شوف تشوف

الرئيسية

أحمد بركات.. أو الشاعر الذي رفض أن يساعد الزلزال

إعداد وتقديم: سعيد الباز

في الشعر المغربي لابدّ أن نتذكّر الراحل أحمد بركات الذي استطاع أن يطوّع قصيدة النثر لتكون مقروءة أمام الجمهور، بشكل مميّز وحضور جسدي قوي يحفظ شعره وينقله من الذاكرة مركزا على مخارج الحروف وبناء إيقاع يقرّب الصورة الشعرية والرؤية من الجمهور، ومستفيدا من تجربته السابقة في المسرح. فكيف بوسع المستمع ألّا يتأثر بأحمد بركات في قصيدته «لن أساعد الزلزال» وهو يرتب مقاطعها بهذه الجملة المذهلة: حذر، كأني أحمل في كفي الوردة التي توبخ العالم. أحمد بركات شاعر مغربي استثنائي مات عن عمر قصير(1960_1994) مخلّفا وراءه ديوانه الخاطف «لن أساعد الزلزال» الحائز على جائزة اتحاد كتاب المغرب للشباب، وكتابه الثاني الذي صدر بعد وفاته «دفاتر الخسران». شاعر ذو نبرة حادة استطاع في فترة قصيرة جدّا أن يخلق لنفسه صوتا شعريا خاصا قوامه قصيدة نثر منفلتة عن النسق السائد حينها مغربيا وعربيا، أهمّ ما ميزها أنّها قصيدة مرتبطة أشدّ الارتباط بشخصه وكيانه الخاص لا يمكن تمثلها إلاّ من خلال حياته ومعاناته، وفي السياق العام تؤشر على أهم التحولات التي شهدتها القصيدة المغربية على مستوى الوعي الشعري والاختيارات الفنية والجمالية.
من هنا تكتسي تجربة أحمد بركات أهميتها في وعيها الشعري الحاد بحاجة الشاعر إلى لغته الخاصة، يبرز ذلك في قصيدته «أبدا لن أساعد الزلزال» الأشبه ببيان شعري: «الأشياء الأكثر فداحة: قلب شاعر في حاجة قصوى إلى لغة»، إضافة إلى اعتبار القول الشعري منازلة غير متكافئة من أجل الحضور القوي للشاعر في العالم، بكل ما يتطلب ذلك من حذر لازم: «حذر، كأنّي أحمل في كفّي الوردة التي توبخ العالم»، وعندها تستحيل الوردة إلى قصيدة. باكرا استوعب أحمد بركات هذا الدرس القاسي وقرر أن يمنحه عمرا كاملا والكثير من الآلام النفسية والجسدية، يقول في واحدة من شهاداته النادرة: «إنّ الشعر الذي نكتبه اليوم يعيش بطولته التراجيدية بامتياز». إنّه بحث شرس عن لغة جديدة لقصيدة جديدة من أجل عالم أجمل: «حذر، ألوح من بعيد/لأعوام بعيدة/ وأعرف –بالبداهة- أنني عما قريب سأذهب مع الأشياء/ التي تبحث عن أسمائها فوق سماء أجمل ولن أساعد الزلزال». إنّ الشعور بفداحة القول الشعري وخطورته يجعل الشاعر يعرف أين يضع قدميه، إنّها الهاوية تحديدا: «الآن/ أنا لدي عمل كثير على الهاوية/ اتبعني/ امش ورائي/ سترى كلّ شيء». على مستوى الهم الاجتماعي والسياسي لا تخلو قصيدة أحمد بركات من نبرة عالية من الاحتجاج الغاضب والجارح: «الأرض ليست لأحد/ الأرض لمن لا يملك مكانا آخر». إنّ الشكل والبناء والأسلوب الذي قدمته قصيدة أحمد بركات نسيج عناصر متعددة استطاع أن يجسدها بفضل طريقته الخاصة في قراءة قصائده استوحاها من تجربته المسرحية التي لا نمتلك للأسف أيّ توثيق لها.
يقول عنه الناقد محمد علوط بشكل دقيق ووافٍ: «له القدرة على أن يترجم العنف الذي يحمله في دواخله إلى لغة المتخيل الشعري في هندسة مثيرة تتسم بالصور اللامحتملة، وبالغرائبية، وقوة الخرق لمألوف التصور. إنّه يؤثر القصيدة القصيرة، وشعر الومضة الخاطفة… الهم السياسي لديه يسكبه في لغة جارحة وعنيفة وساخرة، لا ينتحل أحذية الغير، بل يعتمد على موهبته».
في الذكرى 25 لرحيل الشاعر أحمد بركات نقدم شهادات في حق من كان يحلو له أن يلقي على نفسه لقب عرّاف من آخر الوطن، ومن ضمنها شهادة له نادرة قبل وفاته بشهور، لعلنا بذلك نذكر بتجربة شعرية ذات أهمية قصوى في شعرنا المغربي الحديث.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى