حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأيالرئيسية

التخلص من الدولة الديكتاتورية

يجب فهم عمل الصحابة والحواريين وهم يتحملون العذاب، من أجل ولادة صحية لدولة راشدية. والفرق بين الإسلام والمسيحية أن فترة الحضانة في الإسلام لم تحتج إلى أكثر من 13 سنة، بينما احتاجت لنضج المسيحية إلى ثلاثة قرون؛ وهو مغزى قصة أصحاب الكهف، فلبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين، فولدت في الإسلام ولادة صحيحة، وفي المسيحية أنجبت غلاما بأخطاء وراثية. والسبب جيوبوليتيكي، وهو أن الإسلام خرج في وسط قبلي فبنى منهم الدولة، في حين خرجت المسيحية ضمن نطاق الإمبراطورية الرومانية في دولة منظمة، فاحتاجت قرونا ثلاثة. والله أعلم حيث يجعل رسالته.

والمشكلة ليست الوصول إلى الدولة، بل طبيعة الدولة التي سوف تولد. والفلسطينيون أقاموا دولتين في الوقت الراهن بين غزة المختنقة، وسلطة الضفة المتعاونة مع مخابرات الموساد. وهكذا فقد تلمظوا طويلا لإقامة دولة، لتخرج عليهم في النهاية بكارثة بولادة دول عربية قمعية، مثل نسخ الدول العربية من نماذج صدام المصدوم إلى البراميلي المعتوه إلى حفتر بالتراب معفر.

وفي ضوء هذا المفهوم تجب قراءة قصة صراع ولدي آدم في القرآن، الذي رفض فيه هابيل استخدام القوة المسلحة، وآثر الموت دون أن يدافع عن نفسه «لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك، إني أخاف الله رب العالمين».

والتفريق بين مرحلة (الدعوة) و(الدولة) في غاية الأهمية، واستخدام القوة المسلحة منوط بيد الدولة. و(الجهاد) ليس وظيفة فرد أو تنظيم وحزب، والدولة في الأصل احتكرت العنف، مقابل توفير الأمن للأفراد داخلها. وبهذا يمكن اختصار مفهوم الجهاد أنه وظيفة دولة راشدية وصلت إلى الحكم برضى الناس، لرفع الظلم عن البشر أينما كانوا ودانوا والتحالف مع أي قوة عادلة، ولو كانت كافرة لاستخدامها ضد الظالمين ولو كانوا مسلمين. وهذا يعطي للجهاد بعدا إنسانيا مفهوما، فصدام هرب وقد فتح المصحف على سورة «الحجر». وشرودر، الرئيس الألماني، لم يفتح القرآن قط، ولكن الأول ظالم والثاني عادل.

ومنه نفهم أن التغيير الاجتماعي الداخلي يجب أن يتم دون استخدام القوة المسلحة، لشعور الأنبياء أن هذا هو الطريق للتغيير الفعلي، في حين أن الإطاحة بالأنظمة بالقوة المسلحة بأسلوبها نفسه تغير الشكل وتحافظ على الاستبداد. وإزالة القوة بالقوة تبدل الوضع إلى الوقوع في حبال قوة جديدة، وتبقى الأمور بدون تغيير فعلي. ومنه نفهم لماذا نهى المسيح بطرس عن استعمال سيفه، بقوله: من أخذ السيف بالسيف يهلك. ومن أعجب ما رأينا في التاريخ حروب صليبية باسم المسيح تشن في سبع حملات، لمدة 171 سنة.

وما فعله الرفاق الثوريون في العالم العربي هو إعادة إنتاج الفيلم المضحك المبكي نفسه، فلم تزدد الأمور إلا بؤسا. وهو الذي حصل في تاريخنا في مسلسل دموي محموم من قنص السلطة، ثم التصديق عليها من فقهاء مرتزقة.

وبعد الحياة الراشدية انقسم المجتمع الإسلامي إلى ثلاث فرق يضمهم مذهب الإيمان بالقتل لتغيير الأوضاع. هكذا قام الخوارج بالتمرد المسلح، وهكذا خطف الأمويون تفاحة السلطة وحكموا بالسيف. وهكذا قام الشيعة بانقلابات مسلحة وبناء دول شيعية تحكم بالسيف، ولكن الخلافة الراشدة لم تعد قط.

 ولو أمكن للخلافة الراشدة أن تؤسس الطريقة الأمريكية فيحكم الرئيس أربع سنوات، ثم أربعا، ثم يمشي إلى بيته، لنضجت الحياة الإسلامية على نحو أفضل.

وإذا فهمنا أن التغيير الداخلي يجب أن يتم سلميا، فإننا سوف نواجه باستعصاء في فهم علاقات الدول. فقد روى لنا التاريخ أنه مع بزوغ الحضارة الإنسانية قبل ستة آلاف سنة بدأت الحرب، وكانت كل جولة أشد هولا في إيقاعها من التي قبلها. وبين عام 1496 قبل الميلاد وعام 1861 بعد الميلاد، أي خلال 3357 عاما، كان هناك 227 عاما انتشر فيها السلام و3230 عاما وقعت فيها الحروب. وهذا يعني أنه كان هناك عام واحد للسلام، مقابل 13 عاما للحرب. وبين عامي 1740 و1974 ميلادي حصل في العالم 366 نزاعا مسلحا، أودت بحياة ما يزيد على 85 مليون إنسان، فهل هذا قدر لا يرد، أم ثقافة مصنوعة؟

ولفهم هذه الإشكالية نقول إن الدولة سيطرت على الأفراد داخلها، ولكن لم يوجد ما يسيطر على الدول كما سيطرت الدولة على الأفراد، وهو السر في نشوب الحروب في التاريخ. فالحرب كانت نزاعات بين الدول أو عند تفككها. ومع استخدام السلاح النووي وصل البشر إلى نهاية رحلة القوة، وهي حقيقة يعرفها الغرب ولم يستوعبها العالم الإسلامي، وما زال يشتري سلاحا ميتا لا يضر ولا ينفع. وهذا يوصلنا إلى خلاصة هامة، وهي أن العنف بين الدول في طريقه إلى الإلغاء، كما تمكنت الدولة أن تفعل هذا للأفراد. وحرب أوكرانيا بدأها بوتين.

وأهمية التغيير السلمي تنبع من فهم نفسية الإنسان، فالعنف قد يقهره، ولكن لا يأخذ قناعته والعنف يهيء لعنف أكبر، حتى يدرك الطرفان في النهاية أنه ليس الحل، ويطول هذا الأمر بقدر غفلة الشعوب.

لقد انتبه الكواكبي إلى هذا، قبل قرن، فكتب في طبائع الاستبداد أن التخلص من الديكتاتورية يحتاج إلى ثلاث قواعد: إحساس بالحاجة إلى الحرية، وأن يتم هذا سلميا وبالتدريج، وأخيرا تهيئة ما يستبدل الاستبداد به.  

خالص جلبي 

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى