
على الرغم من التحذيرات والحملات الاستباقية التي أكدت على تنفيذها مصالح وزارة الداخلية بجهة طنجة – تطوان – الحسيمة، من أجل موسم صيفي بدون مشاكل وحماية الصحة العامة بإلزام جميع المقاهي والمطاعم ومحلات الأكلات السريعة وباعة المواد الغذائية باحترام شروط الصحة والسلامة والوقاية من الأخطار، إلا أنه تم تسجيل خروقات وتجاوزات بالجملة وتنفيذ قرارات إغلاق مؤقت لمحلات مشهورة لغياب النظافة والظروف الكارثية لتخزين اللحوم والأسماك، وعدم التزام العمال بارتداء الزي المناسب والنظافة، فضلا عن خرق مضامين التراخيص التي تسلمها الجماعات الترابية.
تطوان- حسن الخضراوي
تم إغلاق محل مشهور يقدم الأكلات السريعة بتطوان، بعد شكايات حركتها جمعيات حماية المستهلك، وجرى إغلاق مقاه ومطاعم مشهورة بمرتيل والفنيدق والمضيق بسبب مخالفة شروط الصحة والسلامة والوقاية من الأخطار، ناهيك عن توجيه إنذارات إلى عدد من المقاهي الفخمة التي تقدم الشيشة، والتحقيق في ارتيادها من قبل قاصرين وخطر استغلالهم من قبل شبكات الدعارة والاتجار في أقراص الهلوسة والمخدرات القوية.
وتعيش جل مكاتب حفظ الصحة بالجماعات الترابية بتطوان والمضيق حالة من الجمود والخمول وعدم أدائها لمهامها كما يجب في مراقبة كل المواد الاستهلاكية ومدى احترام شروط النظافة والصحة والسلامة، وذلك نتيجة فشل رؤساء الجماعات في هيكلة القسم المذكور وإهمال ما ينص عليه القانون التنظيمي للجماعات الترابية 113/14، من حماية الصحة العامة وجودة المنتوجات الاستهلاكية والتفاعل الفوري مع الشكايات التي يتم وضعها من قبل المواطنين في الموضوع.
ولا يمكن تحقيق الجودة في الخدمات السياحية أو النجاح في استقبال المغرب لتظاهرات قارية وعالمية، أبرزها مونديال 2030، في ظل فوضى القطاع الخدماتي وتدني جودة الخدمات المتعلقة بالمقاهي والمطاعم والفنادق ومحلات الأكلات السريعة، فضلا عن فوضى بيع كافة المواد الغذائية الاستهلاكية، وغياب شروط الصحة في المجازر الجماعية وتوزيع اللحوم الحمراء واللحوم البيضاء وعشوائية أسواق بيع الأسماك.
ولاشك أن كل مؤشرات الفوضى والعشوائية، واحتجاج السياح والزوار على رداءة الخدمات التي تقدمها المقاهي والمطاعم الراقية، تسائل لجان المراقبة والصرامة المطلوبة في ردع المخالفين، ودعوة رؤساء الجماعات الترابية إلى تحمل مسؤوليتهم الكاملة في المراقبة وحماية الصحة العامة، وتسريع فتح أو إنجاز مشاريع تدخل ضمن مخطط هيكلة المجازر الجماعية وبيع الأسماك واللحوم البيضاء في ظروف تحترم المعايير المعمول بها والمقبولة من قبل المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتوجات الغذائية (ONSSA).
خروقات وإغلاق
في حادث مثير تم تداوله بشكل واسع من قبل العديد من رواد المنصات الاجتماعية، قامت فتاة من الجالية المغربية بالخارج بحمل ميكروفون فنان يؤدي مقاطع غنائية بمقهى ومطعم مشهور بمرتيل، وشرعت في الصراخ والاحتجاج على صاحب المطعم الذي لا يحترم شروط الصحة والنظافة بحسبها داخل المطبخ، ما تسبب لها في تسمم غذائي عندما تناولت وجبة خفيفة بالمكان، فضلا عن تحذيرها كل الزبائن الذين كانوا بالمطعم من خطر تسمم الوجبات التي يتناولونها واضطرارها لتناول أدوية من أجل العلاج.
ومباشرة بعد انتشار مقطع الفيديو المذكور، قامت السلطات المحلية بمرتيل بتشكيل لجنة مختلطة زارت المطعم المشهور وضبطت من خلال عملية تفتيش العديد من الخروقات والتجاوزات أبرزها غياب النظافة وعدم احترام شروط الصحة والسلامة، ليتقرر إغلاق المطعم بشكل مؤقت لمدة أسبوع حتى القيام بالصيانة المطلوبة، وهو الشيء نفسه الذي يسائل لجان المراقبة، بحسب مصادر الجريدة، من أجل الاستباقية في حماية الصحة، ومنع فوضى وعشوائية المحلات الراقية التي تختفي خلف الاسم والشهرة، دون العمل على احترام شروط الصحة ولا مضامين التراخيص التي تسلمها الجماعة الترابية.
واستنادا إلى المصادر نفسها، فإن الفتاة المتضررة من إصابتها بتسمم بالمطعم المذكور الذي يقصده العديد من السياح والزوار، يمكنها أن تلجأ إلى القضاء لطلب التعويض المادي عن الضرر، ويمكن اعتمادها على تقارير لجنة التفتيش والمراقبة في ذلك، إلى جانب المسؤولية الملقاة على السلطات المحلية والجماعة ومكتب حفظ الصحة وكافة المؤسسات الممثلة في اللجان المختلطة التي تقوم بجولات لحماية الصحة العامة وسلامة المستهلك.
وأضافت المصادر عينها أن السلطات المختصة بمرتيل سبق وقامت بإغلاق محل مشهور بالمدينة وباقي مدن الشمال بتقديم وجبات خفيفة والحلويات والعصائر بكافة الأشكال، وذلك لمخالفته شروط الصحة والسلامة، ما يحيل على أنه لا يكفي أن يكون الاسم مشهورا للثقة في ما يقدم إلى الزبناء، ولجان المراقبة تتحمل المسؤولية في التفتيش وردع المخالفين مهما كانت الشهرة ومهما كانت العلاقات وادعاء النفوذ.
وأشارت المصادر عينها إلى أن تحضير المغرب لاستضافة تظاهرات عالمية وقارية، يقتضي توفير أرضية مناسبة لتنزيل مجموعة من القرارات التي تهم شروط الصحة والنظافة والجودة بكافة الخدمات التي تقدم إلى العموم، مع الصرامة في تفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة بشأن كافة الخروقات والتجاوزات المسجلة، والاستباقية في الملف الحساس عوض معالجة النتائج وما يتبعها من تدمير للصورة السياحية وضعف التنافسية وضياع فرص التنمية والاستثمار.
فوضى عارمة
من خلال تتبعها لمجموعة من المعلومات الخاصة بتزويد المطاعم ومحلات الأكلات السريعة بمدن المضيق والفنيدق ومرتيل باللحوم الحمراء والبيضاء والأسماك، ظهر أن المجازر الجماعية بتراب إقليم المضيق لا تتوفر على المعايير المطلوبة من قبل المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتوجات الغذائية (ONSSA)، وتعمل في ظروف غير صحية وعشوائية، ويتم توزيع اللحوم خارج المعايير المعمول بها بسيارات ووسائل نقل عادية، ناهيك عن شبهات انتشار الذبيحة السرية.
وعلى الرغم من وعود رؤساء المجالس الجماعية بإقليم المضيق بإنشاء مشروع مجزرة إقليمية بمواصفات عصرية ومعايير توافق عليها مصالح (ONSSA)، إلا أن الأغلبيات الهشة دخلت في صراعات وتطاحنات على المكاسب والمناصب وتصفية الحسابات الضيقة، ما ساهم في إهمال المداخيل ومستحقات الجماعات واستحالة تنفيذ مشاريع تنموية.
وسبق تنبيه مصالح وزارة الداخلية إلى غياب ظروف الصحة والتبريد في نقل اللحوم بمدن عمالة المضيق، وسبق إغلاق عشرات المحلات التي تبيع الدجاج بالسوق المركزي بمرتيل، لغياب شروط الصحة والنظافة، وسط ركوب انتخابوي على الملف والضغط للسماح باستئناف عمل المحلات والبحث في تنفيذ مشروع مجزرة إقليمية للدواجن تحترم المعايير الصحية وتشجع على الاستهلاك ويسهل معها تحديد مصدر المنتوجات الغذائية وتفعيل المحاسبة في حال الاختلالات والتجاوزات.
وعلى الرغم من ضبط أطنان من اللحوم والأسماك الفاسدة، وتقديم متورطين إلى العدالة وإدانتهم في الموضوع بمحكمة تطوان، حيث ثبت قيام المحل العشوائي بالتوزيع وتزويد محلات مشهورة، إلا أنه مازال التعثر سيد الموقف في الانتقال إلى القطب الاقتصادي بالحمامة البيضاء وتأخر فتح المجزرة العصرية التي تتوفر على معايير عالية في الصحة والسلامة، بعدما تم فتح سوق الجملة لبيع الأسماك، علما أن العديد من أسواق البيع بالتقسيط مازالت تعاني من مشاكل الفوضى والعشوائية.
وفي موضوع فوضى المواد الاستهلاكية نفسه سبق وقامت السلطات الإقليمية بالمضيق بفتح تحقيق إداري ومنع بيع مأكولات فاسدة بشواطئ مرتيل، يتم حملها من قبل العديد من الأشخاص فوق ألواح خشبية والطواف بها بين المصطافين، دون علم بظروف تجهيزها بمحلات عشوائية، وغياب الشروط الصحية، ما يشكل خطرا على الصحة العامة ويهدد المستهلكين بالتسمم والمضاعفات الصحية، التي تؤثر بشكل كبير على الأطفال لضعف مناعتهم.
خروقات خطيرة
من ضمن الخروقات التي رصدتها «الأخبار» في ملف اختلالات الصحة والسلامة والوقاية من الأخطار، في علاقة بخدمات المقاهي والمطاعم ومحلات الأكلات السريعة، عشوائية التزود بالمواد الغذائية واللحوم، واستعمال زيوت القلي لمدة طويلة، وغياب شروط التجميد بالنسبة للأسماك واللحوم، وأخطار صناعة مادة المايونيز وتفاعل المواد الحافظة بالمعلبات، وغياب النظافة بالمطابخ وغياب جودة الخضر والفواكه، فضلا عن غياب المرافق الصحية ببعض المحلات وضيق المساحة، وغياب احترام شروط النظافة والتهوية الكافية وغياب اللباس الخاص بالطبخ وتوزيع الوجبات من قبل العمال.
وحسب مصادر مطلعة، فإن بعض ملاك المحلات يقومون بالتقشف في مصاريف الصيانة وعدم شراء معدات وتجهيزات جديدة رغم تهالك تلك المستعملة لسنوات طويلة، ناهيك عن تشغيل عمال بشكل مؤقت بدون تجربة في النظافة والطبخ، واستخدام معدات وأدوات ملوثة بالصدأ ونالت منها الرطوبة التي ترتفع نسبتها بمدن الشمال عامة.
واستنادا إلى المصادر نفسها، فإن التراخيص التي تمنحها الجماعات الترابية بالشمال تتضمن احترام مجموعة من الالتزامات الخاصة بشروط الصحة والسلامة والوقاية من الأخطار، لكن عند التنزيل يتملص جل ملاك المشاريع من الالتزامات، رغم تحذيرات لجان المراقبة، حيث يغطي الجشع والهاجس المادي والربح السريع على كافة شروط الصحة والسلامة.
مجالس فاشلة
كشفت تقارير سابقة للمجلس الأعلى للحسابات عن اختلالات أقسام حفظ الصحة بالجماعات الترابية بجهة طنجة – تطوان – الحسيمة، وأوصى قضاة المجلس بوضع إطار قانوني وتنظيمي محين ومتكامل ينظم المكاتب الجماعية لحفظ الصحة وتدخلاتها ويوضح مكانتها داخل المنظومة الصحية الوطنية وعلاقاتها مع باقي المتدخلين.
وسجل مجلس الحسابات غياب اهتمام العديد من المجالس الجماعية بمراقبة سلامة المنتجات الغذائية والفشل في محاربة انتشار الحيوانات الضالة وناقلات الأمراض وعدم انتظام مراقبة جودة المياه وغيرها، فضلا عن قصور في إرساء آليات المساءلة والمراقبة لتقييم عمل مكاتب حفظ الصحة، وضعف آليات المساءلة والمراقبة وعدم تتبع وتقييم الأداء وغياب برامج عمل واضحة.
وفي ظل التهرب وتقاذف المسؤولية في التسممات الفردية والجماعية، تتحمل لجان المراقبة مسؤولية توسيع دائرة التفتيش والاستباقية في حماية الصحة العامة، فضلا عن تحمل رؤساء الجماعات الترابية مسؤولية جمود دور مكاتب حفظ الصحة بالمجالس المعنية، وضرورة العمل على توظيف أطباء ومختصين في مجال المراقبة التي يجب أن تكون بشكل مستمر وليس فقط أثناء المناسبات التي يرتفع فيها الرواج التجاري أو الذروة السياحية وفترة الصيف.
وفي ظل المناداة بالصرامة وزجر المخالفات في موضوع مراقبة المواد الاستهلاكية والمقاهي والمطاعم ومحلات الأكلات السريعة، لابد من الإشارة إلى التوعية والتحسيس بأهمية الثقافة السياحية، واستيعاب أن السائح الزبون يشكل عامل رفع من المعاملات المالية ووسيلة إشهار غير مباشرة، بحيث كلما كانت الجودة في الخدمات تكون فرص تحسين السمعة السياحية وجلب السياح أكبر وبذلك خلق فرص الشغل وتحقيق مداخيل لفائدة الجماعات الترابية يتم استثمارها في تنفيذ المشاريع، خارج الجشع واستغلال الذروة السياحية وتحقيق الربح السريع، ما يساهم في تدمير الوجه السياسي للمناطق المعنية والموت البطيء لقطاع السياحة بانتشار فيروس السمعة السيئة وحوادث التسمم والمعاملة السيئة والغلاء في الأسعار والفوضى والعشوائية التي لا مكان لها في العالم المتحضر وتطلعات مغرب 2030.





