
النعمان اليعلاوي
كشفت أرقام صادمة عن أزمة تواجهها مصلحة جراحة الأطفال بالدار البيضاء، حيث يجد هذا التخصص الطبي الحيوي نفسه أمام وضع غير مسبوق يهدد مستقبل التكوين الجامعي في المجال الطبي ويضع صحة آلاف الأطفال على المحك. فبالرغم من فتح عشرات المناصب في مباريات الإقامة خلال السنوات الأخيرة، إلا أن حصيلة استقطاب الأطباء إلى هذا التخصص تكاد تكون صفرية، فمنذ نهاية سنة 2020 وإلى غاية 2025 تم الإعلان عن ستة وثلاثين منصبًا في مباراة الإقامة الخاصة بجراحة الأطفال، غير أن المصلحة لم تحتفظ سوى بستة أطباء مقيمين، في حين غادر الباقون تحت وطأة ظروف وصفت بالمليئة بالحيف والضغط والإهانات، فاختار بعضهم تغيير التخصص أو المدينة، فيما فضّل آخرون مغادرة الوطن نهائيًا.
في السياق ذاته، كشفت المعطيات أن عددًا كبيرًا من طلبة الطب، الذين كانت لديهم رغبة صادقة في ولوج هذا التخصص، أصبحوا منذ البداية يفضّلون العدول عنه كليًا أو التوجه إلى مدن أخرى، تفاديًا للمعاناة التي ارتبطت بمصلحة الدار البيضاء، وهو ما يفاقم أزمة استقطاب الكفاءات، إذ لا يتجاوز عدد الأطباء المقيمين النشطين في الحراسة طبيبًا واحدًا فقط، يواجه الحالات المستعجلة للأطفال على مستوى جهة الدار البيضاء– سطات.
ويحذر مهنيون من أن هذه الأزمة لا تنفصل عن أزمة أوسع يعيشها القطاع الصحي الوطني، حيث ما تزال إشكالية تدبير الموارد البشرية قائمة، من خلال غياب توزيع عادل وفعّال بين الجهات، وفشل السياسات العمومية في تحفيز الأطباء على البقاء في تخصصات دقيقة وضرورية. ناهيك عن أن نزيف الكفاءات نحو الخارج يزيد الطين بلّة، إذ يهاجر عشرات الأطباء سنويًا بحثًا عن ظروف أفضل في بلدان أوروبية وخليجية، وهو ما يضع المغرب أمام معضلة حقيقية في ضمان حق مواطنيه في العلاج.
أمام هذا الواقع المقلق، ترتفع أصوات من داخل الوسط الطبي ومن جمعيات المجتمع المدني للمطالبة بتدخل عاجل لإنقاذ مصلحة جراحة الأطفال بالدار البيضاء من الانهيار، عبر معالجة جذرية للأسباب التي تدفع الأطباء إلى الهروب من هذا التخصص، وإعادة الاعتبار لمهنة الطبيب المقيم، وتوفير بيئة مهنية سليمة وآمنة تشجع على الاستمرار. ويطالب هؤلاء، كذلك، بتحفيز الأطباء الشباب وتشجيعهم على ولوج هذا التخصص عبر تحسين ظروف العمل وتوفير الإمكانيات البشرية واللوجستية، باعتبار أن جراحة الأطفال ليست ترفًا وإنما ركيزة أساسية لضمان الحق الدستوري في العلاج، خاصة للأطفال الذين يمثلون الفئة الأكثر هشاشة في المجتمع.





