شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسيةسياسية

أزمة النخب

افتتاحية

خلال نهاية الأسبوع الماضي، عقد حزب الأصالة والمعاصرة مؤتمره الوطني الخامس على وقع «صدمة» اعتقال اثنين من أبرز قيادييه في الملف المعروف بـ«إسكوبار الصحراء»، كما عبرت عن ذلك المرأة القوية داخل الحزب، فاطمة الزهراء المنصوري، خلال انطلاق أشغال المؤتمر. لكن الصدمة القوية، في نهاية المؤتمر، هي عجز الحزب، الذي يعتبر ثاني قوة سياسية أفرزتها نتائج الانتخابات الأخيرة، عن انتخاب أمين عام، وتمت تزكية لجنة ثلاثية ستتولى قيادة «الجرار»، خلال الأربع سنوات المقبلة.

هذه «البدعة» التي اخترعها قادة «البام» تكشف حجم أزمة النخب الحزبية، وربما ستشكل مخرجا للأحزاب السياسية التي تعرف صراعات على القيادة، ومنها حزب الاستقلال، الذي عجز عن عقد مؤتمره الوطني الذي تأخر عن موعده القانوني لأكثر من سنتين، حيث تدخلت وزارة الداخلية لمطالبة الحزب بعقد المؤتمر داخل أجل لا يتعدى نهاية شهر مارس المقبل.

ومن مظاهر أزمة النخب الحزبية غياب النقاشات الفكرية والسياسية داخل التنظيمات الحزبية، وهو ما نبهت إليه الرسالة الملكية الموجهة لأعضاء مجلسي النواب والمستشارين بمناسبة تخليد الذكرى الستين لإحداث أول برلمان مغربي، عندما دعا الملك محمد السادس إلى الرفع من جودة النخب البرلمانية والمنتخبة.

فإذا كان، في السابق، يتمرد الأعضاء على قيادة أحزابهم ويلتفون حول قائد الانقلاب أو زعيم التمرد الذي يطرح أفكارا جديدة أو توجهات سياسية تختلف عن توجهات القيادة الحزبية، فإن تقاطع المصالح الشخصية الضيقة هو ما يخلق الولاء للزعيم الحزبي في الوقت الراهن، مع تعدد أشكال الريع السياسي التي أصبحت تفتح أبوابها في وجه كل الطامحين والمتسلقين إلى مواقع متقدمة من القيادة الحزبية، في تغييب تام للديمقراطية الداخلية، وغياب أساليب إشراك جميع أعضاء الحزب في صناعة القرار وتداوله ضمن الهيكلة الحزبية، فضلا عن غياب ضوابط قانونية للعمل الداخلي الحزبي تتضمن قواعد اختيار المرشحين للانتخابات والمنافسة الداخلية للمناصب القيادية.

وتتجلى أزمة النخب الحزبية، كذلك، في تدبير الشأن العام من خلال المجالس المنتخبة، حيث عوضت ترشيح الأحزاب السياسية لنخب وكفاءات جديدة قادرة على قيادة قطار التنمية وفق توجهات النموذج التنموي الجديد، حصل العكس، فقد أفرزت نتائج الانتخابات التشريعية والجهوية والجماعية الكائنات الانتخابية نفسها التي تحترف العمل السياسي لتحقيق مصالحها الضيقة والحصول على الامتيازات و«الريع»، ولا تهمها مصالح الوطن والمواطن.

ويبدو أن هذه الممارسات نتيجة طبيعية لتخلي الأحزاب السياسية عن وظيفتها في تأطير المواطنين والنضال من أجل تحقيق برامجها الانتخابية ومشاريعها المجتمعية، وتحولت إلى ما يشبه شركات للترقي الطبقي والمهني السريع، من خلال توزيع الحقائب الوزارية والتزكيات الانتخابية والتعيين في الدواوين الحكومية والمناصب العليا، وأصبحت ظاهرة الغنائم السياسية تنخر الجسد الحزبي المغربي، ما ساهم في تفريخ الانتهازية والوصولية داخل هذه الأحزاب عوض تخريج الأطر والكفاءات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى