حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرثقافة وفنفسحة الصيف

أنطونيو ميوتشي.. مخترع فاتهُ قطار التاريخ

ارتبط الهاتف باسم مخترعه الأمريكي ذي الأصل الأسكتلندي «ألكسندر غراهام بيل»، لكن هذه الحقيقة لم تعد الآن محسومة، أو على الأقل ما زالت مثار شك وارتياب. فبعد مرور أزيد من قرن من الزمن عادت المراجع العلمية المختصة إلى قضية العالم الإيطالي أنطونيو ميوتشي، معتبرة إياه صاحب اختراع الهاتف الذي حالت ظروفه المادية المزرية دون تسجيل براءة اختراعه، إن لم تكن هناك ظروف احتيال قد واجهها، ليختفي تماما اسمه من سجلات التاريخ العلمي. أنطونيو ميوتشي Antonio Meucci (1889-1808)، درس الهندسة الكيميائية والميكانيكية والتصميم الفني إلى جانب دراسة الفيزياء، وعمل تقنيا مسرحيا ومصمم ديكور، قبل أن يهاجر إلى كوبا، ثم الولايات المتحدة الأمريكية، حيث حصل على جنسيتها، وكان معروفا بعدة مخترعات، وله صيت كبير بين العلماء يسبقه في كل مكان. ولد أنطونيو ميوتشي في فلورنسا، كانت دراسته متنوعة جمعت بين الدراسة العلمية والفنية والعمل المسرحي، ما جعلته منفتحا على الابتكارات العلمية الجديدة.

 

قصة مريرة لأهم اختراع في العالم

قصة اختراعه للهاتف بدأت في التبلور لديه لما كان في إيطاليا، حيث درس المبادئ الأولى لنقل الصوت كهرومغناطسيا، كانت فكرته الأساسية تكمن في تحويل الذبذبات الصوتية إلى نبضات كهربائية تسمح بنقل الصوت عبر الأسلاك لمسافات طويلة، وكان في حاجة إلى اختراع جهاز يتميز بقدرته على القيام بالانتقال الكهرومغناطيسي لهذه الترددات الصوتية. لكن مرض زوجته التي كانت عاجزة عن الحركة، بسبب إصابتها بالتهاب المفاصل، دفعه إلى الإسراع بإنجازه وتحقيق حلمه، حيث قام بربط سلك من الذبذبات الصوتية من غرفة النوم إلى مختبره، الذي هو عبارة عن كوخ صغير جوار منزله، ليتمكن من التحدث إلى زوجته في فترة غيابه عنها. في عام 1871 تقدم أنطونيو ميوتشي إلى المكتب الأمريكي لبراءة الاختراعات والعلامات التجارية، لكن الطلب غفل عن ذكر أن جهازه له ميزة الانتقال الكهرومغناطيسي من الترددات الصوتية وتحويل الذبذبات الصوتية إلى نبضات كهربائية تمكن من نقل الصوت عبر أسلاك لمسافات طويلة، لأنه لا يملك مبلغ عشرة دولارات أخرى لاستيفاء تسجيل الطلب كاملا، فقد اعتبر هذا التسجيل مجرد تسجيل لبراءة اختراع مبدئية، وبالتالي تحرمه من حقوقه الكاملة في الاختراع. اضطر أنطونيو ميوتشي إلى عرض اختراعه على شركة التلغراف الأمريكية العملاقة «ويسترن يونيون للتلغراف» الشهيرة، من أجل الحصول على الدعم المناسب، مقابل جزء من الأرباح، فطلبت منه الشركة تقديم تصاميمه وأجهزته إلى مختبراتها، دون رد بالموافقة. الغريب في المسألة أن شركة «ويسترن يونيون» أدخلت أنطونيو ميوتشي في مسلسل طويل من المماطلات، حتى قيام ألكسندر غراهام بيل بتوثيق براءة اختراع الهاتف باسمه سنة 1876، غراهام بيل الذي كان يعمل معه في مختبر واحد في الشركة المذكورة.

 

كفاح مستميت واعتراف متأخر

لم يتوقف أنطونيو ميوتشي عن مطالبته بحقوقه، فرفع العديد من القضايا إلى المحاكم رفضت جلها، المحكمة الوحيدة التي اعترفت مبدئيا بوجاهة قضيته لم تستطع أن تصدر حكمها، لأن العالم العبقري وصاحب الاختراع الحقيقي للهاتف كان قد توفي، وهو يتجرع مرارة الفقر ويعيش بفضل معونات أصدقائه وأقربائه، بعد أن فقد زوجته وبيته، ولم يعد يعيش سوى في الكوخ الملحق بالمنزل، الذي كان بالنسبة إليه بمثابة مختبر، لأن المالك الجديد للبيت سمح له بذلك إشفاقا وتكرما منه. لم يواجه غراهام بيل، أنطونيو ميوتشي وحده، بل كان هناك عالم آخر وأحد المخترعين الكبار المهندس إليشا غراي، الذي ادعى تقديم نموذج أولي للهاتف، للحصول على براءة الاختراع، قبل غراهام بيل بساعات. بعد جدل كبير دام عشرين عاما، حكمت المحكمة بسحب براءة الاختراع الصادرة في حق غراهام بيل، لكن «شركة بيل للهاتف» استطاعت الفوز في النهاية، بفضل الطعون المقدمة إلى المحكمة… ولم يتوقف الجدل حول المخترع الحقيقي للهاتف في أغرب قضية اختراع عرفها التاريخ.

أخيرا في يوم 11 يونيو 2002، وبعد مرور أكثر من قرن من الزمن، وبالتحديد بعد 113 سنة أصدر مجلس النواب الأمريكي قرارا تاريخيا وبالإجماع، اعتمادا على المستندات والوثائق القضائية، ويقر فيه بأحقية أنطونيو ميوتشي ببراءة اختراع أول هاتف في التاريخ، معترفا في قراره التاريخي بأن العالم الإيطالي ميوتشي كان قد نشر تفاصيل اختراعه برسوم وتوضيحات في صحيفة محلية أمريكية ناطقة بالإيطالية سنة 1860، كما قدم طلبا مؤقتا للحصول على براءة الاختراع، هو عبارة عن وثيقة تثبت نية تسجيل براءة الاختراع. لكن لم يستطع تجديدها، بسبب عدم توفره على المال الكافي لذلك، ما أدى إلى انتهاء مدتها سنة 1874، مضيفا أن براءة اختراع الهاتف كانت قد منحت لغراهام بيل سنة 1876، هذا الأخير كان يعمل في المختبر الذي وضع فيه أنطونيو ميوتشي معداته الخاصة باختراعه. اتضح بعد ذلك، ومن خلال دراسات وتحقيقات متعددة قام بها باحثون وإعلاميون بارزون، أن ادعاء غراهام بيل بكونه المخترع الأول للهاتف كان مجرد خدعة كبرى، ولم يكن سوى ناقل لأفكار العالم الإيطالي العبقري أنطونيو ميوتشي، ساهمت في ذلك عدة صدف غريبة حالت دون أن ينال الاعتراف الذي كان يستحقه بجدارة كبيرة، وأن فقره وعجزه المادي كان أحد الأسباب المهمة التي لم تمكنه من حماية اختراعه والاستفادة منه.

أعيد الاعتبار إلى أنطونيو ميوتشي، وأقيم له نصب تذكاري جوار ضريحه المقام في بيته، الذي شهد أول استخدام للهاتف في التاريخ. لكن المؤكد أن مع ما تعرض له من ظلم تاريخي كبير في حياته وحتى بعد مماته، فإن هذا الاعتراف المتأخر لن يعوض أبدا فداحة ما عاناه من ألم وتجاهل، بسبب الفقر وسوء الطالع. جعلت منه مخترعا فاته قطار التاريخ.

نافذة:

ادعاء غراهام بيل بكونه المخترع الأول للهاتف كان مجرد خدعة كبرى ولم يكن سوى ناقل لأفكار العالم الإيطالي العبقري أنطونيو ميوتشي ساهمت في ذلك عدة صدف غريبة حالت دون أن ينال الاعتراف الذي كان يستحقه بجدارة كبيرة

 

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى