حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

الأحزاب بالمغرب.. من التأطير إلى التطيير

 

 

 

نعيمة لحروري

 

 

 

كان يفترض في الأحزاب السياسية عندنا أن تكون قاعات تفكير، ومنصات تأطير، ومختبرات تعد المواطن ليكون فاعلا في الشأن العام، لا مجرد ورقة اقتراع تسحب من الدرج عند كل موسم انتخابي. هكذا تقول الكتب، وهكذا تعلمنا في دروس التربية الوطنية، وهكذا يصدق من لا يزال يظن أن للسياسة قلبا ونبضا في هذا الوطن.

لكن الحقيقة ـ ويا لها من حقيقة ثقيلة الظل ـ أن أحزابنا اليوم لا تؤطّر المواطنين، بل تطيّرهم. تطيّرهم من السياسة، من العمل العام، من الإيمان بفكرة الانتماء، حتى إن المواطن إذا سمع كلمة “الهيكلة” خيّل إليه أنه على وشك أن يعاد ترميمه، لا أن يشارك في بناء مستقبل بلاده.

الأحزاب في المغرب أصبحت تشبه مراكز اليوغا المغلقة: تعلن عن التأمل، وتعد بالسكينة، لكنها في الداخل غرف معزولة لا أحد يعرف من يدخلها ولا من يخرج منها. أحزاب ترفع شعارات كبرى عن الديمقراطية، ثم تنتخب زعماءها  في طقوس وراثة غير معلنة، بالتوافق والتهليل، ولا بأس ببعض التصفيق.

والطريف ، إن كان في السياسة شيء طريف ، أن هذه الأحزاب تتلقى دعما ماليا سخيا من الدولة، دعما لو فكّكه خبير اقتصادي لحول بعضه إلى مدارس، والبعض الآخر إلى مستشفيات، وما تبقى قد يستخدم لتبييض صفحات سياسية فقدت لونها منذ زمن.

الدولة تدفع، والأحزاب تصرف، ثم لا أحد يسأل: “أين التأطير؟”.

هل رأيتم يوما حزبا ينظم حلقة نقاش في حي شعبي يناقش فيها المواطنون مشاكلهم؟ هل شهدتم حزبا يطرق الأبواب ليعلم الناس معنى الميزانية، أو يشرح لهم كيف تصاغ القوانين؟ بالطبع لا. ما نراه هو العكس تماما: شباب ينفرون من السياسة كما ينفر الناس من طوابير لا نهاية لها، وكهول يقولون إنهم لا يثقون في أحد، وعجائز يحمدن الله أنهن لم يصوتن قط.

ما تقدّمه الأحزاب اليوم ليس تأطيرا بل “تبخيرا” للشأن العام. المواطن لا يخرج من اللقاء الحزبي أكثر وعيا، بل أكثر تعبا، أكثر حيرة، وأكثر قناعة بأن باب النجاة ليس في الانخراط، بل في الحياد الأبدي.

أما الخطاب السياسي، فقد أصبح أقرب إلى نكتة سيئة الإعداد. زعيم يقول إن حزبه “قريب من المواطن”، ثم لا يعرف كيف يصل إلى الحي الذي يسكن فيه المواطن. وآخر يقول إنه يدافع عن الطبقة الوسطى، ثم لا يعرف سعر لتر الحليب. وثالث يصرخ ضد الفساد، ثم يركب سيارة لا يجرؤ المواطن حتى على لمس زجاجها الخارجي.

وفي عز هذه التراجيديا، لا أحد يستقيل، لا أحد يعتذر، لا أحد يسأل نفسه: لماذا لم يعد الناس يثقون فينا؟

بل على العكس، كلما تراجع منسوب الثقة، رفعت الأحزاب منسوب الخطاب. وكلما زاد الإعراض، زاد الادعاء بأنها هي الحل، وكأن المواطن مخلوق تائه لا يعرف الخلاص إلا بها.

وفي النهاية، نفاجأ بأن من يطارد المواطن ليمنعه من السياسة.. هو الحزب نفسه.

أيها السادة،

إذا كانت مهمة الأحزاب هي التأطير، فهي اليوم قد تحولت إلى أدوات لمسح الوعي السياسي، وتخدير الرغبة في المشاركة، وإطفاء جذوة النقاش العام.

وهكذا صار المواطن المغربي، بدل أن يؤطر، يقصى.. وكأن المطلوب منه أن يصفق من بعيد، ويصمت عن قرب..

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى