الرأي

الباكلوريا والغش

زينب بنموسى

كالعادة في السنوات الأخيرة ما إن يحل موسم امتحانات الباكالوريا حتى يحل معه موعد اكتساح وسائل التواصل الاجتماعي بفيديوهات مستفزة، وتصريحات مؤسفة للتلاميذ الذين يجتازون الامتحانات وأحيانا حتى لذويهم.
أصبح من العادي، بل و«المضحك» أن يصرح تلميذ للكاميرا أنه استطاع الغش بسهولة في الامتحانات، أو يحتج ولي أمر أمام الميكروفون لأن الأستاذ المكلف بالحراسة «كان قاصح» وماخلاليهش ولدو مسكين ينقل!
الفيديوهات تنتشر كل سنة بنفس الوتيرة، ويقابلها الجمهور بنفس الاستهزاء والضحك دون أن تكلف الوزارة الوصية نفسها عناء فتح تحقيق لمعرفة ملابسات تصويرها، تحديد أماكن الظاهرين فيها، والاستقصاء عما يحدث فعلا داخل قاعات الامتحان، كأن الموضوع تافه ولا يستحق أي مجهود، وكأن «السير العادي للامتحانات» لا يتأثر بمثل هذه الممارسات التي يعترف أصحابها بوجوه مكشوفة أمام الكاميرات.
صراحة، لا أفهم ما المضحك أو الممتع بشأن تصريحات تلاميذ الباكالوريا على «النقلة» بكل أريحية؛ وأسف الأمهات للظروف الصعبة التي تمر فيها الامتحانات، والنوع الشرير من الأساتذة الذي لا يسمح لولاد الشعب بالغش. ما الممتع في قصة تلميذ يذهب صباح مساء إلى  المؤسسة التعليمية، ثم يعجز عن الإجابة على أسئلة الامتحان «حيت ما قراوهاليهش»، وأين النكتة في أن ترى طلابا جامعيين مستقبليين يعترفون بأنهم لولا «النقلة» لما اجتازوا مستوى الباكالوريا، ثم تراهم بعدها بثلاث سنوات معتصمين أمام البرلمان؛ أو في أحد البرامج التلفزية الأجنبية كايعاود كيفاش الدولة ما عطاتهوم والو. وكيف لا يخجل الآباء والأمهات الذين من المفترض أن يكونوا أول المشرفين على أخلاق ومبادئ أبنائهم من الحديث عن الغش في الامتحانات كظاهرة عادية ومستحبة، والفخر لأنهم قاموا بتربية أطفال غشاشين؟
ما يحصل يظهر أن هناك خلطا جللا في المفاهيم يحصل في هذا الوطن، وتطبيعا خطيرا من طرف المجتمع بجميع أطيافه مع ظواهر كانت تعتبر في الأمس القريب عيبا، وجهلا كبيرا بالأخلاق والمبادئ من طرف المواطنين كبيرا وصغيرا، خصوصا منهم الطبقة التي أطلقت على نفسها اسم «ولاد الشعب» بحال إلى لوخرين غير تسلفناهم من شي كوكب وحداخور.
فإذا قارنت بين الفيديوهات المصورة لشي «ولد الشعب»، والفيديوهات التي يظهر فيها أحد من يسميهم هذا الأخير «ولاد الفشوش» تجد فرقا صارخا في المستوى، تلميذ يتحدث بسلاسة عن الامتحان وأجوائه ويتأسف لعدم وجود تناسق بين دروس الفيزياء والرياضيات، مقابل تلميذ آخر مر من نفس المستويات التعليمية التي مر منها الأول، وربما ينتميان إلى نفس المؤسسة التعليمية، يتحدث عن النقلة ويطلب من الأساتذة المكلفين بالحراسة «يديروا عين ميكة» لأنه سبق أن تضامن معهم في قضية الأساتذة المتعاقدين!
الكارثة أن الاثنين سينجحان في امتحان الباكالوريا كل بطريقته، وسيلجان ربما نفس الجامعة، وقريبا سيجد التلميذ الأول نفسه يتشارك نفس مقعد الماستر مع التلميذ الثاني الذي سيواصل طبعا مسيرته في الغش، وهذا ما نعيشه حاليا في قضايا الفساد الجامعي التي يشارك فيها أحيانا حتى الأساتذة الجامعيون، ونسمع عنه-ونراه- في ممارسات طلبة يعدون البحوث طوال السنة بأنفسهم، ويستعينون بالهواتف خلال الامتحانات لأنهم اعتادوا الاتكالية والغش ولم ينههم أحد عن ذلك.
هذه الظاهرة مضرة بصورة وزارة التعليم ككل، بالتلميذ الغشاش لي كايطلع خاوي  وبزميله المجتهد الذي يجد نفسه لاحقا موضوعا في نفس الكفة مع غيره، لكن على الأقل إذا لم نستطع أن نحاربها، فيجب ألا نطبع معها، وكي يحدث ذلك على الوزارة الوصية أن تفتح تحقيقا عاجلا بشأن ما يحدث داخل قاعات الامتحانات ومحاسبة جميع «الغشاشين» الظاهرين في الفيديوهات ومعهم من يحابيهم من الأساتذة، ثم أخذ إجراءات من شأنها أن تحد نهائيا من هذه الممارسات وتضمن تكافؤ فرص حقيقيا في المباريات. كاشتراط «شهادة شرف» تسلم من طرف المؤسسات تثبت أن التلميذ أو الطالب لم يسبق أن ضبط في حالة غش. باش هاكا حتى لي وقف احتج أمام البرلمان، أو فشي برنامج نعرفوه كفؤ ومظلوم، ماشي باغيها ساهلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى