدر قرارا يقضي بمنع مصطفى لخصم، رئيس جماعة إيموزار كندر والبطل العالمي السابق في رياضة الكيك بوكسينغ، من مغادرة التراب الوطني، مع متابعته في حالة سراح مقابل كفالة مالية قدرها 20 ألف درهم، وذلك على خلفية ملف يهم الأعوان العرضيين.
وجاء القرار خلال جلسة الاستنطاق التفصيلي حيث يتابع لخصم، المنتمي لحزب الحركة الشعبية، في قضية رفعت بشأنها شكاية من طرف عدد من المستشارين الجماعيين، يتهمونه فيها بتبديد أموال عمومية والتلاعب في توظيف أعوان.
من جهته، أعلن لخصم نيته الاستقالة من منصبه على رأس المجلس الجماعي، بسبب “البلوكاج” الذي أعاق تنفيذ مشاريع تنموية بالمدينة، مشيراً إلى أن جهات في السلطة كانت تقف ضده وتعرقل عمله، على حد تعبيره.
وقال لخصم: “لم أنضم للعمل السياسي بدافع مصلحة ذاتية، بل بهدف خدمة مدينتي ومساهمة مني في تنميتها، قررت تقديم استقالتي بعد استكمال المشاريع التي أطلقها وإنهاء القضايا الجارية أمام القضاء، سأغادر منصبي وضميري مرتاح”.
منع صاحبة فيديو “المواعدة العمياء” من السفر
منعت السلطات الأمنية المغربية صاحبة فيديو “المواعدة العمياء”، المعروفة بأرماني، من السفر خارج تراب المملكة. وتداولت كثير من المنابر ووسائط التواصل الاجتماعي خبر منع “المؤثرة” من مغادرة تراب المملكة، بعد الجدل الكبير الذي أثارته النسخة المغربية من برنامج أمريكي للمواعدة العمياء.
منعت “المؤثرة” مغربية الأصول من مغادرة المغرب إلى ما بعد انتهاء التحقيق في قضية تتعلق بالإخلال بالحياء، بعد أن تفاعل القضاء مع الفيديو الخاص ببرنامج يضرب عرض الحائط بالأخلاق العامة وأوكل إلى الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، البحث في النازلة.
تم رصد انتشار الفيديو المذكور وقامت السلطات بتفحص وتحليل محتواه، قبل تحويله إلى المكتب الوطني لمكافحة الجرائم الالكترونية التابع للفرقة الوطنية للشرطة القضائية، بناء على طلب النيابة العامة التي منعت المؤثرة المغربية الهولندية ، صاحبة تحدي “المواعدة العمياء”، من مغادرة التراب الوطني.
من جهتها، أفادت تقارير إعلامية هولندية بأن بطلة فيديو “فارس الأحلام”، الذي أثار ضجة واسعة، ستستفيد من مساعدة قضائية هولندية، بحكم أنها مغربية تحمل جنسية هولندا، وهو ما حصل حين وجهت سفارة هولندا في الرباط مراسلة للخارجية المغربية تطالب بالمساعدة القضائية للمؤثرة أرماني لغوماني صاحبة مقطع المواعدة.
وكانت الحلقة التي نشرت في 11 من شهر أبريل الماضي، قد خلقت ضجة كبيرة بسبب الملابس القصيرة والمثيرة التي كانت قد ظهرت بها المعنية في البرنامج، وطريقة اختيارها لـ “شريك” من بين شبان خلف الستار.
الباكوري.. منع من السفر ومن الإشراف على معرض مغربي
في بداية شهر أبريل، تقرر رسميا إعفاء مصطفى الباكوري من مهمة الإشراف على الجناح المغربي بالمعرض العالمي “إكسبو دبي 2020” بالإمارات العربية المتحدة، بعد منعه من مغادرة التراب الوطني، وتعيين وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والنقل الجوي والاقتصاد الاجتماعي، نادية فتاح علوي، خلفا له في مهمة الإشراف.
كان الباكوري قد أشرف، يوم 21 يوليوز 2019، على انطلاقة الأشغال لبناء الجناح المغربي بالمعرض العالمي على مساحة 1500 متر مربع، وتم تصميمه وفق النمط المعماري المغربي الأصيل.
ويبدو أن قضية منع مصطفى الباكوري، رئيس مجلس إدارة الوكالة المغربية للطاقة، من السفر قد دخلت مرحلة التقاضي بعد أن امتد قرار المنع من مغادرة التراب الوطني ليشمل أربعة مسؤولين في اللجنة التنفيذية للوكالة، ويتعلق الأمر بكلم رشيد بايد مدير العمليات، وفاطمة حمدوش مديرة التطوير الاستراتيجي، وطارق حمان مدير التنمية، إضافة إلى نسرين القرطبي مديرة الموارد البشرية وآخرين في هذه الوكالة.
فوجئ مصطفى الباكوري بالمنع من السفر خارج المغرب، حيث تم إيقافه من طرف شرطة مطار محمد الخامس بالدار البيضاء بأمر قضائي، وكان متجها إلى دبي الإماراتية، فعاد أدراجه بعد مكالمات مع شخصيات نافذة.
سيتبين للباكوري أن الأسباب متعلقة بمشاريع لوكالة “مازن” التي شهدت تأخيرا في الإنجاز، وخروقات مرتبطة بهذا التأخير.
ولم تستبعد المصادر ذاتها أن تكون لهذا الأمر علاقة بتسيير وكالة “مازن”، وفشل بعض المشاريع التي تشرف عليها إلى جانب شركائها، خاصة مركبات الطاقة الشمسية والطاقة الريحية، حيث ترأس الملك محمد السادس جلسة عمل خصصت لاستراتيجية الطاقات المتجددة، وذلك في إطار تتبع الأوراش الكبرى والمشاريع الاستراتيجية، وسجل الملك بعض التأخير الذي يعرفه هذا المشروع الواسع، حيث لفت الانتباه إلى ضرورة العمل على استكمال هذا الورش في الآجال المحددة، وفق أفضل الظروف، وذلك من خلال التحلي بالصرامة المطلوبة.
عليوة.. منع من السفر وخرج من السجن بسبب جنازة والدته
شعر خالد عليوة، الرئيس المدير العام السابق للقرض العقاري والسياحي، بحبل يلف عنقه، حين علم عبر محاميه بقرار إغلاق الحدود في وجهه، رفقة بعض المديرين السابقين الذين وردت أسماؤهم في تقرير المجلس الأعلى للحسابات المرتبط بتبذير أموال عمومية وسوء التسيير. جاء قرار إغلاق الحدود في وجه عليوة ومن معه بناء على المعطيات التي توصلت إليها عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية في إطار فتح ملفات الفساد.
سارع رفاق خالد عليوة، الوزير الاتحادي الأسبق، إلى وضع ملتمس يقضي بمنحه السراح المؤقت، في القضية التي كان يتابع فيها إلى جانب عبد الحنين بنعلو، المدير العام السابق للمكتب الوطني للمطارات، في ملف اختلاسات وتبديد أموال المؤسستين، لكن المحكمة رفضت الملتمس، رغم أن كل المؤشرات كانت تتحدث عن إفراج وشيك، ليؤجل الحلم الذي راود المتهمين في قضايا فساد مالي. وينتظر عليوة فاجعة وفاة والدته التي ستخرجه من السجن، ولاعتبارات إنسانية، تمكن المدير العام الأسبق للقرض العقاري والسياحي، من مغادرة عكاشة متوجها إلى مقبرة الشهداء، حيث رخص له بحضور جنازة والدته التي وافتها المنية. توصلت إدارة السجن برسالة تتضمن ترخيصا لخالد بمغادرة المعتقل لمدة أربعة أيام، “لكي يحضر دفن والدته، ويقوم بتلقي واجب العزاء”.
يوم 4 مارس 2013، خرج خالد عليوة من سجنه، ولم يعد إليه. لم يتمتع وقتها الرئيس المدير العام السابق للقرض العقاري والسياحي سوى برخصة من أربعة أيام لحضور جنازة والدته، لكن سرعان ما تحولت متابعته في حالة اعتقال إلى متابعة في حالة سراح، لكن يبدو أن عليوة لا يرى أي فرق بينه وبين أي شخص قضى عقوبته كاملة، أو خرج من زنزانته ولم يعد، وحده قرار المنع من مغادرة الوطن ظل ساري المفعول.
وكان التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات سنة 2009، قد خص خالد عليوة، الرئيس المدير العام الأسبق للقرض السياحي والعقاري، بحصة الأسد (44 صفحة)، ضمن الجزء الخاص بمراقبة التدبير واستعمال الأموال العمومية بالقطاعات الاقتصادية والمالية.
قصة حب تنهي قرار منع بنعمر من مغادرة البلاد
بفضل “جويس إدلين”، البريطانية التي أحبت جمال بنعمر وساعدته على الاستقرار في لندن ورافقته في مساره الحقوقي إلى أن أصبح مستشارا للأمين العام للأمم المتحدة، تمكن عمر من مغادرة البلاد.
لم يكد جمال بنعمر يستقر في منصبه خلف بان كي مون، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، ويصبح مستشارا له، وهو منصب أممي رفيع، حتى اهتمت الصحافة الدولية بالرجل الريفي الذي كان ممنوعا من مغادرة المغرب قبل أن يصبح أكثر المغاربة سفرا في ربوع العالم.
عاش جمال في المغرب إلى حدود الثمانينات، بل وكان من الأصدقاء المقربين للاتحادي عبد المومن الديوري، وكان من جملة من تم اعتقالهم عقب أحداث السبعينات، قبل أن تظهر في جنباته “جويس إدلين”، التي أحبته عندما كانت في زيارة حقوقية إلى المغرب، وزارته كسجين يجمعهما الانتماء إلى منظمة “أمنستي” الحقوقية. ومن يومها تقوت بينهما المراسلات إلى أن خططت معه لتهريبه إلى خارج المغرب، بالضبط إلى بريطانيا ليبدأ الاثنان هناك حياة جديدة، ويحصل هو على الجنسية البريطانية.
كان جمال بنعمر قد غادر السجن سنة 1983، ولم يكن يعرف أنه سيعود إليه بعد سنة ليلتقي حب حياته. وهكذا كانت الزيارة الأولى لـ”إدلين” إلى المغرب سنة 1984، موعدا مع الزلزال العاطفي الذي سيجعلها تتعلق بجمال بنعمر الذي كان وقتها لا يخرج من السجن إلا ليعود إليه، بعد مضايقات كثيرة له ولأصدقائه الذين لم يكونوا ليخفوا توجهاتهم اليسارية المرفوضة في ذلك الوقت.
لكن ما لم تكن إدارة السجن تعرف أن “جويس” كانت تضع لجمال بنعمر، بين السطور، تلميحات تشجعه على ضرورة الهرب من السجن، ووعدته أن تتدبر له طريقة للخروج من المغرب حتى يجتمعا في لندن. وهكذا كان، فقد استطاع جمال بنعمر، شأنه شأن الكثير من الطلبة الجامعيين وشباب السبعينات والثمانينات، أن يتدبر طريقة للهرب، ليفر إلى خارج المغرب، ومنها واصل رحلته إلى لندن، ليجتمع شملهما أخيرا. وهكذا لم تكن سنة 1985 لتلقي بظلالها على العالم، حتى كانت “جويس” زوجة لنعمر.
عاش الاثنان في لندن إلى أن حلت سنة 1991، حين فكرا جديا في الهجرة نحو الولايات المتحدة الأمركية لبدء حياة جديدة هناك، أكثر انفراجا بحثا عن آفاق جديدة، خصوصا وأن الولايات المتحدة وقتها كانت مهدا لمنظمات حقوقية كبيرة، وكان على جمال بنعمر أن يؤسس بنفسه، بمعية زوجته، حياة مهنية جديدة في المجال الحقوقي والدفاع عن حقوق الانسان.
أصدرت الزوجة كتابا سنة 1996، بعنوان “عزيزي جمال”، روت فيه تجربتها مع جمال بنعمر وقصة الحب الجارف والنظرة الأولى التي كانت من وراء القضبان، والنضال الحقوقي الذي جمعهما معا تحت إطار منظمة “أمنستي”، وتخطيطهما للقاء في لندن لبدء حياة جديدة معا.
غضب الحسن الثاني من رئيس موريتاني منع سفر مواطنيه للمغرب
منذ أن جلس محمد خونة ولد هيدالة على كرسي الرئاسة في موريتانيا، وهو يسعى لإغلاق حدوده الشمالية مع المغرب.
في الرابع من يناير 1980، أصدرت اللجنة العسكرية للخلاص الوطني بيانا جاء فيه أنه تمت إعادة هيكلة اللجنة ليتولى المقدم محمد خونا ولد هيداله رئاستها ورئاسة الدولة والحكومة ووزارة الدفاع، في انقلاب وصف بالأبيض. كل أعضاء القيادة العسكرية المطاح بهم غادروا موريتانيا صوب المغرب، مما أغضب الرئيس الجديد، خاصة بعد ميلاد “حركة الضباط الأحرار” في المغرب، وأعلن إبعاد جميع أفراد القوات المسلحة الملكية الذين كانوا يرابطون في موريتانيا لحماية نواذيبو من غارات البوليساريو، بل إن محمد خونة نفض يديه من حرب الصحراء وعمل على توطيد العلاقات الموريتانية/الجزائرية، وتوثيق الصلات مع خصوم وحدتنا الترابية.
شدد الحسن الثاني الخناق على ولد هيدالة، خاصة حين استفز المغاربة بقرار كتب على جواز سفر الموريتانيين يمنعهم من السفر إلى ثلاث دول: “صالح للسفر إلى جميع الدول باستثناء إسرائيل وجنوب إفريقيا ثم المغرب”. ما أغضب الملك وحول محمد خونة إلى خصم حقيقي لكل المغاربة، وأصبح نظامه في عزلة، ما دفعه إلى طلب وساطة من الملك السعودي خالد بن عبد العزيز، لكن الحسن الثاني قال له: “أطلب الصفح من المغاربة وليس من ملكهم”، وحين عاد ولد هيدالة إلى بلده، نجا من محاولة انقلاب في 16 مارس 1981.
في دجنبر 1984، حصل انقلاب عسكري على ولد هيدالة، حين كان خارج البلاد في مؤتمر بالعاصمة البوروندية، وصعد إلى الحكم العقيد معاوية ولد سيدي أحمد الطايع قائد أركان الجيش الوطني.
في مذكراته، يعترف الرئيس الموريتاني السابق بالمحنة التي عاشها عقب الانقلاب، والمرض الذي داهمه وهو في المعتقل، وما جنى عليه موقفه الداعم للبوليساريو، وكيف تخلى عنه الجزائريون الذين ساندوه رئيسا واختفوا عن الأنظار حين عاش محنة الأسر.
وفي سابقة من نوعها، في تاريخ العلاقات الموريتانية المغربية، سلم الرئيس الموريتاني الأسبق العقيد محمد خونه ولد هيداله نفسه للسلطات القضائية المغربية، فقد حل بمدينة العيون وتوجه للإقامة في زاوية الشيخ محمد الأغظف بشارع مكة حسب صحيفة “نواذيبو اليوم”، وذلك تحت ضمانة ووساطة الفقيه الصحراوي الشيخ لارباس بن الشيخ ماء العينين، الذي تربطه علاقات متينة بكبار مشايخ وأعيان وزعماء قبائل الركيبات، والذي حاول تنظيم تصفية الأجواء بين الرئيس الموريتاني المخلوع والقصر دون جدوى.
مؤطران للتعويض:
+++
معارضون اخترقوا قانون منع المغادرة وارتموا في حضن الجزائر
في مذكرات بن جديد إشادة بالدور الذي لعبه معارضون للمغرب وللجزائر في حسم النزاع، فإذا كان المتمرد على بن بلة المعارض محند أولحاج قد وضع حدا لتمرده في القبائل، وانضم إلى القوات الحكومية لصد ما سمي العدوان، فإن المعارض المغربي المهدي بن بركة ضم صوته للجزائريين، يقول الشادلي: “أنحني أمام الشجاعة السياسية للزعيم المهدي بن بركة، الذي كان الصوت المغربي الوحيد الذي جهر بموقفه، مدينا الأطماع الترابية المغربية، ومعتبرا الاعتداء المغربي خيانة لنضال الشعوب المغاربية من أجل الوحدة. لقد كلفه هذا الموقف ثمنا غاليا حيث حكم عليه بالإعدام غيابيا ليغتال بعد سنتين”.
بعدما أغلقت الحدود أمام كثير من قياديي اليسار المغربي اختاروا المعارضة عن بعد، ونشطت في عهد حكم بن بلة أسماء مغاربة استثمرت شد الحبل بين الرباط والجزائر. كان الملك الحسن الثاني يصر، في كل مرة، على حل هذه المعارضة التي لجأت إلى الجزائر سنة 1963، معتبرا ذلك شرطا أوليا لإعادة بعث الدفء في العلاقة بين البلدين. كما كان يتهم الجزائر بدعم المهدي بن بركة.
كانت القيادة السياسية لهذه المعارضة تنشط في العاصمة، أما تنظيمها المسلح فكان في مركزين بغرب البلاد، كما جاء في تصريحات الرئيس الجزائري بن جديد: “الأول في سيدي بلعباس والثاني في المحمدية، أي في إقليم الناحية التي أشرف عليها. إدراكا منه لضرورة تصفية الأجواء بين البلدين وتمهيدا لأول زيارة له إلى المغرب اتصل بي الرئيس هواري بومدين، لاستشارتي في الموضوع. قلت له بعد أن قدمت له عرض حال عن المسألة “إني لا أؤمن بمعارضة تنشط خارج بلدها، وإن الإخوة المغاربة إذا أرادوا أن يعارضوا حكم الملك، فليفعلوا ذلك داخل بلدهم”. ثم شرحت لبومدين أن بحوزتي معلومات تقول إن المخابرات المغربية اخترقت صفوف هذه المعارضة. اقتنع بومدين بوجهة نظري، وطلب مني التصرف”.
نالت سعاد ولد غزالة، زوجة المعارض المغربي محمد البصري، رغما عنها، نصيبها من النفي فقد عاشت محنته لأنها زوجة مناضل غير مرغوب فيه من طرف القصر قبل وأثناء وبعد سنوات الرصاص.
وجدت سعاد نفسها منخرطة في المعركة النضالية سائرة في طريق المعارضة الشائك وتقاسمت معه قليلا من الحلو وكثيرا من المر، فالفقيه، كما يفضل الحسن الثاني تسميته، رجل مواقف لا يلين ولا يقبل أنصاف الحلول. انخرطت الزوجة مع زوجها الراحل الفقيه البصري في محنته ورافقته في مشواره النضالي الطويل بكل أهواله وظلمته، بل إنها عانت معه الكثير من أجل إقناعه بضرورة تليين مواقفه، لكنه كان يغضب فتصرف النظر عن جلسة الحوار، قبل أن تدرك نباهته وبعد نظره، وإيمانه بأن الكفاح المسلح هو الكفيل بتحقيق حوار متكافئ.
سعاد هي أكثر نساء هذا الوطن نفيا خارج الحدود، فقد كان قدرها أن ترتبط برجل عاش الاغتراب لثلاثين سنة، وعلى امتداد هذه المدة الزمنية الطويلة اختفت ملامح أفراد أسرتها وفقدت أعزهم إلى قلبها، لكن البعد لم يزدها إلا صلابة وإيمانا بالقضية التي قذفت بزوجها وراء أسلاك وهمية تسمى الحدود.
ساعدت سعاد زوجها على التخطيط للهروب من السجن المركزي بالقنيطرة وحفظت أسرار الفرار من مقصلة الإعدام، كما تأقلمت مع حياة الاغتراب في الجزائر العاصمة ووهران ودمشق وحلب وطرابلس وباريس، وفي مدن أخرى كان يضطر إلى اللجوء إليها كلما داهمته خياشيم المخبرين.
+++
مطيع.. منع من السفر بالمغرب ومنع من الأنترنيت بليبيا
قضى عبد الكريم مطيع ثلاثة عقود في ليبيا، التي حل بها بمجرد علمه بإغلاق الحدود في وجهه، عقب اغتيال الاتحادي عمر بنجلون، لكنه عانى في آخر أيامه في جماهيرية القذافي من مضايقات المخابرات الليبية، التي كانت تضمر عداء شديدا للحركات الإسلامية.
في أحد حواراته الصحفية، وصف عبد الكريم مطيع، زعيم الشبيبة الإسلامية، معاناته وقصة الهروب من إجراءات المنع من مغادرة البلاد، وكيف خطط للهروب مجددا نحو لندن، في وقت لم يكن يملك فيه جواز سفر، لكنه وجد في مرض الربو حجته للانعتاق من النظام الليبي. وفي 20 فبراير 2011، سافر إلى تركيا أولا، بعد ثلاثة أيام عن اندلاع التمرد الليبي في بنغازي، ومن تركيا طلب اللجوء السياسي إلى بريطانيا فكان له ما أراد، لينتهي هاجس المقايضة السياسية الذي ظل يتربص به.
وإذا كان مطيع قد منع في المغرب من السفر، فإنه منع من الإبحار عبر الأنترنيت في ليبيا، يقول في حواره: “لست ممنوعا من الأنترنيت وحسب، بل حتى التلفون قطع عني، وحتى الهاتف الذي كان لي لم يدخله الليبيون لي، كان بجواري شركة ليبية هجرها أصحابها ولا أدري ماذا وقع لهم، وبقي مقرهم مهجورا وبه التلفون”.





