الرأي

ابحث عن المروك

حسن البصري
عند جارتنا الشرقية هناك كائنات تبحث عن المؤامرة الصغرى في الشوارع والملاعب وتنسى المؤامرة الكبرى على الوطن من حكامه. يريد بعض «المحللين» أن يحولوا الجزائر من دولة «شقيقة» إلى بلد يوجع دماغنا بآلام «الشقيقة».
حين وفر المغرب ملعب مراكش لاستضافة مباراة رسمية بين المنتخب الجزائري ونظيره البوركينابي، طارد ثلة من «المحللين» خيوط المؤامرة وتبين أنهم يطاردون خيط دخان، بحثوا عن نصف هفوة تنظيمية لتنزيل مبرر «المؤامرة الخارجية»، والترويج لرياح العداء، وكأن كل الآفات التي تضرب جيراننا قادمة من المغرب، حتى غياب صندوق الفيديو «الفار» مسحه بعض المحللين في السلطات المغربية، وحين حرم الحكم البوتسواني جوشوا بوندو اللاعب محرز من ضربة جزاء، بحثوا في سيرته وعبثوا في تاريخه وقالوا: «إنه يتردد على ملاعب الدار البيضاء».
اليوم تجدد موال المؤامرة، حين قرر «الكاف» إجراء مباراة الجزائر ضد النيجر في نيامي بدل مراكش، غضب المحللون وضربوا كفا بكف وقالوا إنها مؤامرة من «المروك»، على غرار الصحافي الجزائري ياسين معلومي الذي لوح بنظرية المؤامرة معتبرا إجراء المواجهة في النيجر محاولة للإطاحة بمنتخب بلاده.
يا أيها المحللون اتقوا الله في أنفسكم، لا تجعلوا من مباراة في كرة القدم طعما معلبا توزعونه على الشعب، عليه عبارة «صنع في الجزائر». إن نقل المواجهة الكروية إلى ملعب الجنرال سيني كونتشي قرار يهم الكونفدرالية الإفريقية ولا يد فيه لجامعة الكرة في المغرب.
لمعلومات الباعة المتجولين لمرهم المؤامرة الخارجية، فإن الجنرال سيني كونتشي، الذي يحمل ملعب نيامي اسمه، كان عدوا للمغرب صديقا لبومدين، الذي نظم له زيارة إلى مدينة ورقلة على متن الخطوط الجوية الجزائرية سنة 1976، لحضور اجتماع ثلاثي بين بوخروبة والقذافي ثم سيني، وعلى جدول الأعمال نقطة فريدة «التصدي للمغرب».
بنقرة في محرك البحث ستعلمون أن كونتشي كان جزءا من كورال العداء، وأنه فتح في نيامي مكتبا «لتصدير» المرتزقة واستيراد المال، وستكتشفون أن من يدفعهم وهم المؤامرة الخارجية يعيشون حالة من خداع الذات والآخرين، فيعتبرون أن كل قرار استثنائي تحريضا على استقرار الجزائر.
يتنبأ محللو قناة «الشرور» بنقل مباراة منتخب الجزائر ضد دجيبوتي إلى مراكش، في سياق «المؤامرة» التي تستهدف الجارة الشرقية وتسعى للإطاحة بمنتخبها، علما أن تعليمات صارمة وجهت لمخرج مباراة مراكش ومعلقها بأن لا يذكر اسم مراكش والمغرب ويكتفي بنقل دوران الكرة دون تمكين المشاهد الجزائري من الاستمتاع بجمالية ملعب مراكش، في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ نقل المباريات.
إذا مني منتخب جزائري بخسارة تبحث وزارة الخارجية عن مبررات الهزيمة، تفتش في سيرة الحكم ومندوب المباراة، لعلها تعثر عن شخص تظهر عليه أعراض المؤامرة المبكرة، فتقدمه قربانا للجماهير.
بين وزارة الرياضة والخارجية الجزائرية اتفاق على اللاءات الثلاث، لا مباراة ودية بين فريق مغربي وجزائري، لا مشاركة في مباريات تجرى في ملاعب الصحراء، لا معسكرات تدريبية للمنتخبات والفرق عند «المروك»، في انتظار استكمال طبخ قرار منع المدربين الجزائريين من التعاقد مع أندية مغربية، أما قيم الرياضة التي نادت بها الحركة الأولمبية فلازالت قيد الاستنطاق في ثكنة بن عكنون.
لم تتوقف القضية عند مباراة عادية، بل تسابقت بعض الأقلام الصحفية الجزائرية لنشر الفتنة، حين قالت إن لاعبا ليبيا يدعى أنيس سالتو رفض الالتحاق بتداريب فريق الفتح المغربي وفضل البقاء في ليبيا بسبب موقفه من مفاوضات تهم بلاده، سالتو شاب لا علاقة له بخليفة حفتر ولا بعقيلة صالح، همه الوحيد أن يصبح يوما هدافا للعرب لا رئيسا لفصيل يمزق أحشاء بلده.
ضعوا ما شئتم من علامات التعجب، غير أن الأمر لا يحتاج، فحينما يزاح الستار عن مسرح عبثي لا مجال للدهشة والاستغراب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى