شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرملف التاريخ

الاستقبالات الملكية … قرن من الطقوس

ضيوف تحدثوا عن أجواء القصور وانبهروا بالمراسيم 

الملك الراحل الحسن الثاني ورث عن والده الراحل، السلطان محمد بن يوسف، طقوسا مخزنية ضاربة في التاريخ، تتعلق بمراسيم الاستقبالات الرسمية، خصوصا عندما يتعلق الأمر برؤساء الدول الأجنبية.

ورغم أن بعض التحديثات قد دخلت على أنشطة الاستقبالات مثل حفلات العشاء وجلسات الشاي، باقتراح من الإدارة الفرنسية، أثناء زيارة الشخصيات الفرنسية الرسمية إلى الملك الراحل محمد الخامس داخل القصر الملكي، سيما في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي.. إلا أنها تبقى تعديلات على «الطريقة الفرنسية»، التي لم يكن يفضلها الأمريكيون بكل تأكيد.

لذلك كان الوصف الذي أطلقه موظفو الخارجية الأمريكية في ستينيات القرن الماضي، على الملك الراحل الحسن الثاني باعتباره «مُجددا لطقوس الاستقبالات»، يلخص المرحلة بأكملها، وهو ما أكده موظف الاستخبارات الأمريكية السابق «ويليام بلوم»، الذي زار المغرب مرات كثيرة، ويعتبره خبراء هذا الجهاز أحد أكثر المتمرسين خبرة، خصوصا وأنه راكم علاقات في عواصم عربية كثيرة والتقى بالملوك والرؤساء العرب.

يونس جنوحي:

 

تجارب أجنبية في قلب «صالونات الانتظار» داخل القصر

 

منذ أيام المولى إسماعيل الذي توفي سنة 1727، والدولة المغربية تعرف قدوم وفود أجنبية بازدياد واضح. فمنذ أيام الدولة السعدية، والوفود الأجنبية تأتي من أوروبا، وبالتحديد من بريطانيا، لإبرام اتفاقيات تجارية وسياسية مع المغرب.

لكن الاستقبالات الملكية وطقوسها لم تتخذ طابعها «السلطاني» إلا مع المولى إسماعيل، الذي استقبل بنفسه سفراء أجانب حتى في أشد الأزمات السياسية بأسا. إذ خلال الأزمة المغربية الفرنسية، استقبل السلطان مولاي إسماعيل سفير فرنسا الخاص إليه، وكان الاستقبال يخيم عليه جو من التوتر الشديد، سيما وأن المبعوث الفرنسي جاء في قضية شائكة جدا، تتعلق بالأسرى الفرنسيين لدى السلطان.

وفي الوقت نفسه، كان المغرب يريد إطلاق سراح حجاج مغاربة كان الفرنسيون قد أسروهم في عرض البحر، عندما سحب التيار سفينتهم في عرض البحر المتوسط، لتصادرها باخرة عسكرية فرنسية وتسحبها إلى سواحل فرنسا.

كان السفير الفرنسي وهو يجلس في غرفة خصصت له داخل القصر الملكي، يكتب رسائل يبعث بها على وجه السرعة إلى فرنسا، يتوسل مسؤوليه أن يطلقوا سراح الأسرى المغاربة، أو يبعثوا رسالة إلى المولى إسماعيل يُظهرون له فيها حسن النية، قبل أن يُنهي هو محادثاته معه خلال أيام إقامته في المغرب.

إذ كانت أجواء الاستقبال ورهبة شخصية المولى إسماعيل، كلها جعلت هذا السفير يُدرك أن حياته على المحك، في حال ما رفض الفرنسيون الانصياع لطلبات المغرب.

كان الأسرى الفرنسيون وقتها يوجدون سجناء في قصر مكناس، أو في ملكية أثرياء من النخبة الفاسية. بينما بعضهم اعتنقوا الإسلام، مقابل إخلاء سبيلهم وبقائهم في المغرب.

لكن فرنسا كانت تطلب من المولى إسماعيل السماح لجميع الأسرى بالعودة إلى فرنسا، حتى الذين اعتنقوا الإسلام منهم. وقد كان الأسير الفرنسي «موييط» أشهر أسير كتب مذكراته، بعد نجاته من تجربة الأسر، وكتب عن قصر المولى إسماعيل وشخصيته.

لكن أرشيف الخارجية الفرنسية لا يزال يحتفظ إلى اليوم بالرسائل التي بعث بها المبعوث الفرنسي عندما بُعث سفيرا إلى المولى إسماعيل، وما زالت أسطر تلك الرسائل، تكشف مشاعر الرهبة التي كانت تسيطر على المبعوث الفرنسي وهو يتوسل مسؤولي الخارجية في بلاده لكي يُنهوا الصفقة، قبل موعد مغادرته للقصر.

وفي تلك الرسائل، التي اطلع عليها باحثون مغاربة أبرزهم الراحل عبد الهادي التازي، مؤرخ المملكة سابقا، كان واضحا أن الاستقبال الذي حظي به هذا المبعوث الفرنسي كان يتضمن رسائل مشفرة كثيرة، خصوصا وأنه بقي لأيام ينتظر دوره قبل الدخول عند السلطان مولاي إسماعيل. وحتى خلال الاستقبال القصير الذي خصص له، كان واضحا أن السلطان دخل في صلب الموضوع مباشرة، وطلب منه إطلاق سراح الأسرى المغاربة لدى فرنسا.

من بين الأمور التي تطرق إليها السفراء الأجانب أثناء الاستقبالات الملكية، استعراض مختلف القوات التي تعمل داخل أروقة القصر الملكي، بينها تشكيلات الحرس والخدم الذين يتوارثون تلك المهام لقرون. حتى أن الفرقة الموسيقية أثارت إعجاب سفراء أجانب، بينهم السفير البريطاني السيد «هاي»، عندما جاء بعد قرابة قرن من الزمن على أيام المولى إسماعيل، وأثنى على موهبة الحرس في قصر المولى الحسن الأول، وعرض عليه من باب المجاملات الدبلوماسية بين الدول، أن يكتب إلى القصر في لندن لكي يرسلوا مبعوثين خاصين لتكوين الحرس المغربي في عزف مقطوعات استقبال الضيوف الأجانب، وهو ما أثار إعجاب دبلوماسيين زاروا المغرب خلال فترة حياة المولى الحسن الأول، وحظوا باستقبال ملكي أبهرهم وكتبوا عنه في أرشيف دولهم.

 

قصة استقبال سيدة أمريكا الأولى.. فنانون ومشاهير في ضيافة القصر

 

رغم أن استقبال السيدة جاكلين كينيدي، زوجة الرئيس الأمريكي الراحل، وسيدة أمريكا الأولى وأكثر سيدة سكنت البيت الأبيض إثارة للجدل، لم يكن رسميا عندما زارت المغرب لقضاء عطلة في الأسبوع الثاني من شهر أكتوبر 1963، إلا أنه حظي باهتمام صحف ومجلات الموضة العالمية.

هذا الاستقبال الملكي غير الرسمي الذي حظيت به زوجة كينيدي التي اختارت المغرب، وأصدقاءها المغاربة لكي ترتاح بينهم من ضغط مهام البيت الأبيض، أثار فضول الصحافيين الأمريكيين، حتى أن مجلة «لايف» الشهيرة أفردت مقالات حول زيارة سيدة أمريكا الأولى إلى المغرب، وكيف أنها حظيت باستقبال ملكي بعيدا عن أعين الكاميرات، والتقت مع سيدات العائلة الملكية وأصدقائها المغاربة من المحيط الملكي وارتدت اللباس التقليدي المغربي.

كان الصحافيون الأمريكيون يبحثون عن أي تفاصيل لتلك الزيارة، لنشرها للقراء الأمريكيين.

يبقى موضوع الاستقبالات الملكية أحد المواضيع الأكثر إثارة، سيما أجواءها التي نُسجت عنها الحكايات ووثقت في مذكرات الأجانب والمغاربة أيضا. إذ إن فنانين ووطنيين مغاربة، بالعشرات، أفردوا في حوارات صحافية أجريت معهم، وفي مذكرات بعضهم أيضا، حيزا مهما لأجواء الاستقبالات الملكية التي أقيمت لهم، ومنهم من كانت تلك الاستقبالات تحفيزا لهم لتحقيق إنجازات أكبر، سواء في الفن أو الرياضة.

بل هناك من كانت الاستقبالات الملكية، الرسمية منها وغير الرسمية، خطوة حاسمة لهم لبدء مسار غير عادي في مجال تخصصهم، أمثال عبد الهادي بلخياط ومحمود الإدريسي وعبد الوهاب الدكالي، الذين طبعت الاستقبالات الملكية ورعاية الملك الراحل الحسن الثاني لهم، على مسار استثنائي يصعب أن يتكرر في مجال الأغنية المغربية.

وهناك رياضيون من طينة عويطة ونوال المتوكل قد تغيب عن ذاكرتهم بعض تفاصيل تتويجهم في المنصات الدولية، أثناء تحطيم الأرقام القياسية العالمية وتحقيق أخرى استثنائية، لكنهم لم ينسوا أبدا لحظات الاستقبال الملكي الذي نظمه الملك الراحل الحسن الثاني على شرفهم وكلماته المشجعة لهم، رغم مضي حوالي أربعة عقود على تلك اللحظات.

هؤلاء المشاهير المغاربة، فنانون وأبطال رياضيون وغيرهم، تحدثوا عن الاستقبالات الملكية إلى الصحافة الدولية أيضا، وهكذا ترسخ في الإعلام المحلي والأجنبي أن تلك الاستقبالات كانت دائما حدثا استثنائيا يُسلط عليه الضوء في الداخل والخارج، ولم يبدأ مع سيدة أمريكا الأولى، أيام بداية حكم الملك الراحل الحسن الثاني، بل يبقى طقسا ضاربا في القدم يعود إلى قرون خلت.

بين الترقب والطقوس المخزنية.. أجواء استقبال دبلوماسيين إنجليز في قصر الحسن الأول سنة 1887

يبقى الصحافي البريطاني «والتر هاريس» الراحل، الذي توفي سنة 1933، أشهر أجنبي كتب عن أجواء القصور الملكية في المغرب، خصوصا وأنه كان صديقا مقربا من السلطان المولى عبد العزيز ما بين سنة 1894 وصولا إلى سنة 1906 تقريبا، عندما تحتم عليه أن يبتعد عن «المخْزن»، بسبب دسائس القصر والعداوات مع الوزراء والمخزنيين المغاربة.

لكن هناك جانبا منسيا من «مغامرات» هذا الصحافي، يتعلق بالمرة الأولى التي دخل فيها إلى القصر الملكي في فاس، أيام المولى الحسن الأول، حيث زار المغرب ما بين سنتي 1887 و1889، مع وفد دبلوماسي رسمي بريطاني لتبليغ رسالة ملكية من بريطانيا إلى المولى الحسن الأول، وتقديم هدايا باسم القصر في لندن إلى القصر الملكي في فاس، عربون صداقة بين البلدين.

كتب هذا الصحافي مذكرات تطرق فيها إلى هذه الزيارة وجوانب أخرى، عنونها كالآتي: «The Land of an African Sultan». هنا نُترجم أقوى ما جاء في وصفه للحظات الاستعداد للاستقبال الملكي، إلى العربية:

«في البداية، بعد مرور بعض القواد ووراءهم حملة الأعلام، مر السيد وليام كيربي غرين وزوجته فوق الأحصنة، متبوعين بالسيدات وأعضاء الوفد الرسمي في البعثة الدبلوماسية. ثم بعدهم مر «غير الرسميين». بعد المضي قدما فوق الخيول لنحو عشر دقائق، كنا نتخذ طريقا وسط صفين من الجنود بعضهم يتسلقون ظهور آخرين، وبمجرد مرورنا أمامهم كانوا يتساقطون أرضا. سقوطهم كان يثير الغبار، وزاد الوضع سوءا حرارة الجو. كان المشهد عظيما ويحيل على طقوس الشرق.

كان رأس المسيرة يمثله قائد الحراس، وكان وراءه حملة العلم المغربي الأحمر الذي كان مصدر رعب كبير للسفن التجارية الأوروبية.

مُنحت لنا ثلاثة أيام، قبل بدء أي مفاوضات أو عمل، لكي نرتاح داخل القصر الملكي لاستعادة عافيتنا وراحتنا، جراء رحلتنا المتعبة والساخنة.

ولم يتم استقبالنا من طرف السلطان، إلا في يوم الأربعاء.

تم إخبارنا منذ اليوم الأول لوصولنا إلى المدينة أن جلالته سيكون سعيدا جدا باستقبالنا في ذلك اليوم، لذلك قضينا يومي الاثنين والثلاثاء في تجهيز لباسنا الرسمي، وتلميع الأحذية والسيوف.

كانا يومين ممتعين كفاية. قضينا أغلب الوقت خلالهما في الاستمتاع بظلال الحديقة، حيث كنا في الحقيقة نُقيم. حيث لم نكن فقط نجلس تحت الأشجار، بل كنا نأخذ كل وجباتنا ومشروباتنا إلى الهواء الطلق.

لكن جاء يوم الأربعاء بصخبه وإثارته، استيقظنا صباحا مبكرا، لأن موعد الاستقبال الذي أبلغنا به حُدد قرابة الثامنة صباحا، حتى نتجنب الحرارة الشديدة خلال النهار وشمس الظهيرة.

قبل أن نتجه إلى «القبة الصغيرة»، حيث كان مقررا أن تتم مراسيم الاستقبال، قدم لنا فطور خفيف، وقبل الثامنة صباحا بربع ساعة، ركبنا على ظهر الخيول. كان المنظر في الحديقة مبهرا. كان مشهد أشجار الزيتون يبدو مختلفا عن منظر اليومين، اللذين قضيناهما في الحديقة. كما أنها كانت تغص بالرجال المسلحين، ليس فقط الذين أعطيناهم لباس الحرب لدينا، بل أيضا بعض المغاربة الذين كانت مهمتهم خفر موكبنا إلى لقاء السلطان.

طُلب منا أن نقف في صف طويل. كان الوزير أمامنا على بُعد خطوات، يحمل في يده رسائل الاعتماد الملفوفة بعناية في غطاء حريري جميل.

أمامنا على بعد حوالي مائة ياردة من جدار الساحة، كان هناك طريق تؤدي إلى الباب الكبير الأخضر، وهو المُفضي إلى قلب القصر. وهو نموذج على المعمار المغربي (..) كان لدينا الوقت الكافي لتأمل الأرجاء حولنا قبل أن تبدأ مراسيم ذلك اليوم. ووصلنا جميعا إلى هذه الخلاصة: عليك احترام المغاربة مهما كانت الظروف، وسوف تأمن العواقب مهما كانت (..).

ما إن دخل الموكب الملكي إلى القاعة، حتى صاحت قوات الجنود في الأرجاء: «أطال الله عمر السلطان. نصر الله السلطان». كانت شعارات جميلة تنبعث من حناجر أزيد من مائتي رجل.

ما إن اقترب السلطان، حتى أصبح المجندون الذين ذكرتهم في الأعلى، بيننا وبين القصر. قاموا جميعا بالركوع وصاحوا معلنين ظهور السلطان، ثم فجأة استداروا نحونا وبدؤوا ينتشرون في كل الاتجاهات. كان مجرد ظهور السلطان يبعث الرهبة.

اقترب السلطان وتحدث إلى الوزير ويليام، الذي تم تقديمه إلى السلطان بصوت أحد المخزنيين، الذي صاح: «سفير ملكة بريطانيا».

رحب به جلالة السلطان ببضع كلمات، ورد الوزير ببعض عبارات المجاملة. وبعده أشار السلطان إلى أنه «يأمل أن تمتد العلاقات الأخوية بين المملكة المغربية ومملكة بريطانيا، وتتواصل». عندما انتهى معالي الوزير من خطابه، تكلم السلطان وقال إنه يتمنى أن رحلتنا إلى قصره قد كانت ممتعة، وإننا وجدنا كل شيء مُرضيا. ثم طلب أن يتم تقديم أعضاء الوفد إليه، وتقدمنا نحوه على انفراد بالدور.

وعندما انتهى تقديمنا إلى السلطان واحدا واحدا، تم إحضار «المهور» الصغيرة، وقد لاقت استحسانا كبيرا، لأنها كانت غير معروفة عند المغاربة ولم يكونوا معتادين على ضآلة حجمها.

كان السلطان قد عبر عن إعجابه بلباس «كوتسي» الألباني، أعجب به إعجابا كبيرا لأنه لم يره من قبل. وسأل أسئلة عن أصله وجنسيته. وبعدها قام بوداعنا وشكرنا على الهدية، واستدار عائدا إلى داخل القصر. وبعد دقائق قليلة قضيناها في الدردشة مع الموظفين الرسميين في القصر، انضمت إلينا النساء اللواتي تابعن المراسيم من بعيد، وسط فوضى من ضجيج الأبواق التي كانت تعزف أثناء طقوس الاستقبال، وارتحن عندما وصلن إلى الظلال الباردة لحديقة القصر».

 

 

 

جاسوسة أمريكية وزوجة رئيس وزراء إسبانيا تصف أجواء استقبال ملكي سنة 1971

يتعلق الأمر بالسيدة «آلين غريفيث»، الأمريكية التي درست الصحافة، قبل أن يتم استقطابها من طرف الاستخبارات المركزية الأمريكية لكي تعمل جاسوسة في إسبانيا تحت غطاء عالم «عرض الأزياء»، حتى أنها حصلت على لقب أكثر نساء العالم أناقة وكست صورها المجلات.

ولأنها كانت أجمل امرأة في إسبانيا، فقد تزوجها ابن أسرة ثرية مقربة من الجنرال فرانكو، بعد الحرب العالمية الثانية، وتقاعدت من عالم المخابرات وأصبح زوجها رئيس وزراء إسبانيا.

كانت لدى «آلين» صداقات متينة في المغرب في ستينيات القرن الماضي، مع عائلات من محيط الملك الراحل الحسن الثاني.

وهكذا عندما كانت تحل في المغرب، فقد كانت تحضر حفلات عشاء داخل القصر الملكي في الرباط أو مراكش أو فاس. وأحيانا كانت تحضر، مثل ما حكت في مذكراتها «The Spy wore silk»، أنشطة رياضة الصيد التي يقيمها الملك الراحل الحسن الثاني بين الفينة والأخرى على شرف ضيوفه الأجانب.

في سنة 1970 جاءت «آلين» مع زوجها رئيس الوزراء في زيارة إلى الرباط، وتلقت دعوة من إحدى صديقاتها المغربيات لكي تحضر حفل افتتاح أحد المحلات التجارية الفاخرة التي أقامتها صديقتها المغربية. ثم بعد ذلك تلقت «آلين» رفقة ابنة الجنرال فرانكو، دعوة رسمية من القصر الملكي في الرباط لحضور جولة صيد في الجنوب المغربي، وأوكل أمر رعاية الضيفتين المميزتين إلى الكولونيل المذبوح، أشهرا قليلة فقط قبل المحاولة الانقلابية بقصر الصخيرات، وهو ما تناولته «آلين» في مذكراتها.

بالعودة إلى رحلة الصيد، تحدثت آلين عن أجواء الاستقبال الملكي الذي أقامه الملك الراحل الحسن الثاني لضيوفه الذين كانوا ينتظرون وصوله إلى مكان الحفل، ووصفت بدقة في كتابها كيف أن الضيوف الأجانب، وبينهم مشاهير سينما، انبهروا بالهالة التي كانت تحيط بالملك الحسن الثاني، والطريقة التي تتغير بها أجواء المكان بسرعة بمجرد ما أن وصل إليه الملك.

لم يفت «آلين» أيضا أن تتحدث عن دقة مراسيم الاستقبال والطقوس المخزنية والنظام، أثناء عملية استقبال الضيوف وتقدمهم لتحية الملك الحسن الثاني، حتى أنها لاحظت علامات الانبهار والإعجاب تعلو ملامح مشاهير السينما الفرنسية وبعض الأمريكيين من رجال الأعمال، وكلهم كانوا ضيوف الملك خلال رحلة الصيد في جنوب المغرب، والتي أقيمت على شرف ابنة الجنرال فرانكو.

تقول السيدة آلين في كتابها، إن حفل عشاء تلى ذلك الاستقبال الملكي في الهواء الطلق، أثناء فصل الصيف، وكانت طقوس العشاء هي الأخرى مناسبة لإثارة إعجاب ضيوف القصر الملكي الأجانب. ورغم أن لقاء هؤلاء الضيوف بالملك كان قصيرا، إلا أنهم كانوا يتسابقون لالتقاط الصور معه، خصوصا وأنه ظهر خلال العشاء متحررا من البروتوكول، وفضل تحية ضيوفه بنفسه وسؤالهم عن رأيهم في الجولة التي تعرفوا فيها على مدن ورزازات، تنغير ومراكش.

المثير في مذكرات هذه السيدة الأمريكية، أنها تحدثت عن الكولونيل المذبوح، الذي كان مشرفا على البروتوكول الملكي، وكيف أنه كان يضبط إيقاع عمليات الاستقبال والطقوس الملكية ولا يتساهل مع موظفيه. إذ قالت آلين إن الكولونيل كان ينظر بحزم إلى موظفي الاستقبال ويوجه التعليمات في كل حين، ويتفقد بنفسه أماكن وقوف الحراس ومواقعهم. وقالت أيضا إنه لم يكن يتساهل مع الأخطاء أو الهفوات، ويشرف بنفسه على تفقد كل التفاصيل بين الفينة والأخرى، عندما كان الضيوف الأجانب ينتظرون وصول الملك الحسن الثاني إلى حفل الاستقبال.

 

 

موظفو ليوطي اشتكوا من طقوس استقبال المولى يوسف لهم

عندما جلس المولى يوسف على العرش سنة 1912، كانت الإدارة الفرنسية الجديدة في المغرب تحاول تطبيق بنود معاهدة الحماية التي وقعها سلفه المولى عبد الحفيظ، في قصر فاس.

ومن بين تداعيات التوقيع على تلك الوثيقة، أن القصر الملكي، سواء في فاس أو في الرباط، أصبح وجهة مفضلة للمقيم العام ليوطي وموظفيه لعرض عشرات الوثائق الإدارية على السلطان، في انتظار التأشير عليها.

وكانت العملية تتم وفق الطقوس المخزنية والاستقبالات الرسمية الضاربة في القدم.

إذ إن السلطان مولاي يوسف اشتهر في أوساط الفرنسيين بأنه رجل محافظ، ولا يقبل أبدا الخروج عن الطقوس المرعية تحت أي ظرف كان.

وهو ما كان يشتكي منه أعوان المقيم العام ليوطي، إذ إن توقيع الوثائق التي بموجبها تم تأسيس الإدارات الفرنسية في المغرب بموجب «الحماية»، كان يمر عبر مجموعة من الطقوس وصالونات الانتظار، قبل أن يحظى المقيم العام أو نائبه بفرصة لقاء السلطان لدقائق فقط.

كما أن الوثائق التي ترفع إلى مكتب السلطان مولاي يوسف بالطريقة الإدارية المتعارف عليها، كانت تمر عبر موظفي القصر وتنتظر لأيام قبل أن تُعرض على السلطان.

ورغم أن السلطات الإدارية الفرنسية كانت تحاول زرع أعين لها داخل مكاتب القصر الملكي في الرباط، إلا أن أغلب المخزنيين وموظفي القصر الملكي كانوا مخلصين للطقوس المخزنية المرعية.

حتى أن عددا من موظفي الإدارة الفرنسية القدامى كتبوا في مذكراتهم عن الرهبة التي كانت تتملكهم أيام المولى يوسف، وهم ينتظرون فرصة الدخول إلى القصر الملكي للقاء السلطان ووزرائه، أمثال الحاج المقري والمعمري واعبابو. وكل هؤلاء كانوا يسهرون مع آخرين، أمثال الحجوي وبعض أبناء عمومة السلطان، على الاستقبالات وضيوف القصر الملكي من شخصيات أجنبية، انبهرت بالمعمار داخل قاعات القصر الملكي وتقاليد الضيافة المغربية.

 

 

عندما وُصف الحسن الثاني بمُجدد طقوس الاستقبالات «السلطانية»

عندما زار الملك الراحل الحسن الثاني الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1963، وبعد أن استقبله الرئيس كينيدي، أحد أكثر الرؤساء شعبية في تاريخ الولايات المتحدة، استقبالا أسطوريا كتبت عنه كل الصحف والمجلات الأمريكية ووثقت له كبريات المنابر بالصوت والصورة، ترك ذلك الاستقبال انطباعا كبيرا لدى الملك الراحل الحسن الثاني، سيما وأن الرئيس كينيدي أقام أنشطة احتفالية على شرف الملك.

كان هناك عملاء من الاستخبارات الأمريكية

«CIA» يواكبون محطات الزيارة والاستقبال والحشود الكبيرة من الأمريكيين، الذين خرجوا لرؤية ملك المغرب مستقلا السيارة المكشوفة مع الرئيس كينيدي، أو رؤيتهما معا وهما يتجولان بالقرب من ناطحات السحاب، أو يدلفان إلى بناية شاهقة.

وهكذا عندما عاد الملك الحسن الثاني من تلك الزيارة التاريخية، نصحه الأمريكيون، من خلال قناة عملاء «CIA»، بالتنسيق مع السفير الأمريكي في الرباط، أن يتخذ احتياطات عصرية لتغطية التنقلات والاستقبالات الملكية التي كانت مراسيمها تعود إلى قرون خلت.

إذ إن الملك الراحل الحسن الثاني ورث عن والده الراحل السلطان محمد بن يوسف، طقوسا مخزنية ضاربة في التاريخ، تتعلق بمراسيم الاستقبالات الرسمية، خصوصا عندما يتعلق الأمر برؤساء الدول الأجنبية.

ورغم أن بعض التحديثات قد دخلت على أنشطة الاستقبالات مثل حفلات العشاء وجلسات الشاي، باقتراح من الإدارة الفرنسية، أثناء زيارة الشخصيات الفرنسية الرسمية للملك الراحل محمد الخامس داخل القصر الملكي، سيما في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي .. إلا أنها تبقى تعديلات على «الطريقة الفرنسية» التي لم يكن يفضلها الأمريكيون بكل تأكيد.

وبما أن الأمريكيين كانوا يقودون العالم الجديد، فقد كانوا ينظرون إلى الأنشطة الفرنسية بشيء من الازدراء.

وهكذا، فقد كان الملك الراحل الحسن الثاني ميالا إلى إدخال تحديثات كثيرة على التقاليد التي ورثها داخل القصور الملكية، وأدخل بنفسه عددا من التعديلات على البروتوكول، وأصبح القصر الملكي في الرباط سباقا إلى إجراء استقبالات ملكية عصرية، شوهد خلالها الملك الراحل الحسن الثاني وهو يقود سيارته بنفسه مصطحبا ضيوفه من رؤساء الدول، أو الملوك، خصوصا الملك الأردني، أو سفراء أجانب، ويزاول معهم الرياضة، سيما «الغولف» أو ركوب الخيل، وأنشطة أخرى مثل زيارة الأماكن التاريخية، أو الجولات داخل القصور الملكية والمنشآت.

لذلك كان الوصف الذي أطلقه موظفو الخارجية الأمريكية في ستينيات القرن الماضي، على الملك الراحل الحسن الثاني باعتباره «مُجددا لطقوس الاستقبالات»، يلخص المرحلة بأكملها، وهو ما أكده موظف الاستخبارات الأمريكية السابق «ويليام بلوم»، الذي زار المغرب مرات كثيرة، ويعتبره خبراء هذا الجهاز أحد أكثر المتمرسين خبرة، خصوصا وأنه راكم علاقات في عواصم عربية كثيرة والتقى بالملوك والرؤساء العرب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى