
بعد انتشار الابتزاز الإلكتروني والجنسي والمالي بطرق مختلفة، بالموازاة مع التحولات الاجتماعية المتسارعة، ومطالب محاربته والحفاظ على الأمن وحماية الأعراض، وصلنا مرحلة الابتزاز السياسي الذي تقوم به بعض الوجوه الحزبية المستهلكة خلال هذه المرحلة الحساسة التي تمر منها البلاد، لنيل نصيبها من كعكة الانتخابات التشريعية المقبلة سنة 2026، والسباق بدون روح سياسية من أجل المشاركة أو رئاسة حكومة المونديال.
إن البحث عن الابتزاز السياسي كأقصر طريق لجمع الأصوات واللهث خلف الأرقام الانتخابية، لا يمكن أن يحل محل العمل على طرح برامج انتخابية تتسم بالواقعية والجدية، كما أن ركوب الأحداث الدولية والقضايا الداخلية لا يساهم في الحلول بقدر ما يدفع في اتجاه استنزاف الدولة في مجهودات جبارة تقوم بها لخلق التوازنات السياسية المطلوبة، ووقف طوفان التمييع وتسفيه جهود المؤسسات الرسمية، ودغدغة العواطف عوض ملامسة العقل والحكمة في تدبير الأزمات. وهناك مفارقة عجيبة تتعلق بتباكي جل الأحزاب السياسية على الديمقراطية والنزاهة والشفافية ومطالبة الدولة بالمزيد من الحريات وتوسيع الاختصاصات، مقابل تكريس الدكتاتورية الحزبية الداخلية، والجمود ورفض التغيير وإقصاء كل الجهات التي تحاول إصلاح البيت الداخلي، تارة بالتخويف من الانقراض السياسي وتارة أخرى بتخوين من يطرح الرأي المخالف وكأن الانتماء الحزبي من الأشياء المقدسة التي لا تقبل التبديل أو الاجتهاد، فضلا عن تحويل بعض العلاقات الحزبية إلى ما يشبه علاقة الشيخ بالمريد.
وسجل العديد من المتتبعين للشأن العام بالمملكة الشريفة محاولة جهات خلال الآونة الأخيرة تحويل التنافس السياسي إلى ساحة حروب شخصية وتصفية الحسابات الضيقة، وتقزيم النجاح في سقوط المتنافسين السياسيين بالضرب تحت الحزام أو إحراج أجهزة الدولة بممارسة الشعبوية رغم العلم المسبق بخطرها على الأمن العام، علما أن كل ماسبق ذكره من ممارسات لا يدخل في خانة النقاش السياسي المنتج ولا يعني الصالح العام في شيء.
لا شك أن تمييع دور المؤسسات الرسمية ومهاجمتها وتسفيه جهود الدولة، والضرب في استراتيجيتها لتدبير التحولات العالمية والقرارات السيادية، يتقاطع مع أجندات خارجية غامضة تستهدف فرملة الوتيرة التنموية بالمغرب، وهذا ما يجب الانتباه إليه بشكل جيد، دون ممارسة المظلومية أو التباكي وإظهار المعاناة مع التضييق وتمثيل مسرحيات المنع والقيود التي تحد من الحرية السياسية، في حين يعرف الجميع مؤشرات مناخ الحريات في كل بلد بالشمال الإفريقي بالمقارنة مع المغرب.
الطبيعي هو أن إعلام وأحزاب وجمعيات ومؤسسات كل بلد، تقف صفا واحدا لتحقيق المصالح العليا للوطن، وتستغل السياسة الداخلية وتوجه النقاش العام نحو تحقيق أهداف واستراتيجيات الدولة، وليس تمرير الخطاب السياسي الذي يدس السم في العسل، والنزول إلى الحضيض برسم أهداف لا تخرج عن النرجسية المفرطة والنفاق السياسي وتصفية الحسابات المجهرية.
وعندما نتحدث عن سلبية الشعبوية القاتلة، فإن الأمر لا يتعلق بالتخويف من الممارسة السياسية أو فرملة الشعبية الافتراضية للقيادات الحزبية الورقية، وإنما باستحضار المرحلة التي تمر منها المملكة الشريفة، وتتطلب الوضوح السياسي في الأفعال والأقوال والتعبير الراقي عن الرأي والتوجه، إذ بالعودة إلى التاريخ دائما فإن الملك الراحل الحسن الثاني كانت له معارضة سياسية شرسة، وعندما وصلت مرحلة التناوب مكن أشرس المعارضين من مناصب كبرى في الدولة لقيادة المغرب نحو بر الأمان، لأنه كان يعرف جيدا طينتهم وأن معارضتهم لها أبعاد تصب في خدمة الوطن، وليس الحروب التافهة التي لا تدور سوى في مخيلة العقول الضعيفة وساحات المنصات الاجتماعية، والغرق في سطل غير مملوء بالماء بينما يخيل للغارق أنه يسبح في بحر عميق من السياسة.





