
يونس جنوحي
نهاية الأسبوع الماضي، اجتمع «السوسيون» في الدار البيضاء لإحياء النقاش الذي بدأ العام الماضي، عن ضرورة إعادة النظر في التقسيم الترابي والإداري لإقليم تارودانت، أكبر أقاليم المغرب مساحة.
حضر الجمعويون، ورؤساء الجماعات والبرلمانيون. المُنتخبون، بحسابات بعضهم الضيقة مع بعضهم البعض، جنبا إلى جنب مع الفاعلين الجمعويين الذين ينحت أغلبهم الصخر لإخراج قراهم ومداشرهم من العزلة.
كان «منتدى سوس العالمة» فرصة لكي يجتمع هؤلاء جميعا، ليعلنوا ضرورة إعادة تقسيم إقليم تارودانت إلى أكثر من إقليمين. نتحدث عن 89 جماعة مترامية الأطراف، أغلبها قروية تحول بينها وبين البقية جبال شاهقة ومرتفعات ومنخفضات، فوق مساحة شاسعة.
والذين يعرفون المنطقة جيدا، حتى قبل الزلزال الذي ضرب الإقليم في الثامن من شتنبر 2023، يعرفون أن التنقل من جماعة إلى أخرى، بين طرفي الإقليم، يحتاج إلى رحلة بالسيارات الأسطورية المقاتلة، يتجاوز 18 ساعة!
جماعتان، يحول بينهما جبل ومنعرجات في ارتفاع يتجاوز 1400 متر، يحتاج التنقل بينهما إلى خمس أو ست ساعات. ولو كان هناك نفق بين الجماعتين، لما تجاوزت مدة التنقل بينهما نصف ساعة على الأكثر. لكن قسوة الجغرافيا، وغياب الترافع عن مشاكل عشرات القرى التي تتبع لجماعات ترابية صغيرة، زادا من تعميق معاناة سكان هذه القرى.
هناك اليوم حاجة ملحة إلى تقسيم إقليم تارودانت إلى أكثر من إقليمين -هناك مقترحات إحداث أربعة أقاليم- أو إقليمين فقط على الأقل في الحد الأدنى. والهدف تخفيف العبء عن عمالة تارودانت، العمالة الحالية الوحيدة.
تصوروا أن هناك مواطنين يقضون ليلة الأحد في التنقل، عبر النقل المزدوج الذي يشتغل أغلب سائقيه خارج القانون تماما، لكي يصلوا إلى تارودانت فجرا، وينتظروا شروق الشمس للالتحاق بمقر العمالة في المدينة، بهدف الحصول على شهادة إدارية لا يستغرق الحصول عليها في مدن أخرى دقائق فقط.
الإقليم يعرف جمودا إداريا منذ سنة 1981، تاريخ إحداث آخر تقسيم إداري. حتى أن موظفي وأطر الداخلية الذين وضعوا الحدود المجالية لهذا الإقليم، انتقلوا جميعا إلى عفو الله ولم يبق أحد منهم على قيد الحياة.
عندما جاء سكان المغرب الآخرون لتفقد أحوال إخوانهم، بعد زلزال شتنبر المدمر، دهشوا لرؤية الواقع «العجيب» الذي يعيشه إقليم تارودانت، والعزلة التي تغرق فيها قرى تابعة لجماعات ترابية صغيرة، بالكاد تتحمل ميزانيتها مصاريف إبقاء مكتب الرئيس مفتوحا، لكي يحصل المواطنون على عقد الازدياد. وإذا احتاج المواطنون أي وثيقة أخرى من العمالة أو المحكمة، عليهم خوض «مغامرة» الذهاب إلى تارودانت، ومصارعة المنعرجات والسحالي وقطع الوديان.
لا يزال الضغط على مستشفى المختار السوسي هو الآخر قائما، حتى أن مشهد مئات المواطنين الذين ينتظرون أمام باب المستشفى، بلباسهم القروي البسيط ووجوههم المتعبة، صار من المعالم المتحركة للمدينة.
فصل الصيف على الأبواب، شمس يوليوز وغشت، كفيلة بطرد البرد الذي ضرب حصارا كبيرا على خيام الناجين من الزلزال، لكنه كفيل أيضا بتحويلها إلى حمامات بخارية، للعام الثالث على التوالي.. وبحسب ما يؤكده الذين يعانون من الوضع الحالي، فإن أحد أسباب استمرار معاناة سكان الإقليم، هو هذا التقسيم الذي يعود إلى أكثر من أربعين عاما.





