أحزاب سياسية مهددة بالحل ….تتلاعب بالمال العام وقانون جديد يشدد الرقابة على حساباتها السنوية

يتضمن مشروع القانون الجديد المتعلق بالأحزاب السياسية الذي أحالته الحكومة على مجلس النواب، مجموعة من المستجدات تروم تحسين حكامة الأحزاب السياسية، وتعزيز المراقبة على صرف الدعم العمومي الذي تخصصه لها الدولة من المال العام، وينص القانون على أنه في حال تخلف حزب سياسي عن تقديم حسابه السنوي لمدة ثلاث سنوات متتالية، يحيل الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات الأمر على السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية، التي يجوز لها تقديم طلب حل الحزب المعني إلى المحكمة الابتدائية الإدارية بالرباط، وتأتي هذه المستجدات بعدما رصد المجلس الأعلى للحسابات في تقاريره جملة من الخروقات والاختلالات في تدبير حسابات جل الأحزاب السياسية، حيث وجهت رئيسة المجلس عشرات الملاحظات للمسؤولين عن هذه الأحزاب، فيما طالبت 15 حزبا سياسيا بإرجاع مبالغ دعم تناهز 21,96 مليون درهم إلى خزينة الدولة، يتعلق الأمر بمبالغ الدعم غير المستحقة، أو غير المستعملة، أو المستعملة لغير الأغراض التي منحت من أجلها، أو التي لم يتم إثبات صرفها بوثائق الإثبات القانونية. وسجلت التقارير أن بعض الأحزاب تخرق قواعد المحاسبة المالية الخاصة بها، ولم تدل بوثائق تثبت أين صرفت نفقات تحصل عليها من جيوب دافعي الضرائب.
إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي
أكد عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، يوم الأربعاء الماضي بمجلس النواب، أن مشروع القانون التنظيمي رقم 54.25 القاضي بتغيير وتتميم القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية، يروم تطوير الإطار القانوني المنظم للأحزاب السياسية وضبط الإجراءات المتعلقة بتأسيسها.
وأضاف لفتيت، خلال اجتماع للجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة والشؤون الإدارية، خصص لتقديم مشاريع القوانين المتعلقة بالمنظومة الانتخابية، أن مشروع القانون يهدف أيضا إلى تعزيز مشاركة الشباب والنساء في عملية التأسيس، وتدقيق الجوانب المتعلقة بتمويلها وحساباتها، في أفق تأهيلها لمواكبة التطورات المتسارعة التي يشهدها المجتمع المغربي على كافة الصعد.
شروط جديدة لتأسيس الأحزاب
يهدف مشروع القانون إلى ضمان توفر الأحزاب السياسية على امتداد مجتمعي قائم على الجدية والاستمرارية، فإن المشروع بطرح تصورا جديدا في ما يخص شروط وإجراءات تأسيس الأحزاب السياسية، من خلال الرفع من عدد الأعضاء المطلوب للتصريح بتأسيس حزب سياسي إلى 12 عضوا يمثلون جميع جهات المملكة، من بينهم أربع نساء على الأقل.
وفي السياق نفسه، وللتأكد من امتداد المشروع الحزبي على المستوى الوطني، ودفع الهيئات السياسية الناشئة إلى البحث عن كفاءات حقيقية في أفق الارتقاء بالعمل الحزبي، يقترح المشروع الرفع من العدد المطلوب للأعضاء المؤسسين إلى ألفي عضو على الأقل موزعين على جميع جهات المملكة.
وبالموازاة مع ذلك، وبغية إدماج الشباب والنساء في الحياة الحزبية الوطنية، انطلاقا من المراحل الأولى لولادة المشروع الحزبي، وانسجاما مع الإرادة السياسية في اتجاه الرقي بتمثيلية هاتين الفئتين داخل أجهزة الأحزاب السياسية، يلزم المشروع بألا تقل نسبة كل من الشباب الذين لا تزيد أعمارهم على 35 سنة والنساء عن خمس الأعضاء المؤسسين.
ولتفادي وجود تشابه بين تسميات الأحزاب السياسية ورموزها ووقوع خلط في ما بينها لدى المواطنات والمواطنين، يشترط المشروع أن تكون تسمية الحزب الجديد ورمزه مميزين عن تسميات ورموز الأحزاب السياسية المؤسسة قانونا.
كما يشترط إرفاق ملف التصريح بتأسيس حزب جديد بشهادة القيد في اللوائح الانتخابية العامة وبنسخة من السجل العدلي بالنسبة إلى كل عضو مؤسس، من أجل ضمان توفر الأعضاء المؤسسين على الأهلية الانتخابية، وتفادي استغلال بعض الفئات المجتمعية في عملية التأسيس دون موافقتها.
وانطلاقا من أن المحكمة الابتدائية الإدارية بالرباط هي المختصة قانونا بالنظر في كافة القضايا المتصلة بتأسيس الأحزاب السياسية أو توقيفها أو حلها، فإن المشروع ينص على توجيه ملف تأسيس كل حزب جديد إلى المحكمة الابتدائية الإدارية بالرباط داخل أجل تم رفعه من 48 ساعة إلى 7 أيام من تاريخ إيداعه لدى السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية، وذلك عوض توجيهه إلى النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بالرباط كما هو معمول به حاليا.
وأخذا بعين الاعتبار للتعديل المتعلق بالرفع من عدد الأعضاء المؤسسين للحزب السياسي إلى ألفي عضو، مع ما يتطلبه ذلك من حيز زمني كاف لدراسة ملف التأسيس من طرف الإدارة، يقترح المشروع تمديد أجل توجيه إشعار السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية إلى الأعضاء المؤسسين، في حال مطابقة ملف التأسيس للشروط والإجراءات القانونية المطلوبة، إلى 45 يوما الموالية لتاريخ إيداع الملف، بدل ثلاثين يوما المنصوص عليه حاليا.
كما ينص المشروع على ضرورة توقيع الأعضاء الاثني عشر المؤسسين على التصريح المقدم لدى السلطة الإدارية المحلية المتعلق بتحديد تاريخ وساعة ومكان عقد المؤتمر التأسيسي للحزب، تحت طائلة عدم القبول، أخذا بعين الاعتبار أن الممارسة أثبتت حدوث خلافات بين الأعضاء المؤسسين، مما لا يخدم جوهر وجدية المشروع الحزبي الذي يفترض أن يتوفر على شرط الانسجام بين مكوناته، تؤهله للقيام بدوره الدستوري في تأطير المواطنات والمواطنين.
ولإقرار صحة المؤتمر التأسيسي للحزب، يشترط المشروع حضور 75 في المائة على الأقل من عدد الأعضاء المؤسسين ينتسبون لجميع جهات المملكة، شريطة ألا يقل عددهم في كل جهة عن 5 في المائة من عدد هؤلاء الأعضاء، مع مراعاة النسبة المخصصة لكل من الشباب والنساء، والمحددة في الخمس.
دعم الديمقراطية التمثيلية
للتحقق من الحضور الفعلي للعدد المطلوب من الأعضاء المؤسسين للمؤتمر التأسيسي ينص المشروع على ضرورة إشهاد مفوض قضائي على لائحة أسماء المؤتمرين وتوقيعاتهم، وإرفاقها بالملف الذي يتولى المسؤول الوطني للحزب المنتخب إيداعه شخصيا لدى السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية.
وتفاديا للترويج إعلاميا لتأسيس حزب سياسي، في الوقت الذي يكون ملفه ما زال قيد الدراسة من لدن الإدارة، فإن المشروع ينص على نشر مستخرج من ملف المؤتمر التأسيسي للحزب بالجريدة الرسمية، بعد اكتساب الحزب الصفة القانونية.
وأكد وزير الداخلية أن التعديلات المقترحة تندرج في سياق دعم الديمقراطية التمثيلية، وإضفاء المزيد من الجدية على العمل السياسي، وتقوية مصداقية المؤسسة الحزبية كآلية للوساطة السياسية، بما يضمن تأسيس أحزاب سياسية قوية، تشكل قيمة مضافة، وتستند إلى مقومات تنظيمية متينة، وتتوفر على تمثيل مجالي معقول وامتداد مجتمعي حقيقي، يساعدها على الاضطلاع بأدوارها الدستورية في تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي وتعزيز انخراطهم في الحياة العامة.
ومن جهة أخرى، وفي إطار تكريس حياد وزارة الداخلية تجاه كافة الفرقاء السياسيين، يقترح المشروع توسيع قاعدة الفئات التي لا يمكنها تأسيس حزب سياسي، أو الانخراط فيه لتشمل الأطر والموظفين التابعين لوزارة الداخلية والعاملين بها بمختلف هيئاتهم.
الجزء2
+++
تحفيزات مالية للأحزاب السياسية
من أجل تمكين الأحزاب السياسية من تحسين مواردها المالية الذاتية، ينص المشروع على الرفع من قيمة الهبات والوصايا والتبرعات التي يمكن لحزب سياسي أن يتلقاها من 600.000 درهم إلى 800.000 درهم في السنة بالنسبة لكل متبرع ذاتي.
كما يجيز المشروع للأحزاب السياسية تأسيس شركة أو أكثر يكون رأسمالها مملوكا كليا لها، من أجل استثمارها في أنشطتها والحصول على عائدات مالية منها، شريطة أن يقتصر نشاطها حصريا على المجالات المتعلقة بالعمل الحزبي والسياسي من قبيل التواصل والأنشطة الرقمية وإصدار الصحف الناطقة باسم الحزب والنشر والطباعة المرتبطة بالحزب وأنشطته وخدمات الإعلام والتواصل الموجهة للتأطير السياسي.
وبهذا الخصوص، يلزم المشروع المسؤول الوطني للحزب بأن يودع تصريحا بتأسيس كل شركة يقوم الحزب بإحداثها، لدى السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية، داخل أجل ثلاثين يوما من تاريخ تأسيسها، مرفقا بنسخة من نظامها الأساسي، مع بيان مجال نشاطها ورأسمالها وهوية مسيريها وعنوان مقرها الاجتماعي، كما يتعين على المسؤول الوطني للحزب أن يصرح بكل تغيير بطرأ على الشركة.
وبغية إعطاء صورة متكاملة على مالية الحزب وحساباته، ينص المشروع على أن نتائج حسابات كل شركة يمتلكها الحزب تدمج ضمن الحساب السنوي للحزب. وفي حالة مخالفة هذه المقتضيات، تتعرض الشركة للحل بمقتضى حكم قضائي يصدر بناء على طلب من السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية.
وبارتباط مع التحفيزات الهادفة إلى تعزيز تمثيلية الشباب والنساء داخل المؤسسة النيابية، يقترح المشروع خفض من المترشحين الشباب ذكورا وإناثا، حسب الحالة الواجب وضعهم على رأس لوائح الترشيح الجهوية والمحلية للاستفادة من الدعم العمومي من 40 سنة حاليا إلى 35 سنة.
كما يقترح الزيادة في مبالغ التحفيزات المالية لفائدة الأحزاب السياسية برسم الدعم السنوي لتشجيعها على ترشيح كل من الشباب من الجنسين الذين لا تزيد أعمارهم على 35 سنة، والمواطنات والمواطنين المغاربة المقيمين خارج أرض الوطن، وذلك من خلال الرفع من قيمة الدعم الممنوح عن كل مقعد تفوز به شابة أو شاب أو مغربية أو مغربي مقيم بالخارج برسم الدوائر الانتخابية المحلية إلى ست مرات قيمة الدعم الممنوح برسم كل مقعد محصل عليه من لدن باقي المترشحين، مع توسيع مجال تطبيق هذه الآلية التحفيزية المالية لتشمل تمثيلية الأشخاص في وضعية إعاقة من الجنسين، بما يساعد على تواجد هذه الفئة داخل المؤسسة التشريعية.
وأخذا بعين الاعتبار للعبر المستخلصة من الممارسة الانتخابية برسم الولاية الانتدابية الحالية، بخصوص الأحزاب السياسية، التي استوفت الشروط العامة للاستفادة من الدعم المالي السنوي المتمثلة في تغطية ثلث الدوائر الانتخابية المحلية على صعيد ثلاثة أرباع (3/4)جهات المملكة، ونصف (1/2) الدوائر الانتخابية الجهوية، ولم تتمكن من الاستجابة لأحد الشروط الأخرى المتعلقة بوضع مترشحين شباب ذكور لا تزيد أعمارهم على 35 سنة على رأس ثلاث لوائح ترشيح محلية أو وضع مترشحة مقيمة خارج تراب المملكة أو وضع مترشحة لا يزيد عمرها على 35 سنة على رأس لائحة ترشيح جهوية واحدة، فإن المشروع يقترح اعتماد إجراء جديد الفائدة هذه الأحزاب لحل هذه الإشكالية التي أثرت بشكل سلبي على قدرتها في القيام بأدوارها الدستورية خصوصا في ظل ضعف مواردها المالية الذاتية.
وفي هذا الإطار، فإن المشروع يقترح منح حد أدنى من الموارد المالية، برسم الدعم السنوي للمساهمة في تغطية مصاريف التدبير، الفائدة هذه الأحزاب، يتحدد مبلغه في نصف مبلغ الحصة الجزافية الموزعة بالتساوي فيما بين جميع الأحزاب المؤهلة للاستفادة من التمويل العمومي السنوي.
المؤتمر الوطني العادي والاستثنائي
سعيا إلى معالجة الإشكالات المتعلقة بتمويل المؤتمرات الوطنية العادية للأحزاب السياسية، يبقي المشروع على إلزامية تنظيم هذه المؤتمرات داخل أجل أربع سنوات المقرر قانونا، مع اعتماد بعض المرونة في هذا الباب، أخذا بعين الاعتبار للظروف التي قد تحول دون التقيد بدقة بالأجل المذكور.
وبهذا الخصوص، يقترح المشروع تمكين كل حزب سياسي من مساهمة الدولة في تغطية مصاريف مؤتمره الوطني العادي شريطة أن يتم عقده على الأكثر خلال الستة أشهر الموالية لتاريخ حلول أجل أربع سنوات، وأن يعلل الحزب الأسباب التي حالت دون تقيده بأجل أربع سنوات المذكور.
وفي السياق نفسه، ومن أجل تمكين الأحزاب السياسية من مواجهة تكاليف تنظيم مؤتمر استثنائي يهدف إلى انتخاب مسؤول وطني جديد للحزب، فإن المشروع ينص على تمكينها من الاستفادة من مساهمة الدولة في تغطية مصاريف تنظيم هذا المؤتمر الذي ينعقد وجوبا بدعوة من الأجهزة المؤهلة طبقا لأنظمتها الأساسية، مع إقرار مبدأ عدم الأخذ بعين الاعتبار التاريخ عقد المؤتمر الاستثنائي في احتساب أجل أربع سنوات المقرر قانونا لعقد المؤتمرات الوطنية العادية إلا إذا أسفر المؤتمر الاستثنائي عن انتخاب مسؤول وطني جديد للحزب.
وفي هذا الإطار، فإن مبلغ مساهمة الدولة في تغطية مصاريف كل من المؤتمر الوطني العادي والمؤتمر الاستثنائي الذي يسفر عن انتخاب مسؤول وطني جديد يتحدد في نسبة 50 في المائة من مبلغ الدعم السنوي الموجه التغطية مصاريف التدبير.
غير أنه بدل اعتماد السنة السابقة لعقد المؤتمر كأساس لتحديد مبلغ مساهمة الدولة الراجعة للحزب، يقترح المشروع اعتماد السنة المقررة لعقد المؤتمر كأساس لتحديد مبلغ المساهمة المذكورة، بما يسمح بالأخذ بعين الاعتبار للوزن الحقيقي للحزب في الساحة السياسية الوطنية، وسعيا إلى ضمان استقلالية القرار الحزبي ينص المشروع على منع الأحزاب السياسية من تلقي أي دعم مالي من الأشخاص الاعتباريين الخاضعين للقانون الخاص.
توسيع وسائل الأداء
تجاوبا مع مطلب عبرت عنه العديد من الأحزاب السياسية، ينص المشروع على توسيع وسائل الأداء التي يمكن استخدامها لتحويل مبالغ لفائدة حزب سياسي أو لأداء نفقات من طرفه لتشمل التحويل البنكي.
كما يحيل على نص تنظيمي لتحديد أصناف النفقات التي يمكن تمويلها بواسطة الدعم السنوي للمساهمة في تغطية مصاريف تدبيرها، والدعم السنوي الإضافي المخصص لتغطية المصاريف المترتبة على المهام والدراسات والأبحاث، وكذا مساهمة الدولة في تغطية مصاريف تنظيم المؤتمرات.
وفي نفس السياق، ولتعزيز موثوقية الحسابات السنوية للأحزاب السياسية، ينص المشروع على أن الإشهاد على صحة هذه الحسابات يتم وفق دليل ببين معايير التدقيق القانوني والتعاقدي، يحدد بقرار مشترك للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية والسلطة الحكومية المكلفة بالمالية.
وفي نفس المنظور، ولحث الأحزاب السياسية على التقيد بأحكام الدستور التي تخول للمجلس الأعلى للحسابات مهمة تدقيق حسابات الأحزاب السياسية، مع الإحالة على قانون تنظيمي لتحديد القواعد المتعلقة بكيفيات مراقبة تمويلها، ينص المشروع على أنه في حالة تخلف حزب سياسي عن تقديم حسابه السنوي لمدة ثلاث سنوات متتالية، يحيل الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات الأمر على السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية، التي يجوز لها تقديم طلب حل الحزب المعني إلى المحكمة الابتدائية الإدارية بالرباط.
وحرصا على صيانة المال العام الممنوح للهيئات السياسية، يخول المشروع للرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، في حالة تسجيل اختلالات بخصوص استعمال التمويل العمومي، إحالة الأمر على الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، بصفته رئيس النيابة العامة، وذلك لاتخاذ الإجراءات التي يقتضيها القانون.
أحزاب سياسية مهددة بالحل بسبب عدم تقديم حساباتها المالية
ينص مشروع القانون الجديد، المتعلق بالأحزاب السياسية، على أنه في حالة تخلف حزب سياسي عن تقديم حسابه السنوي لمدة ثلاث سنوات متتالية، يحيل الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات الأمر على السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية، التي يجوز لها تقديم طلب حل الحزب المعني إلى المحكمة الابتدائية الإدارية بالرباط.
اختلالات صرف الدعم العمومي
رصد المجلس الأعلى للحسابات، في تقريره الأخير حول تدقيق حسابات الأحزاب السياسية وفحص صحة النفقات المصرح بها برسم الدعم العمومي الممنوح لها، للمساهمة في تغطية مصاريف تدبيرها وتنظيم مؤتمراتها الوطنية العادية، مجموعة من الاختلالات في صرف الدعم العمومي، وطالب المجلس 15 حزبا سياسيا بإرجاع مبالغ دعم تناهز 21,96 مليون درهم إلى خزينة الدولة.
وحسب التقرير، رصدت الدولة، في قانون المالية لسنة 2023، اعتمادات مالية قدرها 140 مليون درهم في إطار الدعم السنوي الممنوح للأحزاب السياسية للمساهمة في تغطية مصاريف تدبيرها وتنظيم مؤتمراتها الوطنية العادية والمصاريف المترتبة عن المهام والدراسات والأبحاث، وتم صرف 43 بالمائة من هذه الاعتمادات لفائدة 17 حزباً (60,38 مليون درهم)، بالإضافة إلى صرف مبلغ دعم مخصص لتشجيع تمثيلية النساء (100.813,20 درهما) لفائدة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
وفي المقابل، واستنادا إلى المعطيات الواردة من المصالح المختصة بوزارة الداخلية، لم يتم صرف الدعم العمومي لفائدة 16 حزباً لعدم استيفائها شرطاً أو أكثر من الشروط المطلوبة قانوناً.
وفي ما يتعلق بتقديم الوثائق والمستندات المكونة للحسابات السنوية، قدم 27 حزبا من أصل 33 حساباتها السنوية، مقابل 29 حزبًا برسم سنتي 2021 و2022، واحترم 22 حزبًا الأجل القانوني لتقديم هذه الحسابات، مقابل خمسة أحزاب خارج الأجل القانوني، فيما تخلفت ستة أحزاب عن تقديم حساباتها للمجلس وهي الحركة الديمقراطية الاجتماعية، والإصلاح والتنمية، والنهضة والفضيلة، والعهد الديمقراطي، والقوات المواطنة والاتحاد الوطني للقوات الشعبية.
ولاحظ المجلس أن 23 حزبا من أصل 27 قدمت حسابات مشهودًا بصحتها من طرف خبير محاسب مقيد في هيئة الخبراء المحاسبين، من بينها 19 حسابًا مشهودًا بصحته بدون تحفظ، وأربعة حسابات بتحفظ (حزب الاستقلال وحزب الحركة الشعبية، وحزب جبهة القوى الديمقراطية وحزب الحرية والعدالة الاجتماعية)، فيما قدمت أربعة أحزاب حساباتها السنوية دون تقديم تقرير الخبير المحاسب للإشهاد بصحتها (حزب النهضة وحزب المجتمع الديمقراطي، والحزب الديمقراطي الوطني وحزب النهج الديمقراطي العمالي).
وسجل المجلس، كذلك، عدم تقديم سبعة أحزاب لكل الجداول المكونة لقائمة المعلومات التكميلية المرفقة بالملحق رقم 2 للمخطط المحاسبي الموحد للأحزاب السياسية (الحزب الاشتراكي الموحد والحزب المغربي الحر، وحزب الأمل وحزب الخضر المغربي، وحزب الاتحاد المغربي للديمقراطية والحزب الديمقراطي الوطني وحزب النهج الديمقراطي العمالي).
وفي الإطار نفسه، وخلافًا لما هو منصوص عليه في المخطط المحاسبي المذكور، لم تقدم ثلاثة أحزاب جميع الكشوفات البنكية للحسابات المفتوحة بأسمائها (الحزب الاشتراكي الموحد، وحزب الاتحاد المغربي للديمقراطية والحزب الديمقراطي الوطني). ولم يقم كل من حزب الاتحاد المغربي للديمقراطية، والحزب الديمقراطي الوطني وحزب النهج الديمقراطي العمالي بالإدلاء بجرد للنفقات المنجزة برسم سنة 2023 وبوضعية المقاربات البنكية.
وبخصوص فحص صحة الموارد، سجل المجلس الأعلى للحسابات نقائص بخصوص إثبات تحصيل الموارد الذاتية، بلغ مجموعها 1,72 مليون درهم، أي ما يمثل نسبة 1,64 في المائة من مجموع الموارد المصرح بها برسم سنة 2023 من طرف الأحزاب السياسية، والتي بلغت ما مجموعه 104,25 ملايين درهم.
وهمت هذه الملاحظات ثمانية أحزاب من أصل 27، وتوزعت بين موارد لم يتم دعم تحصيلها بوثائق الإثبات القانونية (بقيمة 853.164,60 درهما)، وموارد تم تحصيلها نقدا (بقيمة 865.900,00 درهم)، بالرغم من تجاوزها للسقف القانوني للتحصيل النقدي المحدد بموجب القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية.
نقائص نفقات تدبير
في ما يتعلق بدعم صرف النفقات بوثائق الإثبات القانونية، سجل المجلس نقائص همت نفقات تدبير بلغت قيمتها حوالي 5,73 مليون درهم، أي ما يمثل نسبة 6,27 في المائة من مجموع النفقات المصرح بصرفها من طرف الأحزاب السياسية البالغة 91,37 مليون درهم.
وتعد هذه النسبة أقل من تلك المسجلة خلال سنة 2022، والتي بلغت 26 في المائة. وسجلت هذه النقائص على مستوى 17 حزبا من أصل 27، وتوزعت بين نفقات لم يتم دعمها بأي وثائق إثبات قانونية، بمبلغ إجمالي قدره 5,34 مليون درهم، ونفقات تم تبريرها بوثائق غير كافية من حيث الشكل أو المضمون، بما قيمته 308.745,54 درهما، بالإضافة إلى نفقات أرفقت بوثائق معنونة في غير اسم الحزب المعني، بلغ مجموعها 74.688,73 درهما.
وفي ما يتعلق بتتبع عملية إرجاع مبالغ الدعم غير المستحقة، أو غير المستعملة، أو المستعملة لغير الأغراض التي منحت من أجلها، أو التي لم يتم إثبات صرفها بوثائق الإثبات القانونية، إلى الخزينة، وعملا بالمقتضيات التشريعية والتنظيمية ذات الصلة، سجل المجلس أن 24 حزبا قامت، خلال الفترة الممتدة من سنة 2022 إلى غاية متم شهر مارس 2025، بإرجاع مبالغ دعم إجمالية قدرها 35,92 مليون درهم إلى الخزينة.
وتوزعت هذه المبالغ بين مساهمة الدولة في تمويل الحملات الانتخابية للأحزاب السياسية برسم اقتراعات سابقة، بما مجموعه 28,71 مليون درهم، والمساهمة في تغطية مصاريف التدبير بمبلغ 2,42 مليون درهم، إضافة إلى المساهمة في تمويل المهام والدراسات والأبحاث بمبلغ 4,79 ملايين درهم.
وسجل للمجلس، كذلك، أن 15 حزبا لم تقم بعد بإرجاع مبالغ دعم تناهز 21,96 مليون درهم إلى الخزينة، علما أن عملية الإرجاع تتواصل بشكل مستمر وتخضع لتتبع سنوي من طرف المجلس. ومن بين الأحزاب المطالبة بإرجاع مبالغ الدعم، حزب الاستقلال بمبلغ يفوق مليارا و146 مليون سنتيم، وحزب الحركة الشعبية بمبلغ يفوق 539 مليون سنتيم، وحزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية بمبلغ 156 مليون سنتيم وحزب التقدم والاشتراكية بمبلغ 31 مليون سنتيم.
وتتوزع هذه المبالغ بين مساهمة الدولة في تمويل الحملات الانتخابية المتعلقة باستحقاقات سنتي 2015 و2016، والتي بلغ مجموعها 2,41 مليون درهم تخص ثلاثة أحزاب، ومساهمة الدولة في تمويل اقتراع سنة 2021، بمبلغ 18,13 مليون درهم يخص سبعة أحزاب، فضلا عن مبالغ متعلقة بمساهمة الدولة في تغطية مصاريف التدبير خلال السنوات 2017 و2020 و2021 و2022 و2023، بمبلغ إجمالي قدره 1,42 مليون درهم يهم سبعة أحزاب.
ويحرص المجلس، من خلال تقريره، على حصر وتتبع وضعية الإرجاعات والمبالغ الباقي إرجاعها إلى الخزينة، والتي لم يتم إثبات صرفها من طرف الأحزاب السياسية بوثائق قانونية، أو التي لم تُستعمل، أو استُعملت لغير الأغراض التي مُنحت من أجلها، أو التي تُعدّ غير مستحقة بالنظر إلى
النتائج المحصل عليها في الاقتراعات الانتخابية.
ويُؤشر تطور مبلغ الإرجاعات المنجزة سنويًا، بخصوص مبالغ سبق تسجيلها ضمن خانة «الباقي إرجاعه» في تقارير سابقة صادرة عن المجلس، على انخراط الأحزاب المعنية في مسار تدريجي لتسوية وضعيتها المالية تجاه الخزينة، ما يُضفي على وضعية هذه المبالغ طابعًا ديناميكيًا.
وبخصوص التدبير المالي والمحاسبي للأحزاب السياسية، سجل المجلس الأعلى للحسابات عدة ملاحظات همت مسك محاسبة 23 حزبا من أصل 27، تمثلت بالأساس في عدم التقييد المحاسبي لمبالغ الدعم الواجب إرجاعها إلى الخزينة من طرف 15 حزبا، وأخطاء في تنزيل عمليات محاسبية مختلفة لدى 11 حزبا، فضلا عن عدم احترام نماذج جداول قائمة المعلومات التكميلية المنصوص عليها في المخطط المحاسبي الموحد للأحزاب السياسية من طرف ثمانية أحزاب، وعدم التقيد ببعض القواعد أو المبادئ المحاسبية لدى أربعة أحزاب، إلى جانب تسجيل أخطاء في عملية ترحيل أرصدة الموازنة الختامية لدى حزبين اثنين.
وفي سياق تتبع تنفيذ التوصية الصادرة عن المجلس بشأن الإدلاء بتقارير ومخرجات الدراسات والأبحاث المنجزة في إطار الدعم السنوي الإضافي الممنوح برسم سنة 2022، سجل التقرير أن المجلس توصل بمخرجات الدراسات المتعلقة بثلاثة أحزاب، والتي تم التعاقد بشأنها مع مكاتب دراسات خلال السنة المعنية، فيما قامت أربعة أحزاب بإرجاع مبالغ الدعم غير المستعملة في إطار هذا الدعم الإضافي، بلغ مجموعها ما يناهز 2,03 مليون درهم، ما مكنها من تسوية وضعيتها إزاء الخزينة بخصوص هذا الشق من الدعم.
اختلالات تدبير الدعم العمومي تضع الأحزاب على المحك
تثير طريقة تدبير الأحزاب السياسية للدعم العمومي، منذ سنوات، جدلاً واسعاً، إذ تكشف تقارير رسمية متكررة عن اختلالات تتعلق بالشفافية، والمحاسبة واستعمال الأموال العامة. ورغم القوانين المنظمة للدعم العمومي الممنوح للأحزاب، لا تزال الممارسات العملية تشير إلى فجوة كبيرة بين النص القانوني والتطبيق الفعلي، وهو ما ينعكس على صورة الأحزاب أمام الرأي العام ويزيد من إحساس المواطنين بعدم جدية هذه المؤسسات.
وأشار المجلس الأعلى للحسابات إلى أن جزءاً من الأحزاب يفتقد لمنظومة محاسبية واضحة، ما يجعل عملية تتبع الأموال صعبة، إذ الكثير من الوثائق المرتبطة بالنفقات غائبة أو غير مكتملة، والعمليات المالية داخل الأحزاب غالباً ما تكون مركزة في أيدي قيادات ضيقة، دون أن تمر عبر آليات رقابية داخلية. هذه الثغرات تسهم في ارتكاب أخطاء تقنية وأحياناً مخالفات، لكنها تؤدي إلى فقدان مصداقية الحزب في الشارع العام.
استعمال الدعم العمومي يشهد، أيضاً، تجاوزات واضحة، إذ تبين أن بعض الأحزاب تصرف الأموال في نفقات لا علاقة لها بالأهداف المرسومة للدعم. على سبيل المثال، هناك حالات صرف جزء من الدعم على مصاريف إدارة المقرات، أو تغطية ديون سابقة أو دفع تكاليف أشخاص محددين، بدلاً من استثماره في التكوين السياسي أو تطوير القدرات التنظيمية. هذا النوع من الممارسة يعكس غياب استراتيجية واضحة لإدارة الموارد العامة ويضعف أثر التمويل في تطوير العمل الحزبي.
ويشكل السياق الانتخابي، بدوره، ضغطاً إضافياً على الأحزاب، حيث تزداد حاجاتها المالية خلال الحملات، ويصبح التحكم في الإنفاق أصعب. بعض الأحزاب تواجه صعوبات في ضبط المصاريف الانتخابية أو تقديم تبريرات دقيقة للدعم العمومي المستلم، فيما تتكرر ملاحظات المجلس الأعلى للحسابات بشأن عدم إرجاع مبالغ غير مبررة أو تأخر تقديم الوثائق المطلوبة. وتؤدي هذه الممارسات إلى توجيه انتقادات حادة للسياسات المالية للحزب وتغذية أزمة الثقة مع المواطنين.
أحد الأسباب الجوهرية للاختلالات المالية يكمن في ضعف الحكامة الداخلية للأحزاب. القرارات المالية غالباً ما تُتخذ من قبل قيادة مركزية أو دائرة ضيقة، بينما يبقى دور المجالس واللجان الداخلية محدوداً، ما يجعل المحاسبة الشكلية أكثر من كونها عملية فعلية. إضافة إلى ذلك، ضعف التكوين المالي للمسؤولين، خصوصاً في الفروع الجهوية والمحلية، يزيد من احتمالية ارتكاب أخطاء ويجعل التسيير المالي أكثر هشاشة.
ضعف الموارد الذاتية للأحزاب يعد سبباً آخر يفاقم الاختلالات، فمعظم الأحزاب تعتمد بشكل شبه كامل على الدعم العمومي، دون تطوير آليات لتمويل ذاتي مستدام عبر الانخراطات أو التبرعات أو استثمارات صغيرة. الاعتماد الكلي على الدعم العمومي يجعل الأحزاب رهينة للتمويل الرسمي، وأي تأخر أو إشكال في صرفه يتحول إلى أزمة مالية حادة.
من جهتهم يلاحظ مراقبون أن غياب الشفافية العامة يزيد الوضع سوءاً. نشر التقارير المالية ليس أمراً اختيارياً فقط، بل يمثل أداة أساسية لإعادة بناء الثقة مع المواطنين، غير أن أغلب الأحزاب لا توفر معلومات مفصلة أو دقيقة حول كيفية صرف الدعم العمومي، ما يثير شبهة استغلال الموارد وعدم المسؤولية.
ورغم الانتقادات، لا يمكن تجاهل أهمية الدعم العمومي في ضمان استقلالية الأحزاب وتطوير أدائها السياسي. التمويل يتيح للأحزاب القيام بأنشطة التكوين، وتنظيم الحملات الانتخابية وتعزيز حضورها في المجتمع.. لكن الطريقة التي تُدار بها الأموال تحدد مدى نجاح الدعم في تحقيق أهدافه، وما لم يتم ضبط الإنفاق ومراقبته بفعالية، فإن الفجوة بين الموارد والنفع المرجو ستظل قائمة.
ويرى خبراء أن إصلاح هذا الوضع يحتاج إلى أكثر من مجرد تعديل تشريعي. القوانين الحالية تنص على قواعد صارمة للحكامة والمحاسبة، غير أن المشكل يكمن في التطبيق العملي والالتزام. تعزيز الرقابة الداخلية للأحزاب، وتكوين مسؤوليها في مجال المحاسبة، وربط الدعم العمومي بمدى الالتزام بالأنشطة، كلها إجراءات ضرورية، لكنها يجب أن تقترن بإصلاح ثقافة الحزب نفسه، وتشجيع الممارسة الديمقراطية الداخلية واحترام دور المجالس واللجان الرقابية.
في الواقع الأزمة الحالية في تدبير الدعم العمومي هي انعكاس لأزمة أوسع تعيشها الأحزاب: ضعف الديمقراطية الداخلية، غياب استراتيجية واضحة، تراكم اختلالات مالية وإدارية ونقص الشفافية. إعادة النظر في كيفية صرف الأموال العامة وربطها بمؤشرات أداء واضحة هو السبيل لإعادة الثقة في الأحزاب وتحويل التمويل العمومي إلى أداة فعالة لتطوير العمل السياسي.
وتبقى المسألة معقدة لأنها تتجاوز الجانب المالي لتصل إلى جوهر العمل الحزبي نفسه، تحسين تدبير الدعم العمومي مرتبط بتجديد ثقافة الأحزاب، وضبط الحكامة الداخلية، وتعزيز الشفافية والمحاسبة وضمان استثمار الموارد في تطوير العمل السياسي والمجتمعي. وإذا لم يحدث ذلك ستظل الفجوة بين النص القانوني والممارسة العملية تشكل مصدر استياء متواصل لدى المواطنين، وتقوّض وظيفة الأحزاب الأساسية في الحياة السياسية المغربية.
سعيد الخمري*:
“الأحزاب السياسية منفصلة عن المجتمع والإصلاح الحقيقي يبدأ من داخلها”
- ما هي أعطاب الأحزاب السياسية في المغرب؟
إن الأعطاب التي تعاني منها الأحزاب السياسية في المغرب ليست وليدة اليوم، وليست مرتبطة بمرحلة انتخابية محددة أو بظرف اقتصادي أو اجتماعي معين، بل هي تراكمات تاريخية تعكس صعوبة انتقال الأحزاب من منطق التعبئة الظرفية إلى منطق التأطير الدائم. يمكن اختزال هذه الأعطاب في خمس مستويات مترابطة أولا بأزمة الديمقراطية الداخلية.
العديد من الأحزاب، رغم تصريحاتها وشعاراتها، لم تنجح في ترسيخ ممارسات ديمقراطية فعلية داخل هياكلها. ما زالت القرارات الكبرى تُتخذ من طرف دوائر ضيقة، وأحياناً بطرق فوقية، وهو ما يؤدي إلى صراعات داخلية تتكرر عند كل محطة تنظيمية. كثير من القيادات تستمر لعقود دون تداول حقيقي، ما يفقد الحزب حيويته ويفقد الشباب الرغبة في الاندماج داخله.
المشكل الثاني هي أزمة النخب، والمشكل اليوم ليس في غياب النخب، بل في عدم قدرة الأحزاب على استقطابها ودمجها. الجامعات والمعاهد والمؤسسات المهنية تنتج نخباً مهمة، لكنها تبقى غالباً بعيدة عن الأحزاب بسبب غياب الجاذبية الفكرية والتنظيمية، الأحزاب مطالبة اليوم بتجديد خطابها وأساليب عملها لاستقطاب طاقات حقيقية قادرة على التفكير والاقتراح.
هذا بالإضافة إلى ترهُّل الآلة التنظيمية، فمعظم الأحزاب تتحرك فقط وقت الانتخابات، وكأنها مؤسسات انتخابية لا سياسية، المكتب المحلي أو الجهوي يظل شبه مجمّد أغلب السنة، والنشاط السياسي لا يلامس المجتمع المدني وفضاءات النقاش العمومي إلا نادراً، هذا يجعل الحزب منفصلاً عن المجتمع، ويفقد دوره الأساسي في الوساطة.
كما أن الأحزاب تعاني أزمة ثقة، وهناك تراجع واضح في ثقة المواطنين بالأحزاب، وهذا أمر خطير. الأحزاب لم تعد قادرة على إقناع فئات واسعة بأن العمل السياسي هو الحل، خصوصاً الشباب، السبب يعود لخيبات متراكمة، ووعود انتخابية لم تتحقق، وغياب الوضوح في المواقف، إضافة إلى الشعور العام بأن القرارات المصيرية تُصنع خارج الأحزاب.
هذا بالإضافة إلى ضبابية الهوية الإيديولوجية، فالأحزاب اليوم تتشابه بشكل كبير في خطابها وبرامجها، لم يعد هناك فرق واضح بين أحزاب اليمين واليسار والوسط. الإيديولوجيا أصبحت شعاراً أكثر من كونها مرجعية، وهذا يخلق نوعاً من التيه الفكري لدى القواعد ويضعف القدرة على تقديم بدائل سياسية واضحة.
باختصار، يمكن القول إن أعطاب الأحزاب في الرؤية والوظيفة والوساطة. أحزاب كثيرة تشتغل بمنطق إدارة اليومي وليس بمنطق مشروع مجتمعي طويل الأمد، ولا يكفي حيز قصير للإحاطة بها وتشخيصها.
- هل من شأن تعديل قانون الأحزاب السياسية معالجة هذه الاختلالات؟
تعديل قانون الأحزاب السياسية قد يساهم في جزء من الحل، لكنه ليس العلاج السحري. القانون يمكن أن يفرض شروطاً تنظيمية ومحاسباتية وأخلاقية، لكنه لا يستطيع أن يفرض التجديد الفكري أو إعادة بناء الثقة أو إصلاح الثقافة السياسية، ومع ذلك، يمكن الإشارة إلى ثلاثة مجالات أساسية يُمكن للقانون أن يلعب فيها دوراً مهماً، أولها تنظيم الديمقراطية الداخلية، فمن الضروري فرض مقتضيات أكثر صرامة تتعلق بتداول المسؤوليات، وتنظيم المؤتمرات في آجالها، وضمان انتخاب الأجهزة بطريقة شفافة، ويمكن للقانون أن يُلزم الأحزاب بنشر تقارير مفصلة عن طريقة انتخاب قياداتها وكيفية تدبير خلافاتها الداخلية.
ويجب ربط الدعم العمومي بالنتائج والالتزامات، فمن حق الدولة أن تطالب الأحزاب بترجمة الدعم العمومي إلى تكوين وتأطير فعليين، ويمكن للقانون أن يربط جزءاً من الدعم بمدى احترام الأحزاب لالتزاماتها المتعلقة بتأطير الشباب، وتمكين النساء، وتنظيم دورات تكوينية، وإصدار تقارير سنوية للأنشطة.
لكن رغم كل هذا، يجب القول بوضوح أن القانون وحده لا يكفي، فالأزمة في جوهرها مرتبطة بثقافة سياسية تحتاج إلى تجديد، وبممارسات حزبية تحتاج إلى جرأة في الإصلاح الذاتي. الإصلاح الحقيقي يبدأ من داخل الحزب، وليس من نصوص القانون فقط.
- ما هي أسباب الاختلالات المالية التي تعانيها الأحزاب، خصوصاً في صرف الدعم العمومي؟
الاختلالات المالية التي تعرفها بعض الأحزاب لا يجب أن تُقرأ فقط من زاوية المحاسبة، بل من زاوية الحكامة الحزبية. يمكن تلخيص أهم الأسباب في النقاط أولها غياب ثقافة المحاسبة الداخلية، في العديد من الأحزاب، لا توجد آليات داخلية لمراقبة المصاريف. المكاتب السياسية أو الأمانات العامة تحتكر القرار المالي، بينما يبقى دور المجالس الوطنية أو اللجان المالية شكلياً. غياب الفصل بين المسؤولية السياسية والمسؤولية المالية يؤدي إلى سوء تدبير أو انعدام الشفافية.
ضعف التكوين في مجال التدبير المالي، المسؤولون الماليون داخل الأحزاب غالباً غير مؤطَّرين تكويناً في المحاسبة والقوانين المالية، وهو ما يجعل تدبير الدعم العمومي مليئاً بالأخطاء الشكلية. كثير من الأحزاب لا تعرف كيف تُهيّئ الوثائق المطلوبة من المجلس الأعلى للحسابات، مما يؤدي إلى ملاحظات متكررة حول فوضى الوثائق أو غياب تبرير المصاريف.
كما أن استعمال الدعم العمومي في حاجيات بعيدة عن أهداف التمويل، القانون يحدد بوضوح أن الدعم مخصص للتكوين، والتأطير، وتنظيم الأنشطة، وتطوير القدرات، لكن بعض الأحزاب تصرفه في تسيير المقرات، أو تسديد ديون، أو تغطية تكاليف أشخاص معينين. هنا يبدأ الخلل، لأن الدعم يتحول إلى تمويل لإدارة الحزب وليس لعمله التأطيري.
غياب مداخيل ذاتية، الأحزاب تعيش شبه اعتماد كامل على الدعم العمومي. ليس لديها استراتيجيات حقيقية لتنمية مواردها الذاتية، مثل الانخراطات أو تبرعات المنخرطين. هذا يجعلها رهينة للدعم العمومي، وعندما يتأخر أو يُمنع بسبب اختلالات، تدخل في أزمة مالية حادة، زيادة على ضعف الوعي بالشفافية المالية كأداة لاستعادة الثقة، إن الأحزاب يجب أن تدرك أن نشر تقاريرها المالية للرأي العام ليس مجرد إجراء شكلي، بل رسالة سياسية، للأسف، أغلب الأحزاب لا تنشر تقاريرها المالية، ولا تفسّر للرأي العام كيف تُصرف الأموال.
*أستاذ القانون العام والعلوم السياسية بكلية الحقوق بالمحمدية







