
شهدت كرة القدم المغربية تحولا ملحوظا في طريقة تواصل الجماهير مع الفرق واللاعبين خلال السنوات الأخيرة، خاصة مع ظهور منصات التواصل الاجتماعي والإعلام البديل. هذه الوسائل الجديدة وفرت مساحة كبيرة للمؤثرين للظهور، ونشر آرائهم وتحليلاتهم على نطاق واسع. وعلى الرغم من الإيجابيات التي يمكن أن توفرها هذه المنصات من حيث التواصل المباشر، وزيادة اهتمام الجماهير بكرة القدم، إلا أن التأثير السلبي لهؤلاء المؤثرين أصبح واضحا وملحوظا، خصوصا عندما تجاوز الأمر حدود التحليل، ليصل إلى ربط علاقات مع لاعبين ومسؤولين، بل وصل الحد إلى اقتحام أرضية الملعب، وخلق الفتنة بين الجماهير، ومنهم من أجل مباريات المنتخب الوطني، وأصبح لهم نفوذ كبير.
إعداد: سفيان أندجار
المالكي..حول «الكلاسيكو» إلى بؤرة شغب
شهد المركب الرياضي محمد الخامس بالدار البيضاء، مساء أول أمس الأربعاء، لحظة مثيرة للجدل في «كلاسيكو» الرجاء الرياضي والجيش الملكي، بعدما اقتحم «اليوتيوبر» الشهير، إلياس المالكي، أرضية الملعب فجأة، في مشهد صادم أشعل المدرجات وأثار غضب وحنق جماهير الرجاء.
دخل المالكي الملعب دون سابق إنذار، متجها مباشرة نحو المدرجات المخصصة لأنصار فريق الجيش الملكي، وهو ما أحدث فوضى داخل المدرجات. الجماهير الحاضرة لم تصدق ما يحدث، وسط صراخ واحتجاجات واسعة من قبل مناصري فريق الرجاء الرياضي، قبل أن تتحرك الأجهزة الأمنية بسرعة لمواجهة الحدث وإخراج «اليوتيوبر» من أرضية الملعب، لتعود الأمور تدريجيا إلى نصابها، وسط أجواء متوترة ومشحونة بالحماس.
الأحداث لم تتوقف عند هذا الحد، إذ أثارت الواقعة ضجة واسعة على منصات التواصل الاجتماعي، حيث انقسمت الآراء بين من اعتبرها محاولة استفزازية للفت الأنظار، ومن طالب بتشديد المراقبة والإجراءات الأمنية في المباريات الكبرى، لتجنب أي حوادث مشابهة في المستقبل.
وينتظر أن تفتح اللجنة التأديبية التابعة للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تحقيقا عاجلا في الواقعة، معتبرة اقتحام أرضية الملعب خرقا صارخا لقواعد الأمن والانضباط داخل الملاعب.
مع صافرة النهاية، عادت الجماهير لتتفاعل مع مجريات المباراة، لكن صورة اقتحام الملعب ستبقى عالقة في أذهان الجميع، كحدث غير مسبوق في تاريخ «الكلاسيكو» المغربي، يذكّر بأن قوة الحدث الرياضي لا تقتصر على اللعب داخل الملعب فقط، بل تمتد إلى المدرجات وما وراءها.
ما قام به المالكي يدخل في خانة ما يصنعه المؤثرون الذين يحبون خلق مواقف صادمة لجذب ردود الفعل المباشرة من الجماهير، خصوصا في أحداث رياضية مثيرة، حيث التوتر بين الفرق والمشجعين يخلق أجواء مثالية لمحتوى مثير وتعزيز صورته كشخص جريء، أو «غير تقليدي»، من خلال اقتحام الملعب بهذا الشكل يُظهره وكأنه يتجاوز الحدود، وهو ما قد يجعله محط حديث بين الناس ويزيد من مكانته بين بعض متابعيه.
وأرجع العديدون إلى أن ما قام به المالكي استمده من استقباله من عدد من المسؤولين عن الجهاز الكروي، عندما شارك في «كينغزليغ»، ما منحه سلطة، كما أن مسؤولي فريق الدفاع الحسني الجديدي قاموا بتكريمه، ووجد في أرضية الملعب في أكثر من مباراة.
مباريات «الأسود» المؤثرون في الصف الأول
اقتحم عدد من المؤثرين أرضية ملعب الأمير مولاي عبد الله بالرباط، بعد نهاية المباراة التي جمعت «أسود الأطلس» أمام منتخب النيجر. وكان الهدف من هذا الاقتحام هو التقاط الصور التذكارية مع اللاعبين، خاصة بعد تأهل المنتخب المغربي لكرة القدم رسميا إلى نهائيات كأس العالم 2026، التي ستقام بالولايات المتحدة الأمريكية وكندا والمكسيك، بانتصاره على النيجر بخماسية نظيفة.
واستدعى هذا التصرف تدخلا سريعا من قبل رجال الأمن، الذين قاموا بإخلاء الملعب بشكل فوري، للحفاظ على النظام وضمان سلامة الجميع. وتم تداول مقاطع فيديو على منصات التواصل الاجتماعي، تُظهر لحظة الاقتحام وتفاعل الجماهير مع هذا الحدث.
إن هذه الواقعة أثارت ردود فعل قوية على منصات التواصل الاجتماعي، حيث اعتبرها البعض محاولة جديدة من المؤثرين للفت الأنظار، فيما دعا آخرون إلى تشديد المراقبة والإجراءات التنظيمية، لتفادي تكرار مثل هذه الأحداث في المباريات الكبرى.
ومن المنتظر أن تفتح اللجنة التأديبية التابعة لجامعة كرة القدم الوطنية تحقيقا في الموضوع، خاصة أن اللوائح التنظيمية تمنع أي اقتحام لأرضية الملعب، وتعتبره خرقا لقواعد الأمن والانضباط.
كما تم طرح تساؤلات حول جلوس المؤثرين في الصفوف الأمامية، ومنحهم بطائق الدعوات، والسماح لهم بالنزول إلى أرضية الملعب، والتقاط صور وفيديوهات لمحتوياتهم من قلب أرضية المعلمة التاريخية.
وأكدت المصادر أن عددا من لاعبي المنتخب الوطني لكرة القدم لديهم علاقات صداقة تجمعهم مع هؤلاء المؤثرين ويتلقون الدعوات عن طريقهم، ما يطرح أكثر من علامات استفهام.
الإعلام البديل.. ابتزاز تحت الطلب
أصبح الإعلام البديل في كرة القدم المغربية مصدرا رئيسيا للمعلومات بالنسبة إلى عدد كبير من الجماهير، ما منح المؤثرين قوة غير مسبوقة في توجيه الرأي العام وجميع الوسائل الرقمية التي لا تنتمي إلى الإعلام التقليدي، مثل قنوات «اليوتيوب»، صفحات «إنستغرام»، «تيك توك»، وحسابات «فيسبوك». هذه المنصات تسمح بنشر الأخبار والمحتوى بسرعة كبيرة، وغالبا بدون أي رقابة مهنية.
المؤثرون هم أشخاص يمتلكون قاعدة جماهيرية واسعة على الإنترنت، ويستطيعون التأثير في آراء الناس حول أي موضوع، بما في ذلك كرة القدم. هؤلاء الأفراد يقدمون تحليلات، أخبار، شائعات، وأحيانا نقدا مباشرا للاعبين والأندية. ومن أبرز ما يميز تأثيرهم هو السرعة الكبيرة لنشر المعلومات وتفاعل الجمهور معها، مما يضاعف تأثيرها على أرض الواقع.
أغلب هذه الانتقادات لم تكن بريئة، أو الهدف منها تحسين الكرة الوطنية، بل هي عبارة عن تصفية حسابات مع لاعبين، أو طرق جديدة للابتزاز من خلال تشويه صورتهم لدى الأنصار، وهو الأمر الذي دفع عددا كبيرا من اللاعبين وأيضا المسؤولين إلى الإذعان لهؤلاء المؤثرين، وتنفيذ جميع طلباتهم، لتفادي انتقاداتهم.
الانتقادات المستمرة من المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي تولد ضغوطا نفسية كبيرة على اللاعبين والمسؤولين، على سبيل المثال، يمكن لمقطع قصير ينتقد أداء لاعب في مباراة معينة أن ينتشر بسرعة كبيرة، ما يؤثر على ثقته بنفسه، وأدائه في المباريات المقبلة، وحتى حالته النفسية خارج الملعب. في بعض الحالات، وصلت الانتقادات إلى حد التهديدات، أو الإهانات المباشرة، وهو ما يضر بالجانب الإنساني للاعب، ويضعه في موقف حرج أمام الجمهور، في حين أن «صانع المحتوى» يكون هو الرابح الأكبر.
لاعبون ومسؤولون تحت رحمة المؤثرين
يعمل المؤثر بشكل كبير على نشر الأخبار المغلوطة أو الشائعات حول الأندية، والتي أصبحت ظاهرة بشكل واضح ومنتشرة.
المؤثرون أحيانا يروجون لأخبار غير دقيقة عن صفقات اللاعبين، مشاكل داخل الفريق، أو الخلافات بين الإدارة واللاعبين. هذه المعلومات غير الدقيقة تؤثر على سمعة النادي أمام جماهيره، المستثمرين، والمحتضنين، وهناك أمثلة كثيرة على ذلك، الجدل حول منح مبالغ مالية للاعبين، وأن عددا منهم مدمنون على السهرات، ويبتكرون إشاعات على اللاعبين والمسؤولين، حيث تنتشر الشائعات بسرعة، قبل التأكد من صحتها.
في بعض الحالات، يكون تأثير المؤثرين على القرارات الإدارية واضحا. الجماهير المتأثرة بالمحتوى الذي يقدمه المؤثرون قد تضغط على الإدارة لتغيير مدرب مثلا، أو تسريح لاعبين معينين، أو التعاقد مع لاعب معين، أو تعديل استراتيجيات الفريق.
ويلجأ عدد من المسؤولين إلى صناع المحتوى، من أجل استهداف خصومهم، أو تعبيد الطريق لهم بغية ترؤس أندية معينة، كما أن عددا كبيرا من سماسرة اللاعبين والوكلاء يربطون علاقات قوية مع هؤلاء المؤثرين، من أجل الترويج للاعبيهم، مقابل مبالغ مالية سمينة، ما يدر عليهم أموالا طائلة.
ما هي الحلول للتصدي لهذه الآفة؟
أصبح الإعلام البديل ومنصات التواصل الاجتماعي جزءا لا يتجزأ من المشهد الرياضي المغربي، لكن التأثير السلبي للمؤثرين يشكل تهديدا حقيقيا لاستقرار الفرق، أداء اللاعبين، ومصداقية الأندية. مواجهة هذه الظاهرة تتطلب تضافر جهود الأندية، الإعلام الرسمي، اللاعبين، والجماهير لضمان بيئة رياضية صحية، مبنية على المهنية والدقة، بعيدا عن الشائعات والضغط النفسي غير الضروري.
إذ يرى المختصون أن غياب الرقابة الإعلامية، أو ضعفها في متابعة الأخبار الرياضية على المنصات البديلة، يجعل الجمهور يعتمد بشكل كبير على المؤثرين للحصول على الأخبار والتحليلات. هذا الاعتماد المفرط يضاعف تأثير المؤثرين السلبي، حيث إن أي محتوى مغلوط أو مبالغ فيه يُعتبر حقيقيا لدى جمهور واسع.
كما يرى المختصون أن غياب الإعلام الرسمي القوي والمتخصص، يجعل المؤثرين المصدر الأساسي للمعلومات الرياضية. هذا الفراغ الإعلامي يمنح المؤثرين سلطة غير رسمية على الرأي العام، ويزيد من تأثيرهم على اللاعبين والأندية.
وحول الحلول التي يجب الاعتماد عليها من أجل التصدي للظاهرة، أو الحد منها على الأقل، فإن المختصين يرون ضرورة تعزيز الإعلام الرسمي للفرق، ونشر أخبار دقيقة وموثوقة عبر المنصات الرقمية الرسمية للأندية، لتقليل الاعتماد على المؤثرين، مع توعية اللاعبين والجماهير، وتعليم اللاعبين كيفية التعامل مع الانتقادات والشائعات، وتثقيف الجماهير حول أهمية التحقق من المعلومات قبل تصديقها، مع تنظيم محتوى المؤثرين الرياضيين، وتشجيع المؤثرين على الالتزام بالمسؤولية المهنية عند نشر الأخبار، وربما وضع آليات للتعاون مع الأندية، لضمان الدقة. مع تطوير آليات الرقابة الإعلامية وفرض قوانين ضد نشر الأخبار الزائفة، التي تضر بسمعة الأندية أو اللاعبين، مع متابعة دقيقة لمنع المحتوى الضار.





