رمزي صوفيا (كاتب وصحافي عراقي):
متى تم الصفح عن عبد الحليم؟
حتى يصلح أمره غنى «العندليب»، نهاية الستينيات، القطعة الشهيرة «الماء والخضرة والوجه الحسن/ عرائس تختال في عيد الحسن»، رغبة منه في طي صفحة الخلاف مع المغرب والحسن الثاني بالخصوص. الغريب أن القطعة من تلحين بليغ حمدي الذي لحن أغنية «أرض البطولة أرض الجزائر»، أي أن بليغ لحن الأغنية التي أغضبت المغرب والأغنية التي صالحت «العندليب» مع المغرب. لم تكن الأغنية الوطنية الوحيدة التي قدمها عبد الحليم للمغرب، بل ثمة قطع أخرى تغنى بها، إذ لم يسبق أن خص بلدا عربيا بالقدر ذاته من الأغاني الذي خص به المغرب. كان الملك يرفع الكلفة في علاقته بالمطرب المصري، أحيانا كان يقود فرقته الموسيقية بنفسه في سهرات القصر، بل كان يقوم بضبط أوتار العود قبل أن يعزف عليه عبد الحليم. تكلف الملك، أيضا، بعلاج الفنان المصري في العديد من المرات. وفي آخر زيارة له للمغرب داهمه نزيف بصورة مفاجئة ومزعجة وكان الملك قلقا جدا من أجله بعد أن نقله فورا إلى المستشفى الفرنسي، وحين علم الحسن الثاني بوفاة «العندليب»، أمر بتوفير طائرة خاصة لنقل جثمانه من المستشفى إلى مصر، اتصلت بأفراد عائلة الفنان الراحل وقلت لهم إن العاهل المغربي سيتكلف بنقل جثمانه على متن طائرة خاصة، فاعتذروا لي وأكدوا أن الرئيس المصري سيرسل طائرة خاصة لنقل جثمان عبد الحليم.
هل حاولت تذويب الخلاف اعتمادا على شبكة علاقاتك؟
لا يمكن أن تتدخل في خلاف صامت بين فنان مصري والقصر، يمكن أن نقدم ملتمسا بشكل ودي في مناسبة فنية، علما أن «العندليب» نفسه كان كتب ملتمسا للحسن الثاني دون أن يتلقى أي رسالة جوابية، إلا أنه أخبرني أنه سمع صوته يتردد من جديد في إذاعة المغرب، وشرعت الصحف المغربية في إدراج أخباره، وبعدها سيسافر للمغرب بعد أن انفرجت العلاقات، علما أنه دخل القصر الملكي قبل أن أدخله.
كان «حليم» حاضرا في مقر الإذاعة أثناء انقلاب الصخيرات ونجا من الموت بأعجوبة..
أثناء الانقلاب كان «العندليب» وبعض الفنانين المصريين والمغاربة في مقر الإذاعة، طلب منه ثوار الانقلاب الفاشل أن يتحدث في الإذاعة فرفض، نظرا لعلاقته بالملك وهي علاقة إنسانية وفنية. طلب الملك الحسن الثاني من عبد الحليم تسجيل أغنية وطنية، فذهب مباشرة إلى محطة الإذاعة بالرباط للقيام بذلك، فلم يستطع حضور حفل الغداء، ولحسن حظه ولسوء حظ الضيوف، أن الانقلابيين داهموا القصر الملكي، في الوقت الذي كان عبد الحليم في مقر الإذاعة. حاول الانقلابيون إجبار الفنان المصري على قراءة بيان الانقلاب، وكان معه الملحن المغربي عبد السلام عامر الذي كان كفيفا، والذي أجبره المتمردون على قراءة البيان تحت فوهة رشاش، حين رفض عبد الحليم بشدة أن يقوم بذلك.
لماذا كان الفنانون المصريون يقبلون على المغرب؟
لأن ملك البلاد كان مضيافا وفنانا. أذكر أيضا بليغ حمدي الذي كان صديقا لأحمد الجار الله، مدير جريدة «السياسة الكويتية»، حيث جمعتنا سهرات في مطعم شهير بـ«روماندي» بشارع أنفا بالدار البيضاء، بحضور بعض نجوم الإعلام والطرب، كان المغرب في السبعينات يمارس جاذبية على الفنانين.
بعيدا عن الفن، من كان بوصلتك في بحر السياسة خلال وجودك بالمغرب؟
كما في علمكم زرت المغرب لأول مرة عام 1975، لم أكن أظن أن تلك الزيارة ستتحول إلى إقامة دائمة، جئت من أجل تغطية حدث المسيرة الخضراء إلى الأقاليم المغربية الجنوبية، فتحولت زيارتي إلى مقام واستقرار دائمين لي بربوع هذا البلد المضياف. أما بوصلتي في هذا البلد الآمن فهو أحمد بن سودة، الذي كانت تربطني به صداقة قديمة وطيدة عندما كان سفيرا للمغرب في لبنان. وهو من قدمني للحسن الثاني.
