
ما شهدته بعض المناطق بالمغرب، من شغب وأعمال عنف خطيرة، شارك فيها قاصرون وأطفال صغار، يتطلب وقفة حقيقية لمراجعة ما وقع وطرح سؤال التربية (بالمعقول) وفق الجدية المطلوبة وليس كشعار مستهلك، لأنه من دون مساحيق تجميل أو محاولات التغطية لأسباب انتخابوية، نحن أمام فشل مريع لدور الأسرة في التربية والمراقبة، وتراجع مفزع لأدوار المدرسة العمومية، وفراغ قيمي يستدعي التدارك، والمسؤولية طبعا مشتركة والحلول يجب أن تكون كذلك بإشراك جميع الأطراف المعنية.
ومع تراكمات انشغال الأسرة بأولويات أخرى وهموم الحياة اليومية والتحولات الاقتصادية والاجتماعية، وتدهور التعليم العمومي، وعنف الشارع والتساهل مع عنف المنصات الاجتماعية والتطبيع معه، أصبحنا أمام عوامل حقيقية ساهمت في انحراف الشباب والقاصرين وحولتهم إلى أدوات طيعة في يد من يزرع الفوضى ويسقيها باليأس بدل الأمل في المستقبل والمساهمة في بناء وتقدم الوطن.
هناك خلل كبير داخل الأسرة والمدرسة، حيث فقدت الأولى دورها المحوري في التربية بفعل ضغوط الحياة، وضعف التكوين والفقر والتهميش، وغياب التواصل مع الأبناء، كما فقدت الثانية دورها في التربية قبل التعليم، وغابت عنها برامج ترسيخ قيم المواطنة، والتربية الإسلامية الحقيقية، والتدريب على الحوار، حتى أن الجميع أصبح يلهث خلف النقط والنفخ فيها وحذف تنقيط حسن السيرة والسلوك بشكل نهائي.
إن ما وقع لا شك كان رسالة للدولة، ستقوم من خلالها استباقيا بمراجعة شاملة لمجموعة من المشاريع والاستراتيجيات، كما أن الأحداث تسائلنا جميعا للمساهمة في إعادة بناء العلاقة بين التلميذ والمدرسة العمومية كفضاء للتربية والحماية من العنف والتطرف وتقدير قيمة القيم، وليس فقط التحصيل النظري التقني الذي لا يكون شخصية ولا يخلق توازنا داخل المجتمع سوى إنتاج آلات بشرية جامدة.
يجب علينا جميعا تدارك هذا الفراغ القاتل الذي يعيشه شبابنا على شتى المستويات، وعدم تركه فريسة سهلة للمنصات التحريضية كي تقوم ببرمجته على العنف والتخريب وخدمة أجندات ضيقة، بدل التربية على الأخلاق الحسنة وتجنب العدمية والسعي للتعايش والسلام.
وطبعا هناك مؤشرات في غاية الخطورة تجب معالجتها، كي نعطي المثال في الإصلاح ونساهم في توفير الأرضية المناسبة، أبرزها تقليل الفوارق الاجتماعية والعدالة المجالية، وضمان تكافؤ الفرص بين الجميع، والقطع مع مظاهر التمييع والتفاهة، والتنسيق مع الأسرة وإشراكها في برامج الرقابة من زاويتها الإيجابية وحماية أجيال المستقبل من الاقتيات على قمامة فوضى النشر والمنصات التافهة.
وختاما فإن السكن اللائق والعيش الكريم، من ركائز التربية السليمة، لذلك على الحكومة العمل على تشكيل خلايا تعمل على توفير بيئات آمنة ومحفزة داخل الأحياء الشعبية والقرى، والتوجه لإصلاح وفق استراتيجية مستمرة وليس تدابير ترقيعية ذات طابع حملاتي، مع مراعاة التحولات الاجتماعية، وخصوصية الجيل الجديد وإزالة سحابة سوء الفهم، بواسطة أشعة شمس قيمة القيم، والانفتاح الإيجابي على الشعوب والدول الأخرى، وتعزيز كل ما ينمي ويقوي الانتماء الوطني وليس فقط حشو المقررات بأشياء تقنية، مع الأخذ بعين الاعتبار خطر التراكمات وإخماد بؤر الجمر التي توجد تحت الرماد، وهذا كله يحتاج العمل ثم العمل ولا شيء غير العمل بروح وطنية عالية وشهامة التطوع ونخوة المشاركة في بناء الأجيال، وليس ذلك بغريب عن شعب مغربي يرفع التحديات وواجه أعتى أمواج الأزمات وتمكن من النجاة بالحكمة والتجربة والمعقول وإخلاص النية في القول والعمل.





