شوف تشوف

الرأي

إمرض لاحقا.. فالصحة في غيبوبة

القطط كائنات وديعة وعلى قدر كبير من الحكمة. لذلك نجدها تتجول في المستشفيات من باب حب الاستطلاع وليس طلبا للدواء. المواطنون لم يتوصلوا بعد إلى هذه الحقيقة العلمية المرة. لذلك نجدهم دائما تائهين وسط المستشفيات العمومية، يشترون لوازم العمليات الجراحية وكأن الأمر يتعلق بخياطة أزرار القمصان وليس عمليات معقدة على القلب والبطن والحنجرة.
ستكون كارثة حقيقية إذا برد النقاش الذي أثير قبل عطلة العيد بخصوص مشكلة الطلبة الأطباء والخدمة الإجبارية. في المغرب، وفي جميع القطاعات تقريبا، يحبون بدء الإصلاحات على حساب الضعفاء، ولا تعتبر هذه الإصلاحات كذلك إلا إذا سحقت الصغار وسمّنت أرصدة الكبار. وما يقع اليوم في وزارة الصحة ليس إلا حلقة قصيرة جدا في مسلسل الإصلاحات التي بدأها المغرب منذ الاستقلال إلى اليوم، دون أن تُحل المشاكل.
هل يعلم وزير الصحة أن هناك مستشفيات في المغرب لا يوجد فيها شيء إلا القطط التي تتجول من باب حب الاستطلاع والبحث في نفايات المستشفى، والممرض المسكين الذي يغالب النوم، ثم زربية الصلاة التي تعتبر الأداة الوحيدة التي تتحرك من مكانها بانتظام داخل تلك المستشفيات.
سيكون الأمر استغباء كبيرا للمغاربة إذا ثبت أن وزير الصحة يعتقد فعلا أن إصلاح قطاع الصحة سيبدأ بنفي الطلبة الأطباء إلى المناطق النائية التي لا يوجد بها إلا «الدوا لحمر» لسنتين. فإصلاح الصحة لن يكون إلا بالضرب بيد من حديد على الفساد الكبير الذي يعشش في القطاع.
من المسؤول عن انتشار الرشوة في المستشفيات وقصص الإهمال التي تُنشر في الصحافة كل يوم؟ المسؤول عن هذا كله عقلية قديمة تقتات على حاجة المواطن إلى العلاج ووقوفه دائما بين الحياة والموت، واستخفاف بعض الذين يفترض فيهم أن يكونوا حريصين على الحياة وتقديس الحق في العلاج، بحياة المرضى.
إذا كان إصلاح كل هذه المهازل سيبدأ بنفي بعض الطلبة المبتدئين إلى الفيافي لأداء الصلوات الخمس بانتظام فوق «الصلاية»، لأنها الشيء الوحيد المتوفر في بعض المستشفيات المعزولة، فإننا نحتاج إلى أن نكون مغفلين لنعقد الأمل على هذا الإصلاح الذي يريد سي الحسين الوردي أن يقنعنا بجدواه. المستشفيات، سيدي الوزير، تختلف كثيرا عن «بويا عمر». وإذا كان حل مشكل هذا الضريح هو إغلاقه وجعل ضيوفه المساكين يضربون في الأرض يتجولون بين الناس، فإن إصلاح الصحة يحتاج إلى مخطط حقيقي ولجان وتقارير كثيرة لتشخيص مكامن الخلل ومواجهتها بحزم. ولن يكون هناك إصلاح حقيقي إلا بمعاقبة القائمين على صحة الفساد، لأنه الشيء الوحيد الذي ينمو بنشاط كبير في وزارة الصحة.
نحتاج في المغرب إلى إعادة تأهيل على جميع المستويات وفي جميع القطاعات وأولها التعليم. لماذا لا يتربى المغربي على أن الوظيفة العمومية ليست «همزة» يجب العمل على الاستفادة منها بأي شكل من الأشكال؟
أكبر مهزلة عرفها المغرب هي التوظيف الإجباري، حتى بات بعض المجازين يعتقدون أن الدولة المغربية مدينة لهم بوظيفة في التعليم العمومي، علما أن أغلبهم ليسوا مؤهلين حتى لكتابة طلب خطي لولوج الوظيفة، فما بالك بتعليم أبناء المغاربة.
سيكون مشرّفا لجميع الأطباء حتى لو لم يكونوا طلبة، قضاء مدة إلزامية في الجبال، لأنهم يحملون أمانة مقدسة تجب مساءلتهم عنها. لكن أن يحاول الوزير إيهامنا أن إصلاح الصحة سيبدأ بإرسال بعض الشبان بتعويض مضحك إلى المناطق النائية التي لا توجد بها تجهيزات أصلا، ويعرضهم للبطالة بعد انتهاء تلك المدة.. فإن هذا الأمر يسمى تعويما للنقاش، ولن يستفيد منه أي طرف، إلا القطط بطبيعة الحال.
لماذا يحب الغربيون أن يقضوا سنوات من أعمارهم متجولين في دول منسية، ومنهم من جاؤوا من أمريكا إلى المغرب ليقدموا العلاج لأناس لا يعرفونهم، قبل أن يعودوا إلى وطنهم؟
الإصلاح سيبدأ عندما يؤمن الطبيب الذي يعلق في عيادته لائحة الأسعار التي لا تختلف في شيء عن لائحة الأسعار عند الجزار، بقدسية رسالته، وعندما يبدأ وزير الصحة في سنّ سياسة العقاب في وجه كل من تهاون وأرسل مواطنا مجانا إلى الدار الأخرى..
إذا كانت هذه الخدمة الإجبارية ستصلح الصحة، فإن التيمم سيوصلنا إلى الفضاء بدون شك!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى