شوف تشوف

الرأي

أزمة الطاقة والنفط

 

أحمد مصطفى

 

تواجه أوروبا وبريطانيا أزمة خانقة في الطاقة، مع ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي وإمدادات الكهرباء بالجملة إلى مستويات غير مسبوقة، وذلك في الوقت الذي تراجع فيه إنتاج الطاقة من مصادر متجددة، مثل الشمس والرياح نتيجة الظروف الجوية الموسمية.

واضطرت أكبر شركة توزيع أوروبية، «إي دي إف» الفرنسية، إلى إغلاق أربع محطات توليد كهرباء بالطاقة النووية تمثل نحو عشرة في المائة من إنتاجها الذي تغذي به ليس فرنسا فقط، بل بعض الدول الأوروبية كألمانيا وأيضا بريطانيا.

وتأتي الأزمة في وقت بدأ فيه فصل الشتاء، وتنتظر المنطقة موجات برد قارس، تزيد من الطلب على الطاقة في البيوت والمصانع.

كما أن التعافي الاقتصادي الهش من أزمة وباء كورونا، العام الماضي، لا يتحمل زيادة تكلفة الإنتاج نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة، دينامو النشاط الاقتصادي في كافة القطاعات.

ولمحاولة تصور التأثير السلبي لأزمة الطاقة على الاقتصاد، نشير إلى أن أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا تضاعفت ثماني مرات، منذ بداية العام، كما تضاعفت أسعار إمدادات الكهرباء بالجملة نحو خمس مرات. وطبيعي أن ذلك كان أحد العوامل الرئيسية التي تغذي ارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات غير مسبوقة.

جاء الارتفاع القياسي الأخير في أسعار الغاز والكهرباء في أوروبا، مع توقف ضخ الغاز الروسي عبر خط الأنابيب (يامال – يوروب)، الذي يمر عبر بيلاروسيا وبولندا إلى ألمانيا.

ورغم تأكيد الشركات الأوروبية التي تستخدم الخط في نقل الغاز أن شركة «غازبروم» الروسية تفي بتعهداتها التعاقدية، وتأكيد الحكومة الروسية أن الأمر يرجع لاعتبارات تجارية بحتة لا علاقة لها بالسياسة، إلا أن ذلك لم يمنع سياسيين أوروبيين ومحللين في أسواق الطاقة من الربط بين وقف إمدادات الغاز الروسي لأوروبا، وأزمة أوكرانيا.

أيضا هناك الضغط الروسي من أجل شرعة الموافقة على خط الأنابيب الجديد (نورد ستريم 2)، بين روسيا وألمانيا، الذي اكتمل بناؤه منذ أشهر، بكلفة تزيد على أحد عشر مليار دولار، وما زال تشغيله بانتظار موافقات أوروبية.

المشكلة فعلا اقتصادية صرفة، وبدأت بوادرها في الصيف، حين ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي والكهرباء في أوروبا وبريطانيا بشكل غير مسبوق أيضا، نتيجة تراجع توليد الطاقة من محطات الرياح.

ومنذ نهاية العام الماضي تسحب الدول الأوروبية، والغربية عموما، من مخزوناتها للغاز الطبيعي بالشكل الذي جعلها عن مستويات تقارب النصف. كما أن الطلب الآسيوي على الغاز الطبيعي ارتفع بشدة، وأصبحت الصين وكوريا وغيرهما تضارب على أسعار الغاز الطبيعي المسال، فتتحول الشحنات في البحر شرقا نحو آسيا، بدلا عن تحولها غربا نحو أوروبا.

المفارقة أن الدول المتقدمة التي تتعهد بالحد من الانبعاثات ومكافحة التغير المناخي بأهداف طموحة، اضطرت إلى العودة لتشغيل محطات طاقة تعمل بالفحم كانت على وشك تفكيكها، لأنها ملوثة للبيئة أكثر من النفط والغاز بمراحل.

وهذا ما جعل أكبر مصدر للفحم في العالم، أستراليا، تتوقع أن تجني ما يزيد على ربع تريليون دولار من صادرات الفحم في السنوات القادمة. وتمكنت أستراليا من تخفيف كل البنود المتعلقة بالفحم، في القرارات النهائية لقمة المناخ العالمية التي استضافتها بريطانيا، الشهر الماضي.

وطبعا كان ذلك مصدر غبطة للصين، التي تحاول مضاعفة إنتاجها من الفحم، رغم أضراره البيئية الهائلة.

أما كل التفاؤل بأن تحل مصادر الطاقة الجديدة محل الوقود الأحفوري (فحم، ونفط وغاز)، فقد تراجع بسرعة أمام الأزمة الحالية التي تشهدها دول أوروبا وبريطانيا. فألمانيا وبريطانيا تشغلان محطات طاقة تعمل بالفحم، لسد النقص في شبكاتها الكهربائية، خاصة مع تراجع الإمدادات من شركة «إي دي إف» الفرنسية.

ومع ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي، لا مفر من تشغيل المحطات التي تعمل بالديزل لتلبية الطلب المتزايد. وسبق أن أعلنت الشركة النرويجية، أكبر مورد للنفط والغاز في أوروبا، أنها لن تتمكن من تلبية أكثر من ستين في المائة من الزيادة في الطلب على الطاقة في فصل الشتاء.

كل تلك التطورات تعزز التوقعات باستمرار نمو الطلب العالمي على النفط في المدى القصير والمتوسط، ومع استمرار توازن العرض والطلب في السوق، ستستمر أسعار النفط في وضع متماسك، وربما تتجه نحو الزيادة. وهذا ما جعل واحدا من أكبر البنوك الاستثمارية في العالم، غولدمان ساكس، يتوقع أن يصل سعر برميل النفط إلى مستوى المائة دولار قريبا. خاصة إذا كان للاقتصاد العالمي أن يحافظ على معدلات نمو جيدة، للتعافي من أزمة وباء كورونا.

لا يعني ذلك بالطبع أي تراجع في التوجه العالمي نحو الطاقة المتجددة المستدامة، لكن هذا التوجه في أكثر السيناريوهات تفاؤلا لن يقلل من أهمية النفط والغاز، كمحركين رئيسيين للاقتصاد العالمي لعقود قادمة.

نافذة:

كل التفاؤل بأن تحل مصادر الطاقة الجديدة محل الوقود الأحفوري (فحم ونفط وغاز) فقد تراجع بسرعة أمام الأزمة الحالية التي تشهدها دول أوروبا وبريطانيا

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى