حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرئيسيةالملف السياسيسياسية

أولويات عمل الحكومة والبرلمان الدفاع عن قضايا الوطن والمواطنين لتحقيق العدالة المجالية والاجتماعية

رسم الملك محمد السادس في الخطاب الذي وجهه، يوم الجمعة الماضي، إلى أعضاء البرلمان بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية الحادية عشرة، خارطة طريق عمل الحكومة والبرلمان في آخر سنة من عمرهما. وأعطى الملك توجيهاته للحكومة والبرلمان من أجل الالتزام بروح الجدية والمسؤولية، لاستكمال المخططات التشريعية، وتنفيذ البرامج والمشاريع المفتوحة، والتحلي باليقظة والالتزام، في الدفاع عن قضايا المواطنين، من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية. وبذلك ستكون أولويات الحكومة والبرلمان، خلال هذه السنة، هي العمل على تنزيل برنامج التنمية المجالية لتقليص الفوارق بين مختلف المناطق، واستكمال تنزيل ورش الحماية الاجتماعية إلى جانب المشاريع الكبرى التي أطلقها المغرب في السنوات الأخيرة.

 

إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي

في صلب تفعيل الدستور.. البرلمان بين التنزيل التشريعي والرقابة على العمل الحكومي

 

منذ اعتماد دستور 2011، شكل البرلمان المغربي أحد الأعمدة الأساسية في ترسيخ البناء الديمقراطي للمملكة، باعتباره مؤسسة دستورية محورية تضطلع بوظائف التشريع والمراقبة والتقييم والتمثيل. ومع تراكم التجارب البرلمانية، خلال العقد الأخير، بات واضحاً أن دور البرلمان في تنزيل مضامين الدستور لا يقتصر على المصادقة على القوانين، بل يتجاوز ذلك إلى ترجمة المبادئ الدستورية إلى واقع مؤسساتي وتشريعي فعلي يعكس تطلعات المغاربة إلى دولة الحق والقانون والمواطنة المسؤولة.

لقد حمل دستور 2011 جملة من المبادئ المتقدمة التي أرست ملامح جديدة للنظام السياسي المغربي، أبرزها فصل السلط وتوازنها وتعاونها، وتعزيز مكانة البرلمان كسلطة تشريعية مستقلة، وتوسيع صلاحياته في مجالات التشريع والمساءلة والتقييم. غير أن هذا التوجه الدستوري لم يكن كافياً في ذاته، إذ بقي رهيناً بمدى قدرة البرلمان على تفعيل هذه المقتضيات عبر التشريع والممارسة.

ومنذ ذلك الحين، انخرطت المؤسسة التشريعية في ورش واسع لإصدار القوانين التنظيمية والمؤطرة لمقتضيات الدستور، مثل القوانين المتعلقة بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، والجهات والجماعات الترابية، وهيئات الحكامة الجيدة والمجتمع المدني، وحق الولوج إلى المعلومة، وغيرها.. إلا أن وتيرة تنزيل بعض النصوص الدستورية ما زالت تعرف تعثراً أو تأخيراً، ما يجعل من هذه السنة التشريعية فرصة لاستكمال هذا الورش المؤسس.

ويضطلع البرلمان، كذلك، بدور جوهري في ملاءمة المنظومة القانونية الوطنية مع المبادئ الدستورية، سواء في ما يتعلق بالحريات والحقوق الأساسية، أو في تنظيم المؤسسات الدستورية الجديدة، أو في تقوية الشفافية والنزاهة في تدبير الشأن العام. وتبرز، في هذا الإطار، أهمية مراجعة بعض القوانين التي تجاوزها الزمن، لتنسجم مع روح الدستور ومتطلبات المرحلة. ومن بين الأدوار الجوهرية، التي أسندها الدستور للبرلمان، تبرز مهمة الرقابة على عمل الحكومة باعتبارها تجسيداً لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة الذي شكل أحد أعمدة الإصلاح الدستوري. فالبرلمان، بمجلسيه، مطالب بممارسة رقابة فعالة ومستمرة على السياسات العمومية، تتجاوز الطابع الشكلي أو المناسباتي، نحو رقابة قائمة على التقييم الموضوعي والنتائج الملموسة.

وتتعدد آليات الرقابة البرلمانية بين الأسئلة الشفوية والكتابية التي توجه للوزراء، ومناقشة البرامج الحكومية وتشكيل لجان لتقصي الحقائق، إضافة إلى مناقشة تقارير المؤسسات الدستورية، مثل المجلس الأعلى للحسابات والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. فضلا عن أن جلسات المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة تشكل مناسبة أساسية لتقييم الأداء التنفيذي العام ومساءلته عن التوجهات الاستراتيجية والسياسات القطاعية، لكن الملاحظ أن الرقابة البرلمانية ما زالت في حاجة إلى تطوير آلياتها ومناهجها لتتحول من مجرد تتبع للأحداث إلى مراقبة قائمة على المعطيات، والمؤشرات، والتقييم الكمي والكيفي للنتائج. فنجاعة الرقابة ترتبط بمدى امتلاك البرلمان للأدوات المعرفية والمعلوماتية التي تمكنه من ممارسة دوره بفعالية، بعيداً عن الطابع السياسي الضيق.

ورغم التقدم المؤسساتي، الذي حققه البرلمان المغربي في العقد الأخير، إلا أن الواقع العملي يكشف استمرار عدد من الإكراهات التي تحد من فعالية دوره في تنزيل الدستور ومراقبة العمل الحكومي. فمن جهة، تداخل الأجندة الحكومية والبرلمانية يؤدي أحياناً إلى بطء في المصادقة على مشاريع القوانين ذات الطابع الاستراتيجي، ومن جهة ثانية، ما تزال محدودية الإمكانيات التقنية والبشرية للجان البرلمانية المتخصصة تشكل عائقاً أمام التقييم المعمق للسياسات العمومية.

بدوره يضعف الطابع السياسي للنقاشات البرلمانية وغياب التنسيق الكافي بين الأغلبية والمعارضة، في بعض الملفات، أحياناً، من صورة المؤسسة لدى الرأي العام، الذي ينتظر من البرلمان أداءً يتجاوز الصراع الحزبي نحو بلورة حلول تشريعية ومقترحات عملية تستجيب لانتظارات المواطنين.

ضمن مقتضيات الدستور الجديد، برز مفهوم الدبلوماسية البرلمانية كأحد المجالات المكملة لدور البرلمان، ليس فقط في تعزيز إشعاع المغرب الخارجي، ولكن أيضاً في مواكبة تنزيل المبادئ الدستورية المتعلقة بالانفتاح والتعاون الدولي.
ويعزز الحضور البرلماني المغربي في المحافل الدولية هذا الدور، من خلال الدفاع عن القضايا الوطنية وفي مقدمتها قضية الوحدة الترابية، والمشاركة في النقاشات الدولية حول الديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية المستدامة.

ومن شأن هذه الدينامية أن تدعم التموقع الدستوري للمغرب كفاعل إقليمي ودولي، وتكرس صورة البرلمان كقوة اقتراحية تساهم في ترسيخ الدبلوماسية متعددة الأبعاد التي تنهجها المملكة.

يبقى الرهان الأكبر أمام البرلمان اليوم استرجاع ثقة المواطن في العمل السياسي والمؤسساتي، فتنزيل الدستور لا يقاس بعدد القوانين المصادق عليها فقط، بل بمدى انعكاسها على حياة الناس وقدرتها على تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية.
وهذا ما يجعل المؤسسة التشريعية مطالبة بتعزيز الشفافية والتواصل العمومي حول أعمالها، وتطوير آليات الاستماع والتفاعل مع المجتمع المدني والفاعلين المحليين، علما أن تفعيل وظيفة تقييم السياسات العمومية، المنصوص عليها في الدستور، يشكل خطوة متقدمة في سبيل ترسيخ الحكامة والمساءلة، ويمنح البرلمان دوراً محورياً في ضمان استدامة الإصلاحات ومطابقتها للمصلحة العامة.

انتظارات ثقيلة على عاتق البرلمان في آخر سنة تشريعية

 

مع افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان، والتي تشكل آخر سنة تشريعية في عمر الولاية الحكومية الحالية، تتجه الأنظار نحو المؤسسة التشريعية وهي تواجه مرحلة دقيقة ومفصلية. فالسنة الأخيرة ليست مجرد محطة بروتوكولية، بل تمثل لحظة محاسبة سياسية وتشريعية بامتياز، تطرح خلالها أسئلة جوهرية حول حصيلة الأداء التشريعي والرقابي، ومدى قدرة البرلمان على الارتقاء إلى مستوى الانتظارات الوطنية والدولية.

وفي ظل التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي تشهدها المملكة، يصبح البرلمان مطالباً بأداء مضاعف في ثلاثة محاور أساسية: الوظيفة التشريعية، الرقابة على العمل الحكومي، والديبلوماسية البرلمانية التي تزايد وزنها في السنوات الأخيرة في رسم صورة المغرب في الخارج والدفاع عن مصالحه العليا.

من بين أبرز الملفات الثقيلة التي تنتظر المؤسسة التشريعية، استكمال مسار المصادقة على عدد من القوانين التنظيمية والمهيكلة ذات الطابع الاستراتيجي، خاصة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بالنموذج التنموي الجديد، وإصلاح المنظومة الصحية، وتحديث الإدارة العمومية، وتعزيز الحكامة الترابية، كما ينتظر أن تعرف هذه السنة تسريعاً للمساطر التشريعية المرتبطة بالقوانين ذات البعد الاجتماعي، خاصة تلك المتعلقة بالحماية الاجتماعية، والعدالة المجالية، وتحسين مناخ الاستثمار.

البرلمان مطالب أيضاً بإخراج بعض النصوص القانونية التي ظلت حبيسة النقاش لسنوات، سواء بسبب التعقيدات السياسية أو التقنية، من بينها قوانين تهم تنظيم الإضراب، وإصلاح النظام الجبائي، وتعديل القانون الجنائي، وهي ملفات تشكل مؤشراً حقيقياً على مدى نجاعة العمل التشريعي في نهاية الولايةـ غير أنه إذا كانت الحكومة تمتلك المبادرة التشريعية في جزء مهم من القوانين، فإن البرلمان أمام مسؤولية سياسية في الدفع نحو مناقشة هذه النصوص بشكل جدي وعميق، بعيداً عن منطق الحسابات الضيقة أو منطق الزمن السياسي القصير.

في المقابل، تمثل الرقابة البرلمانية على العمل الحكومي أحد المرتكزات الأساسية للديمقراطية التمثيلية، وهي وظيفة لا تقل أهمية عن التشريع. فخلال السنة التشريعية الأخيرة، ينتظر أن يتعزز هذا الدور بشكل أكبر، بالنظر إلى كونها لحظة تقييم حصيلة الحكومة ورصد اختلالات التنفيذ.

ويملك البرلمان أدوات رقابية متعددة، من ضمنها الأسئلة الشفوية والكتابية، ولجان تقصي الحقائق، والجلسات الشهرية الخاصة برئيس الحكومة، فضلاً عن إمكانية تفعيل مساطر دستورية قوية كالملتمس الرقابي أو سحب الثقة. لكن الإشكال لا يكمن في توفر الآليات، بل في مدى توظيفها بفعالية وجرأة.

خلال السنوات الأخيرة، لوحظ نوع من التراجع في حدة النقاشات البرلمانية وضعف في المتابعة الدقيقة لبرامج الحكومة، ما جعل بعض الملفات الاجتماعية الحساسة تمر دون محاسبة سياسية حقيقية. ومع اقتراب نهاية الولاية، ينتظر الرأي العام أن يكون البرلمان في مستوى اللحظة السياسية، من خلال رقابة أكثر صرامة ووضوحاً، تعيد الاعتبار لدوره كسلطة دستورية قائمة بذاتها، وليست مجرد غرفة للمصادقة الشكلية.

على المستوى الخارجي، ازدادت أهمية الدبلوماسية البرلمانية بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، في ظل تنامي التحديات الجيوسياسية التي يواجهها المغرب، خصوصاً في ما يتعلق بقضية الوحدة الترابية، وتعزيز الشراكات مع بلدان الجنوب، والدفاع عن المصالح الاستراتيجية للمملكة في المحافل الدولية.

وتنتظر المؤسسة التشريعية في هذه السنة أدواراً حاسمة في تقوية حضورها في المنتديات الدولية، وتطوير أدوات التأثير السياسي والدبلوماسي، عبر تفعيل الدبلوماسية الموازية وتعزيز التنسيق مع الدبلوماسية الرسمية، كما يشكل ملف الصحراء المغربية محوراً مركزياً لهذه الجهود، حيث يُنتظر من البرلمانيين، سواء داخل مجموعات الصداقة أو في المنظمات البرلمانية الإقليمية والدولية، أن ينخرطوا بقوة في الدفاع عن الموقف المغربي، والتصدي للمناورات التي تستهدفه.

إضافة إلى ذلك، يمكن للدبلوماسية البرلمانية أن تساهم في فتح آفاق جديدة للتعاون الاقتصادي والعلمي والثقافي، خصوصاً مع الفاعلين البرلمانيين في إفريقيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا. ومن شأن هذا الانفتاح أن يعزز تموقع المغرب كفاعل إقليمي مؤثر، وأن يمنح البرلمان دوراً أكبر في خدمة المصالح العليا للبلاد.

تكتسي السنة التشريعية الأخيرة دائماً طابعاً خاصاً، لأنها تمثل لحظة جرد للحصيلة ومحطة لتقييم الأداء، سواء بالنسبة للحكومة أو للبرلمان نفسه. وبقدر ما تكون هذه الفترة مناسبة للإسراع في استكمال ما تبقى من التزامات تشريعية، فإنها أيضاً لحظة للمساءلة والمحاسبة السياسية أمام الرأي العام.

كما أن هذه المرحلة غالباً ما تشهد نوعاً من الحركية المرتفعة داخل المؤسسة التشريعية، سواء من حيث النقاش السياسي أو من حيث محاولة بعض الفرق البرلمانية إبراز حضورها قبل الاستحقاقات الانتخابية المقبلة. وهو ما يجعل من الضروري تفادي تحويل البرلمان إلى منصة للمزايدات السياسية، والتركيز بدل ذلك على الجوهر التشريعي والرقابي، ولا يمكن تجاهل أن البرلمان المغربي يواجه تحدياً كبيراً يتعلق بمدى استعادة ثقة المواطنين في العمل السياسي والمؤسساتي. فضعف الحضور في الجلسات، وتراجع مستوى النقاش العمومي داخل المؤسسة، وغياب الفعالية في تتبع تنفيذ القوانين، كلها عوامل ساهمت في إضعاف صورته لدى الرأي العام.

وفي هذا السياق، فإن السنة التشريعية الأخيرة تمثل فرصة حقيقية لتصحيح هذا المسار، من خلال إعلاء المصلحة العامة على الحسابات السياسية الضيقة، وإعطاء الأولوية للملفات التي تمس حياة المواطن مباشرة، وتفعيل كل الآليات الرقابية الممكنة لإضفاء جدية ووزن على العمل البرلماني.

أحزاب سياسية تثمن عاليا مضامين الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح البرلمان

 

ثمنت عدد من الأحزاب السياسية مضامين الخطاب السامي الذي وجهه الملك محمد السادس، يوم الجمعة الماضي، بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية الحادية عشرة.

وأجمعت هذه الأحزاب على أن الخطاب الملكي يشكل خارطة طريق واضحة، من أجل تسريع جهود التنمية بما يحقق العدالة المجالية، سيما في مناطق الجبال والواحات، وكذا بما يعود بالنفع على المواطنين.

وهكذا، أكد حزب التجمع الوطني للأحرار على «دقة التوجهات الاستراتيجية التي رسمها جلالة الملك في القضايا والتحديات التي تهم تسريع وتيرة التنمية ببلادنا، خاصة من خلال تجديد تأكيد جلالته، على أهمية تنزيل جيل جديد من برامج التنمية الترابية، باعتبارها قضايا كبرى تتجاوز الزمن الحكومي».

وأضاف الحزب في بلاغ أن الحكومة «تعكف على إعداد هذه البرامج لتضمينها في قانون المالية لسنة 2026، والتي من شأنها إحداث نقلة حقيقية في المسار المتواصل لبناء المغرب الصاعد والمتضامن، وذلك من خلال تكريس العدالة المجالية، والعناية بالمناطق الأكثر هشاشة، سيما مناطق الجبال والواحات، دون إغفال الاهتمام بالساحل، من خلال التفعيل الأمثل لآليات التنمية المستدامة للسواحل الوطنية».

وبعدما نوه بدعوة الملك إلى أهمية إيلاء عناية خاصة لتأطير المواطنين، والتعريف بالمبادرات التي تتخذها السلطات العمومية، أكد التجمع الوطني للأحرار انخراطه المتواصل في تأدية أدواره الدستورية المتمثلة في تأطير المواطنين والإنصات والتفاعل مع انتظاراتهم، إضافة إلى عمله الجاد والمتواصل للارتقاء بالدبلوماسية الحزبية والبرلمانية، خدمة للقضايا العليا للبلاد، وفي مقدمتها قضية الصحراء المغربية.

من جانبه، عبر حزب الأصالة والمعاصرة عن اعتزازه العميق بالمضامين القوية والتوجيهات الاستراتيجية التي حملها الخطاب الملكي السامي، مؤكدا أن الحزب يعتبر الخطاب الملكي بمثابة خارطة طريق واضحة نحو تنمية وطنية شاملة.

وأفاد بلاغ صادر عن المكتب السياسي للحزب بأنه تابع بتركيز واهتمام كبيرين مضمون الخطاب الملكي السامي الذي وجهه الملك محمد السادس بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الحالية، والذي كان أساسه المتين هو المسؤولية الجماعية في بناء المغرب الصاعد، وأن العدالة الاجتماعية والمجالية خيار استراتيجي لا رجعة فيه، وليست جوابا محدودا عن ظرفية اجتماعية أو سياسية معينة.

وثمن المكتب السياسي لحزب «البام» مضمون الخطاب الملكي، مؤكدا أنه بقدر ما جاء لتعزيز الثقة في المؤسسات الدستورية، بقدر ما يحمل لللأحزاب المسؤولية الكبيرة في القيام بكامل أدوارها والوفاء بالأمانة المنوطة بها، معتبرا أن الإشادة بالدبلوماسية البرلمانية والموازية والرسمية دافع للمزيد من الاجتهاد واليقظة في الدفاع عن قضية الصحراء المغربية وباقي قضايا الوطن.

ويقدر حزب الأصالة والمعاصرة عاليا تأكيد الملك على أن الأوراش والمشاريع الكبرى لا تتناقض مع المشاريع الاجتماعية، بل يجب أن تكملها ما دام هدف الجميع هو التنمية، وعبر عن اعتزاز جميع مكونات الحزب بتأكيد الملك على أن التأطير والتواصل مع المواطنات والمواطنين مسؤولية الجميع وليس الحكومة والبرلمان فقط، مسؤولية المنتخبين والأحزاب والمجتمع المدني والإعلام وكل القوى الحية للأمة التي عليها مسؤولية وطنية في التواصل مع جميع مكونات المجتمع، سيما تعريفه بالمبادرات التي تقوم بها السلطات العمومية حول مختلف القوانين والقرارات بما فيها التي تهم حقوق وحريات المواطنين.

وأشاد حزب «الجرار» بتوجيهات الملك في اعتبار العدالة المجالية والترابية من القضايا الكبرى للوطن، والتي يجب أن تضمن استفادة الجميع من ثمار النمو وبناء مغرب موحد يضمن تكافؤ الفرص في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، كما ثمن دعوة الملك إلى محاربة كل الممارسات التي تضيع الوقت والجهد، خاصة في الاستثمار العمومي، ودعا كل مسؤولي الحزب من مختلف مواقعهم إلى التسريع بإخراج المشاريع المبرمجة في أقرب الآجال وتفعيل لجان التتبع والمراقبة.

وعبر الحزب عن تقديره الكبير لتوجيهات الملك نحو تسريع جيل جديد من برامج التنمية الترابية، معلنا انخراطه في كل المبادرات الوطنية والمحلية الهادفة إلى تأهيل قطاعي الصحة والتعليم، وتشجيع المشاريع الاقتصادية التي تساعد على خلق فرص الشغل وعلى تأهيل المجال الترابي، كما عبر عن انخراط الحزب الكامل في المداخل الأربعة للرؤية الملكية في تنزيل التنمية الحقة المبنية على تغيير العقليات، تجديد طرق العمل، ترسيخ ثقافة النتائج، والاستثمار الأمثل للتكنولوجيات الرقمية.

وأعلن المكتب السياسي أن حزب الأصالة والمعاصرة حريص على تعبئة كل طاقاته لمواجهة هذه التحديات، والاستمرار في تعبئة استثنائية لمختلف هياكله وبرلمانييه، منتخبيه ومناضلاته ومناضليه بمختلف الأقاليم للتحلي أكثر بمبادئ نكران الذات، والمزيد من التخليق كي نكون في مستوى اللحظة والثقة ومستوى الأمانة الوطنية، وجدد الحزب تعبيره عن تفهمه للمطالب المشروعة التي عبرت عنها الحركة الشبابية، وعن استعداده للمساهمة في إيجاد أنجع السبل للاستجابة لهذه المطالب.

الخطاب الملكي دعوة إلى مضاعفة الجهود خلال هذه السنة التشريعية

 

قال محمد ولد الرشيد، رئيس مجلس المستشارين، إن الخطاب السامي الذي وجهه الملك محمد السادس، يوم الجمعة الماضي، إلى أعضاء البرلمان بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية الحادية عشرة، يشكل توجيها ملكيا واضحا، يرسم معالم المرحلة المقبلة، ويدعو إلى مضاعفة الجهود بروح من الجدية والمسؤولية خلال السنة التشريعية من هذه الولاية.

وأكد ولد الرشيد في تصريح للصحافة بهذه المناسبة، أن الملك شدد في هذا الخطاب على أهمية تسريع وتيرة إنجاز المشاريع المهيكلة والبرامج الاجتماعية، وعلى ضرورة تحقيق التكامل بين مختلف الأوراش التنموية، لأن «الهدف الأسمى هو تنمية البلاد، وتحسين ظروف عيش المواطن المغربي في جميع جهات المملكة».

وأبرز أن الملك، أكد في هذا الخطاب على البعد الاجتماعي والإنساني في العمل العمومي، من خلال دعوة جميع المؤسسات، حكومة وبرلمان، أغلبية ومعارضة، إلى الانخراط الفعلي في الدفاع عن القضايا الكبرى للوطن، والعمل على ترسيخ العدالة الاجتماعية والمجالية، وتسريع مسيرة المغرب الصاعد نحو تنمية مستدامة.

وأكد في هذا السياق أن مجلس المستشارين سيجعل من التوجيهات الملكية السامية الواردة في هذا الخطاب خارطة طريق لعمله خلال هذه السنة التشريعية، سواء في «مجال التشريع أو في مراقبة العمل الحكومي أو في تقييم السياسات العمومية».

وأضاف أن المجلس سيواصل تعزيز حضوره في مختلف المحافل الإقليمية والدولية، من خلال دبلوماسية برلمانية مسؤولة تنبني على روح الاجتهاد والفاعلية، تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية، من أجل خدمة القضايا العليا للوطن وفي مقدمتها قضية الوحدة الترابية للمملكة، وبما «يرسخ صورة المغرب الصاعد والمتضامن على المستويين الإقليمي والدولي».

وبدوره، أكد راشيد الطالبي العلمي، رئيس مجلس النواب، أن الخطاب السامي تضمن توجيهات سامية تروم تعزيز روح المسؤولية المشتركة لدى مختلف المؤسسات، من أجل المضي قدما في مسار التنمية الشاملة والمستدامة، وأوضح في تصريح للصحافة أن الخطاب الملكي تطرق إلى مجموعة من القضايا الأساسية، في مقدمتها الدعوة إلى التحام مكونات البرلمان، أغلبية ومعارضة، حول القضايا الكبرى للوطن والاستراتيجيات الوطنية المهيكلة.

وأضاف أن الملك شدد على أنه «لا ينبغي أن يكون هناك تناقض أو تنافس بين المشاريع الوطنية الكبرى والبرامج الاجتماعية»، بل يجب، يقول الطالبي العلمي، أن يشتغلا جنبا إلى جنب لتشكيل صورة متكاملة للتنمية المستدامة، وفق الرؤية الملكية السديدة.

وأكد رئيس مجلس النواب أن مسؤولية الحكومة والبرلمان، بمختلف مكوناتهما،  «تقتضي الرفع من درجة الوعي والاشتغال الجاد، من أجل الدفع بالمغرب إلى الأمام، مع ضرورة تجنب هدر الزمن السياسي والإمكانيات».

كما أبرز أن الملك أولى في خطابه اهتماما خاصا بالتنمية المجالية، سيما في العالم القروي والمناطق النائية، التي دعا الملك إلى تمكينها من نصيبها الكامل من ثمار التنمية، مبرزا أهمية تسريع وتيرة تنفيذ الأوراش المبرمجة خلال ما تبقى من السنة التشريعية.

برامج التنمية المجالية أولوية برلمانية وحكومية

 

 

أكد الملك محمد السادس في الخطاب الذي وجهه إلى أعضاء البرلمان بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية الحادية عشرة، على مجموعة من النقاط الأساسية، أبرزها تسريع البرامج الجديدة، وإطلاق جيل جديد من المبادرات التنموية، والتركيز على العدالة المجالية ومحاربة الفوارق الاجتماعية، خاصة بالنسبة للشباب والفئات الأكثر هشاشة.

وكان وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، قد وجه دورية إلى ولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم، من أجل الإسراع بتنزيل التوجيهات الملكية الواردة في خطاب العرش الأخير، خاصة في المحور المتعلق بإعداد جيل جديد من برامج التنمية المجالية المندمجة القائمة على تعزيز الخصوصيات المحلية.

وأوضح وزير الداخلية في مراسلته أنه بمناسبة خطاب العرش بتاريخ 29 يوليوز 2025، أعطى الملك محمد السادس توجيهاته السامية لإعداد جيل جديد من برامج التنمية المجالية المندمجة، القائمة على تعزيز الخصوصيات المحلية، وترسيخ الجهوية المتقدمة، ومبادئ التكامل والتضامن بين الكيانات الترابية، بهدف ضمان وصول كل مواطن إلى ثمار التنمية بشكل عادل.

وأكد لفتيت أن هذه البرامج، تأتي في سياق استمرار الإصلاحات والمبادرات التي تم إطلاقها تحت القيادة الملكية، ساهمت في تعزيز البنية التحتية، وتقليل التفاوتات المجالية، وتحسين ظروف العيش، ومع ذلك، وكما أشار الملك في خطابه، فإن بعض المناطق لم تستفد بشكل كامل من ثمار هذه الدينامية، مما يستدعي إعادة توجيه مقاربات التنمية المجالية نحو تدخلات أكثر استهدافًا، واستباقية، وذات تأثير محلي قوي، وفي هذا الاطار، طالب وزير الداخلية من الولاة والعمال التحرك بسرعة وكفاءة لضمان نجاح هذا المشروع الملكي، بالتنسيق مع الفاعلين المحليين المعنيين.

وتتلخص المحاور الرئيسية للبرامج في تعزيز التشغيل من خلال تحديد المشاريع والأنشطة التي تستفيد من الإمكانيات الاقتصادية المحلية وخصوصيات كل منطقة، لخلق مناخ ملائم لريادة الأعمال والاستثمار المحلي، وخاصة في القطاعات الإنتاجية، وتحسين الخدمات الاجتماعية الأساسية، مثل التعليم والصحة، لضمان الكرامة والعدالة المجالية وتقليل التفاوتات المجالية، بالإضافة إلى الإدارة المستدامة للموارد المائية في ظل التغيرات المناخية وندرة المياه، وكذلك التأهيل المجالي المندمج، بما يتماشى مع المشاريع الكبرى الجارية على المستوى الوطني.

وأعطى وزير الداخلية توجيهات للولاة والعمال بخصوص منهجية العمل لإعداد هذه البرامج، وذلك من خلال عقد اجتماعات تشاورية مع الفاعلين المحليين (منتخبين، مصالح خارجية، جمعيات، قطاع خاص، جامعات…) لضمان التزام الجميع، ووضع خطط على مستوى العمالات والأقاليم، باعتبارها الإطار الأمثل لضمان التنسيق وتوزيع الموارد بكفاءة، كما حث وزير الداخلية على ضرورة التركيز على الأولويات، وذلك بناءً على تشخيص دقيق للاحتياجات والإمكانيات المحلية.

وشدد الوزير على ضرورة انسجام البرامج مع التوجيهات الملكية والنموذج التنموي الجديد، وحذر من استغلال هذه البرامج لأغراض سياسية ضيقة، وبخصوص النتائج المتوقعة من هذه البرامج، تحدثت المراسلة عن تحسين مؤشرات التنمية البشرية، وتقليل الفوارق المجالية، وتعزيز جاذبية المناطق وقدرتها التنافسية، وخلق فرص عمل مستدامة.

وأفادت المذكرة التوجيهية لمشروع قانون المالية لسنة 2026، التي وجهها رئيس الحكومة إلى القطاعات الوزارية، بأن هذا المشروع يضع تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية في صلب أولوياته.

وأوضحت المذكرة أن “مشروع قانون المالية لسنة 2026 يشكل مرحلة حاسمة في إعادة التأهيل الشاملة للمجالات الترابية وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، من خلال الانتقال من المقاربات التقليدية للتنمية الاجتماعية نحو نهج مندمج للتنمية الترابية، بما يضمن لكل مواطن الولوج العادل إلى ثمار التقدم والتنمية على الصعيد الوطني، دون أي تمييز أو إقصاء”.

وأضاف المصدر ذاته أنه، من هذا المنطلق، ستلتزم الحكومة بإطلاق جيل جديد من برامج التنمية الترابية، يرتكز على تثمين الخصوصيات المحلية، وتكريس الجهوية المتقدمة، ومبدأ التكامل والتضامن بين المجالات الترابية، وذلك عبر توحيد جهود مختلف الفاعلين حول أولويات واضحة ومشاريع ذات أثر ملموس.

ومن بين الأولويات المحددة، دعم التشغيل من خلال تثمين المؤهلات الاقتصادية الجهوية وتهيئة بيئة ملائمة للمبادرة والاستثمار المحلي، وتعزيز الخدمات الاجتماعية الأساسية، سيما في قطاعي التعليم والصحة، بما يحفظ كرامة المواطنين ويحقق عدالة مجالية منصفة.

كما ينص المشروع على اعتماد تدبير استباقي ومستدام للموارد المائية، في ظل تفاقم الإجهاد المائي والتحديات المرتبطة بالتغير المناخي، فضلا عن إطلاق مشاريع تهيئة ترابية مندمجة، في انسجام تام مع الأوراش الوطنية الكبرى الجارية، من بينها دخول سدين كبيرين جديدين حيز الخدمة سنة 2026، ومواصلة الربط بين الأحواض المائية، وتسريع تنزيل خارطة الطريق الوطنية لتحلية مياه البحر، بهدف بلوغ قدرة إنتاجية تناهز 1,7 مليار متر مكعب سنويا في أفق 2030، لتغطية أزيد من نصف الحاجيات الوطنية من الماء الشروب والري الاستراتيجي.

وتنطلق هذه الدينامية من المدرسة، حيث يشكل برنامج “مدارس الريادة”، الذي تم تعميمه منذ الموسم الدراسي 2024-2025 ويستهدف نحو 1,3 مليون تلميذة وتلميذ في أكثر من 2.600 مؤسسة تعليمية، أحد محاور الإصلاح الأساسية، إلى جانب “مدارس الفرصة الثانية” التي تروم إحداث 400 مركز في أفق 2030 لمكافحة الهدر المدرسي.

أما التكوين المهني، فقد أصبح حلقة وصل أساسية بين المنظومة التعليمية وسوق الشغل، حيث مكن الإصلاح الذي شهده القطاع من رفع عدد المستفيدين بنسبة 17 في المائة خلال الموسم الدراسي 2024-2025، مدعوما بافتتاح ثلاث مدن جديدة للمهن والكفاءات، ليبلغ عدد هذه المدن سبع.

وفي ما يتعلق بالتعليم العالي، فقد عزز هذا القطاع استجابته لأولويات المملكة الاقتصادية والتكنولوجية، من خلال تفعيل المخطط الوطني لتسريع تحول منظومة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار (PACTE ESRI 2030)، الذي يهدف إلى تطوير البحث العلمي، وتشجيع الابتكار، وتكوين الكفاءات الرقمية التي يحتاجها المغرب.

ويعد التشغيل نقطة التقاء بين سياسات الإدماج والاستثمار وتنمية الرأسمال البشري، ومحركا رئيسيا لإنعاش الاقتصاد الوطني، حيث تبنى المغرب خارطة طريق للتشغيل في أفق 2030 تهدف إلى خفض معدل البطالة إلى 9 في المائة، في حال عودة التساقطات المطرية إلى مستوياتها الطبيعية، وترتكز على ثماني مبادرات مهيكلة تتمحور حول الإدماج وتنمية المهارات ودعم الاستثمار.

كما يشهد عرض الصحة العمومية تحولا مهما، من خلال استكمال تأهيل 1.400 مؤسسة للعلاجات الصحية الأولية في أفق 2026، تم إنجاز 949 منها، إلى جانب دخول مركزين استشفائيين جامعيين جديدين بأكادير والعيون حيز الخدمة خلال السنة الجارية.

ويتجه النظام الصحي نحو مزيد من القرب من خلال إحداث التجمعات الصحية الترابية، التي تهدف إلى توحيد تدبير العرض الصحي على المستوى الجهوي وتقريب الخدمات الطبية من الساكنة، حيث تم اختيار جهة طنجة–تطوان–الحسيمة كنموذج أولي لتفعيل هذا النظام. كما يتم تعزيز فعالية المنظومة باعتماد النظام المعلوماتي الاستشفائي والملف الطبي المشترك، وتحسين تدبير الموارد البشرية، بهدف بلوغ معدل 45 مهنيا صحيا لكل 10.000 نسمة بحلول 2030.

وأبرزت المذكرة أن هذه السياسات والمشاريع المهيكلة تجسد رؤية متجددة تجعل من الاستثمار ليس فقط محركا للنمو، بل أيضا رافعة أساسية لإعادة التأهيل الشامل للمجالات الترابية وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، بما يمكن المغرب من إرساء أسس نموذج تنموي أكثر شمولية وصلابة وسيادة.

 

ثلاثة أسئلة

عبد الحفيظ أدمينو*

 

«الملك دعا إلى تعبئة وطنية جماعية من أجل عدالة مجالية وتنمية متوازنة»

 

– كيف تقرؤون دعوة الملك محمد السادس البرلمان إلى إنهاء الولاية الحالية بروح المسؤولية واستكمال المشاريع التشريعية المفتوحة؟

في خطابه أمام أعضاء مجلسي البرلمان، بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الجديدة، دعا الملك محمد السادس إلى استكمال الأوراش التشريعية المفتوحة بروح المسؤولية، وتسريع وتيرة تنزيل برامج التنمية وتحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية، مع تركيز الجهود على تنمية المناطق الجبلية والساحلية.

وحول دلالات هذا الخطاب واتجاهاته الكبرى، يتبين أن الخطاب الملكي جاء في لحظة دقيقة من عمر التجربة البرلمانية الحالية، فهو يؤطر السنة الختامية للولاية التشريعية، ويضعها تحت شعار النجاعة والمسؤولية الجماعية. فعندما يؤكد الملك على «مرحلة العطاء الفعلي واستثمار التجربة المكتسبة لخدمة الصالح العام»، فهو يوجه رسائل واضحة إلى الفرق البرلمانية، مفادها أن التقييم الحقيقي للعمل التشريعي لا يُقاس بعدد النصوص المصادق عليها، بل بمدى أثرها على حياة المواطنين.

هذا الخطاب يدعو المؤسسة التشريعية إلى الانتقال من منطق الحصيلة الرقمية إلى منطق الجودة التشريعية. فخلال السنوات الماضية، شهدنا زخماً في إنتاج القوانين، لكن بعضها ظل دون الأثر المنتظر بسبب ضعف التنزيل أو تعارض الأولويات. لذلك فالملك يحث اليوم على استكمال المشاريع ذات البعد الإصلاحي المهيكل، سواء في مجالات الاستثمار، الحماية الاجتماعية، العدالة المجالية أو إصلاح المرفق العام.

الإشارة الملكية إلى ضرورة اليقظة في الدفاع عن القضايا الوطنية والمواطنين، بدورها، تضع البرلمان أمام مسؤولية مضاعفة في مجال الدبلوماسية البرلمانية. فالأمر لا يقتصر على التشريع والرقابة، بل يمتد إلى تمثيل المصالح العليا للمغرب في المحافل الدولية، بالتكامل مع الدبلوماسية الرسمية التي يقودها الملك. هذه الرؤية تكرس مبدأ «وحدة الموقف الوطني وتعدد واجهات الدفاع عنه»، وهي من أبرز ملامح تحديث العمل البرلماني المغربي.

إلى جانب ذلك لا بد من الإشارة إلى أن الملك أعاد التذكير بمفهوم «المسؤولية الجماعية»، بحيث لا يمكن للحكومة وحدها أن تتحمل عبء الإصلاح، بل يشترك معها البرلمان، والأحزاب والنقابات، والمجتمع المدني والإعلام، في بناء الوعي المواطني وتأطير النقاش العمومي حول السياسات العمومية.

 

2-  الخطاب الملكي توقف مطولاً عند مسألة العدالة الاجتماعية والمجالية، واعتبرها رهاناً مصيرياً وليست شعاراً ظرفياً. كيف تفسرون هذا التوجه؟
الحديث عن العدالة الاجتماعية لم يعد في المغرب مجرد إعلان نوايا، بل أصبح توجهاً استراتيجياً يؤطر جميع السياسات العمومية. ما يميز هذا الخطاب أنه ينقل النقاش من البعد النظري إلى البعد العملي والقياسي، أي ربط التنمية بالنتائج الملموسة على الأرض. فحين يقول الملك إن «مستوى التنمية المحلية هو المرآة الصادقة التي تعكس مدى تقدم المغرب الصاعد والمتضامن»، فهو يقر بأن الجهوية المتقدمة واللاتمركز الإداري يجب أن يتحولا إلى أدوات فعلية لتحقيق العدالة المجالية.

الخطاب الملكي يوجه رسالة قوية إلى الحكومة والمنتخبين، مضمونها أن الزمن التنموي يجب ألا يخضع للتقلبات السياسية أو التناوب الحزبي، بل أن يستمر كمسار وطني متكامل يتجاوز حدود الولاية الحكومية أو البرلمانية. هذه الفلسفة تتقاطع مع الرؤية الملكية التي تحدثت عن «جيل جديد من المبادرات التنموية الطموحة التي تتجاوز الزمن الحكومي والبرلماني».

ثم إن الملك شدد على ضرورة تغيير العقليات وأساليب العمل، وهي عبارة جوهرية في الخطاب، لأنها تعني أن التحدي لم يعد فقط في تعبئة الموارد، بل في إصلاح المنهج الإداري والثقافة التدبيرية. المغرب اليوم يحتاج إلى مقاربة تنموية مبنية على ثقافة النتائج والشفافية والمساءلة، وعلى توظيف التكنولوجيا الرقمية من أجل متابعة البرامج والمشاريع العمومية بدقة ونجاعة.

ولا يمكن، كذلك، فصل العدالة الاجتماعية عن المشروع الملكي للحماية الاجتماعية الذي دخل مرحلة التنفيذ الفعلي. فإدماج ملايين المغاربة في منظومة التأمين الصحي والتقاعد والمساعدات الاجتماعية ليس مجرد إجراء اجتماعي، بل رافعة حقيقية لإعادة توزيع الثروة الوطنية وضمان تكافؤ الفرص. من هنا نفهم أن العدالة الاجتماعية ليست مجرد قيمة أخلاقية، بل شرط من شروط التنمية المستدامة، التي تربط بين النمو الاقتصادي والإنصاف الاجتماعي.

 

– ركز الملك محمد السادس على ضرورة تنمية المناطق الجبلية والساحلية وتوسيع المراكز القروية، كيف تمكن ترجمة هذه التوجيهات إلى سياسات عملية؟
هذا المحور من الخطاب الملكي يُعد من أكثر الجوانب عمقاً في الرؤية التنموية للمغرب. فعندما يتحدث الملك عن المناطق الجبلية والساحلية، فهو يلفت الانتباه إلى «الهامش الجغرافي» الذي ظل يعاني من ضعف البنيات التحتية وتشتت الاستثمارات. أكثر من 30 في المئة من التراب الوطني مناطق جبلية، ومع ذلك ما زال إسهامها في الناتج الداخلي محدوداً. لذلك دعا الملك إلى تبني سياسة عمومية مندمجة تستثمر في مؤهلات هذه الجهات، سواء في الزراعة الجبلية، السياحة الإيكولوجية أو الطاقات المتجددة.

أما في ما يتعلق بالسواحل، فكانت الإشارة الملكية إلى تفعيل مخطط الساحل والقانون المتعلق به ذات دلالتين: الأولى بيئية، لأن السواحل تواجه ضغطاً عمرانياً وتلوثاً متزايداً؛ والثانية اقتصادية، لأنها تمثل مصدراً استراتيجياً للثروة الوطنية من خلال الاقتصاد البحري، والصيد، والموانئ والنقل البحري. المغرب يمتلك أكثر من 3500 كيلومتر من السواحل، وهو مؤهل ليصبح قوة بحرية وتجارية إقليمية إذا تم تدبير هذه الثروة بحكامة وتخطيط بعيد المدى.

أما بخصوص توسيع المراكز القروية، فالملك يرى فيها أداة لتقليص الفوارق بين العالمين القروي والحضري. فهذه المراكز يمكن أن تكون فضاءات لتجميع الخدمات الإدارية والاجتماعية والاقتصادية، وتسهيل الولوج إليها، بما يحد من ظاهرة الهجرة نحو المدن الكبرى. إنها رؤية تقوم على مفهوم القرب الترابي، أي تقريب الدولة من المواطن، بدل اضطرار المواطن إلى التنقل إلى المدينة بحثاً عن خدمة عمومية.

هذه التوجيهات الملكية تتقاطع مع المقتضيات الدستورية المتعلقة بالعدالة المجالية والتضامن بين الجهات، ومع ما نص عليه النموذج التنموي الجديد من ضرورة إعادة توزيع الاستثمار العمومي. لذلك، فإن تنزيلها يتطلب تنسيقاً بين القطاعات الوزارية والجهات والجماعات الترابية واعتماد مؤشرات قياس دقيقة لمستوى تقدم المشاريع.

في العمق، ما يدعو إليه الملك هو تحول في فلسفة التنمية نفسها: من مقاربة عمودية مركزية إلى مقاربة أفقية تشاركية، تُعبّئ الإمكانيات المحلية وتربط بين المجال والإنسان. التنمية هنا ليست مجرد بنية تحتية، بل مشروع مجتمعي يروم بناء مغرب متوازن، تضامني ومنفتح على المستقبل.

 

*أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بالرباط

 

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى