
خلال الأسبوع الماضي، أعلن رئيس الحكومة، من تحت قبة البرلمان، عن انطلاق أولى جلسات الحوار الاجتماعي بين الحكومة والمركزيات النقابية والاتحاد العام لمقاولات المغرب، ودعا إلى الشروع في التفكير الجدي والمسؤول في كيفية مأسسة الحوار الاجتماعي ليكون عقده ملزما ومنتظما، والاتفاق على ميثاق وطني للحوار الاجتماعي يحدد حقوق وواجبات مختلف الفاعلين ويضع قواعد لهياكل ومؤسسات الحوار وينظم أساليب الاشتغال والتعاون بين مختلف الشركاء الاجتماعيين، بالإضافة إلى التداول بشأن الأولويات الاجتماعية التي تحظى باهتمام ممثلي الطبقة الشغيلة على مستوى القطاعين الخاص والعام وكذا ممثلي رجال الأعمال.. في هذا الملف تستعرض «الأخبار» أهم الملفات والأولويات المطروحة على طاولة الحوار.
إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي
أكد المشاكون في المنتدى البرلماني الدولي السادس للعدالة الاجتماعية، الذي انعقدت أشغاله خلال الأسبوع الماضي، تحت شعار «الحوار الاجتماعي ورهانات الدولة الاجتماعية»، على الحاجة الملحة لاعتماد منظور متقدم للحوار الاجتماعي لمواجهة رهانات الدولة الاجتماعية. وشدد المشاركون، في البيان الختامي الذي توج أشغال هذا المنتدى الذي نظمه مجلس المستشارين والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي تحت الرعاية الملكية، على مركزية الحوار الاجتماعي لتذليل الصعوبات والإكراهات التي قد تحول دون تحقق الهدف المنشود.
الحوار الاجتماعي والدولة الاجتماعية
أكد البيان أن الحوار الاجتماعي يعد شرطا لا محيد عنه لبناء علاقات مهنية واجتماعية قوامها الحوار والتواصل ومراعاة المصالح المتوازنة، تحقيقا لمطلب العدالة الاجتماعية، الذي يعد الهدف الأسمى لتجسيد الدولة الاجتماعية، وسجل أن بلوغ هذه الغاية، في أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، مسؤولية مشتركة تتقاسمها كل من الدولة بمنظومتها القانونية وهياكلها الإدارية، والهيئات المنتخبة بمستويها الوطني والمحلي، والشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين وفعاليات المجتمع المدني وقطاعات التنشئة الاجتماعية من تربية وتعليم وثقافة وإعلام، كل في مجال اختصاصه وتدخله.
وأوصى البيان الختامي باعتماد مقاربة منهجية فعالة وبديلة تقوم على تجديد دعائم وآليات الحوار الاجتماعي باعتباره مدخلا أساسيا لتحقيق غاية بناء الدولة الاجتماعية في معانيها السامية والإنسانية، مؤكدا على المسؤولية المركزية والمباشرة لأطراف الحوار الاجتماعي الثلاثي في تعبيد الطريق نحو بلورة علاقات اجتماعية متقدمة ومتوازنة ومسؤولة، كما أوصى بضرورة تشبع أطراف الحوار الاجتماعي، من نخب سياسية واقتصادية واجتماعية، بأخلاقيات تدبير الاختلاف والقبول بالتنازلات المتبادلة وبلورة حلول مبتكرة على قاعدة النفع المشترك، دعما للسلم الاجتماعي وحفاظا على القدرات الإنتاجية والاقتصادية للنسيج المقاولاتي، من جهة، وعلى الحقوق والمصالح الحيوية للطبقة الشغيلة من جهة ثانية.
وفي هذا الصدد، أشاد المنتدى البرلماني السادس للعدالة الاجتماعية بأهمية إشراك قوى المجتمع المدني الحية المشهود لها بديناميتها وكفاءتها ومساهمتها الفعالة في ملامسة قضايا الشغل وانتصابها كقوة اقتراحية في مجال إبداع الحلول الملائمة للحفاظ على توازن العلاقات المهنية. ومن جهة أخرى، اقترح المنتدى عددا من التوصيات ذات الصبغة الإجرائية والعملية بغية إعطاء زخم قوي لحوار اجتماعي منفتح على الفعاليات المجتمعية ومنخرط في الانشغالات التنموية للبلاد.
وهمت هذه التوصيات ترصيد أشغال ومخرجات الحوار الاجتماعي وتعزيز أسسه التنظيمية بواسطة إحداث مرصد للحوار الاجتماعي تكمن مهمته الرئيسية في تجميع البيانات والمعلومات المتعلقة بالحقل الاجتماعي وتتبعها وتحيينها وجعلها في متناول أطراف الحوار، وتخزين الوثائق المرجعية للحوار، علاوة على اضطلاعه بدور اليقظة الاجتماعية، كما همت تنظيم منتديات دراسية موضوعاتية جهوية تحت إشراف أطراف الحوار الاجتماعي لاستكشاف الحلول والإجراءات العملية الممكنة للتخفيف من ظواهر التمييز المبني على النوع الاجتماعي في ميدان الشغل وتشغيل الأطفال والحث على توفير العمل اللائق للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة وإدماجهم في المسلسل الإنتاجي على صعيد المقاولة وعلى مستوى القطاعات الإنتاجية.
وطالبت التوصيات، كذلك، بإحداث آلية للتفكير في شكل مجموعة دراسية مشتركة بين أطراف الحوار وتكليفها بمهمة اقتراح حلول وترتيبات عملية تساعد على إدماج الاقتصاد غير المنظم في النسيج الاقتصادي الوطني في أفق انتشال فئات عريضة من الأجراء من براثن الفقر والهشاشة الاجتماعية، تعزيزا للسلم الاجتماعي. كما أوصى المنتدى بإعداد برنامج عملي للتكوين بأدوات وآليات ومصادر تمويل محددة، على المدى القصير، داعيا أطراف الحوار للعمل، على المدى المتوسط، على إحداث معهد خاص بالتكوين في مجال الوساطة والحوار الاجتماعي يكون بمثابة آلية لتغذية الحوار الاجتماعي بشكل منتظم بالكفاءات والخبرات المطلوبة.
وخلصت التوصيات إلى ضرورة إشراك الجامعة ومراكز البحوث في إعداد أبحاث ودراسات تروم رصد تطور الحوار الاجتماعي، ثقافة ومنهجا وسلوكا، لدى الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين والسياسيين، داعية، من جهة أخرى، إلى إحداث جائزة «الشريك الاجتماعي والاقتصادي»، قصد تشجيع المبادرات والمقترحات الصادرة عن المنظمات المهنية والنقابية وكذا المقاولات والمشغلين، الرامية إلى تكريس الحوار الاجتماعي في جميع تجلياته، تجسيدا لقيم المواطنة.
مناخ سياسي مناسب
أكد رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، في كلمة ألقاها في الجلسة الافتتاحية للمنتدى، أن الحوار الاجتماعي في ظل دستور 2011، لم يعد ممارسة فضلى أو عرفا أخلاقيا جار به العمل، أو حتى التزاما دوليا ألزم به المغرب نفسه عن طواعية وقناعة، بل أصبح تجسيدا للديمقراطية التشاركية كإحدى الركائز المتينة التي يقوم عليها النظام الدستوري للمملكة (الفصل 1)، الذي يشدد أيضا على ضرورة إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين في إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها (الفصل 13 من الدستور)، وهو ما يجعل من الحوار الاجتماعي لبنة أساسية في ترسيخ البناء الديمقراطي، وإنعاش التنمية الاقتصادية، وتوطيد الاستقرار الاجتماعي وتوفير المناخ الملائم لجلب الاستثمار وتطوير الإنتاج الوطني وتمكين المقاولات من مواجهة التحديات الاقتصادية والظروف القاهرة خصوصا تلك التي أصبحت تفرضها الأوبئة والفيروسات.
وأوضح أخنوش أن المناخ السياسي الجديد الذي تشهده بلادنا بفعل الدينامية التنموية المتسارعة التي يقودها الملك محمد السادس، ومخرجات المسار الانتخابي الطويل ومتعدد الأصناف الذي شمل (انتخابات مجلس النواب، مجلس المستشارين، مجالس الجماعات الترابية، مجالس الغرف المهنية، والهيئات النقابية في القطاعين العام والخاص)، وما نجم عن ذلك المسار الانتخابي الديمقراطي والشفاف من تجديد جوهري لمختلف المؤسسات المنتخبة، سيساهم لا محالة في تجاوز حالة سوء الفهم التي عاش على إيقاعها الحوار الاجتماعي أخيرا، وسيهيئ دون شك الأرضية الملائمة لجيل جديد من الحوار المسؤول والتوافقات البناءة بين مختلف الأطراف المعنية، بعد دراسة دقيقة وشاملة للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
وشدد أخنوش على أن السياق السياسي الذي تعيشه البلاد يضع الحوار الاجتماعي في وضع مناسب، ليكون أفضل الآليات ولعلها الآلية الوحيدة لمعالجة مختلف القضايا الاجتماعية التي تجابه الحكومة، لاسيما في هذا الظرف الاستثنائي الذي تفرضه تداعيات فيروس كورونا وشح التساقطات، وبلورة الخيارات الاجتماعية التي تتماشى مع الأولويات الوطنية، وأضاف «لكن، لا يمكن لهذا المسعى أن يتحقق وتعود عائداته الاجتماعية على المغاربة دون أن تكون هناك إرادة جماعية تضع المصلحة العليا للوطن فوق كل اعتبار وهياكل فعالة وناجعة ومستدامة لتأطير هذا الحوار الاجتماعي بعيدا عن الصراعات المصطنعة التي أهدرت على المغاربة الكثير من الوقت والجهد كان من الممكن أن تستثمر في المجال التنموي وتعزيز ركائز الدولة الاجتماعية».
فتح حوار مع النقابات
أبرز أخنوش أن الحكومة بادرت إلى اتخاذ العديد من القرارات والمراسيم والقوانين (مراسيم التغطية الصحية والتقاعد لأصحاب المهن الحرة، مراسيم تحسين وضعية أطر التعليم…) لجعل خطاب الدولة الاجتماعية ممارسة على أرض الواقع، وتابع بالقول «ولأن هاته الحكومة تؤمن بفضيلة الحوار وهي منبثقة منه، أي أسمى حوار سياسي مجسد في الانتخابات الحرة والشفافة، فإنها بادرت خلال المئة يوم الأولى من عمرها إلى عقد حوارات قطاعية مع الهيئات النقابية خصوصا في قطاع التربية والتكوين حيث تم الاتفاق على عدد من الإجراءات ذات الصلة بمجموعة من الملفات المطروحة على طاولة الحوار والتي تهم إحداث نظام أساسي محفز وموحد يشمل جميع فئات المنظومة التربوية». وأشار رئيس الحكومة إلى الشروع في تسوية مجموعة من الملفات المطلبية ذات الأولوية. وتمت برمجة تدارس الملفات المطلبية الأخرى المطروحة من طرف النقابات الأكثر تمثيلية، والاتفاق على مواصلة الحوار بشأن ملف الأطر النظامية للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين.
ووجه رئيس الحكومة دعوة للمركزيات النقابية والاتحاد العام لمقاولات المغرب، إلى عقد جلسات الحوار الاجتماعي، للشروع في التفكير الجدي والمسؤول في كيفية مأسسة الحوار الاجتماعي ليكون عقده ملزما ومنتظما، والاتفاق على ميثاق وطني للحوار الاجتماعي يحدد حقوق وواجبات مختلف الفاعلين ويضع قواعد لهياكل ومؤسسات الحوار وينظم أساليب الاشتغال والتعاون بين مختلف الشركاء الاجتماعيين، بالإضافة إلى التداول بشأن الأولويات الاجتماعية التي تحظى باهتمام ممثلي الطبقة الشغيلة على مستوى القطاعين الخاص والعام وكذا ممثلي رجال الأعمال سواء على المدى القريب أو المتوسط أو البعيد.
وقال رئيس الحكومة «وإذ أدعو بهذه المناسبة إلى انطلاق جلسات الحوار الاجتماعي، فإنني على يقين تام بالروح والمرجعية الوطنية الصادقة التي تحكم كل مكونات هذا الحوار، وهي الروح التي تجعل من المصلحة العليا لبلدنا فوق كل اعتبار سيما ونحن أمام تحديات متعددة ومتنوعة، لا سبيل لنا جميعا أمامها إلا التعاضد والتعاون لربح رهاناتها وترسيخ السلم الاجتماعي، وبما يكفل العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية كأهم مقومات الدولة الاجتماعية».
وأكد أخنوش أن الخلفية العامة التي ستؤطر عمل الجميع هي منطق التعاون والتكامل كل من موقعه، داعيا إلى مواجهة الخصم المشترك المتمثل في الوضعية الاجتماعية لمختلف المأجورين والموظفين وكل فئات مجتمعنا عبر ربوع البلاد، مؤكدا على انفتاح الحكومة الكامل وبعيدا عن أية خلفية جاهزة إلا خلفية المصلحة العامة.
وذكر أخنوش أن التجارب الحكومية السابقة أثبتت أن استكمال أركان الدولة الاجتماعية لا يمكن أن يتم خارج إرساء قواعد منتظمة ودورية للحوار الاجتماعي، وأضاف «ولكي يتسنّى لهذا الأخير أن يضطلع بدوره كشكل من أشكال الحوار المبنية على قيمة المقاربة التشاركية كقيمة دستورية، وأن يكون ذا فاعلية في القرارات الاجتماعية والاقتصادية والتشريعية الهامة، لا بد للحكومة وكافة الشركاء الاجتماعيين أن يضعوا أيديهم في أيدي البعض في إطار احترام الواجبات الدستورية الملقاة على عاتقنا جميعا».
مأسسة الحوار الاجتماعي
أفاد أخنوش بأن الحكومة تعتزم، خلال هذه الولاية، الانتقال نحو وضع تصور جديد لمأسسة الحوار الإجتماعي وتوسيعه ليشمل قضايا مستجدة، عبر تعزيز موقع الفاعلين النقابيين الوطنيين في هذا المجال ومدهم بالإمكانات والآليات اللازمة للاشتغال وتعزيز الحق والحرية النقابيين، وتابع قائلا «إن ما نطمح إليه خلف الحوار الاجتماعي، هو المساهمة في انبثاق ميثاق اجتماعي جديد كما دعا إلى ذلك جلالة الملك، بين الحكومة والشركاء الاجتماعيين يساهم في استقرار الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ويؤدي إلى تحقيق التنمية الاجتماعية دون إلحاق الضرر بأي طرف، ودون المساس بالواجبات والحقوق المضمونة لكل شريك في الحوار»، مضيفا «وسيجد فينا الشركاء كل الدعم المطلوب لحماية الحقوق الأساسية للعامل من خلال ضمان ظروف العمل اللائقة، والحماية الاجتماعية، والمساعدة على تعميق المشاركة الديمقراطية للأطراف المعنية في الحوار، والحس التشاركي في إيجاد الحلول للقضايا الاقتصادية والاجتماعية الهامة، ومساعدة المقاولات الوطنية على تجاوز صعوبات المقاولة الناتجة عن الظروف القاهرة».
وتوجه أخنوش الى الفاعلين في الحوار الاجتماعي، للتأكيد على أن توجه الحكومة توجه صادق ومسؤول من أجل تحمل المسؤولية كاملة في جيل جديد من الحوار الاجتماعي بما يضمن التجاوب مع مطالب هذه المكونات، ولكن، في الوقت نفسه، يراعي الوضعية الصعبة التي يمر منها الاقتصاد الوطني جراء تواصل التداعيات الوخيمة لفيروس كورونا-19، وللمقدمات الصعبة التي أملتها الظروف المناخية الراهنة في المجال الفلاحي.
وأكد رئيس الحكومة أن النهوض بالحوار الاجتماعي أصبح اليوم تحديا مشتركا أمام الجميع، مشيرا إلى وجود ملفات اجتماعية ثقيلة ظلت تراوح مكانها منذ سنوات خصوصا تلك المرتبطة باستكمال تنزيل الوثيقة الدستورية التي تعاقد حولها المغاربة، والتي تحتاج اليوم إلى الكثير من الجرأة والواقعية، وتحدث، في هذا الصدد، عن القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب، بالإضافة إلى الملفات المتعلقة بتنزيل منظومة الحماية الاجتماعية والسجل الاجتماعي، والتغطية الصحية، والحزمة القانونية المتعلقة بفئات الموظفين في بعض القطاعات، والتدابير التشريعية اللازمة لتطوير منظومة الشغل والاتفاقيات الجماعية.
وأبرز أخنوش أن الإصلاحات المطلوبة بشأن منظومة التقاعد، تظل من أهم الملفات التي تقتضي رؤية وطنية موحدة، وأكد أن الحكومة ستتحلى بالشجاعة السياسية اللازمة، ولن تدخر جهدا لبلوغ رؤية توافقية مع مختلف الشركاء الاجتماعيين، كفيلة بإيجاد حلول واقعية، جدية ومستدامة للإشكاليات التي تعاني منها مختلف أنظمة التقاعد، والتي من الممكن أن تتطور في أفق الولاية المقبلة إلى وضعية عجز هيكلي دائم، وأضاف قائلا «إن هذه الحكومة لن تقبل على نفسها، مهما بلغت الكلفة السياسية، أن تعمل على توريث هذا الملف مع تعميق أزمته ورفض الحوار البناء بشأنه، كما جرت بذلك العادة خلال كل السنوات الماضية».
وخلص إلى أن هذه الملفات الاجتماعية تتطلب، بالإضافة إلى مأسسة الحوار الاجتماعي من حيث تنظيمه وإدارته وتطوير مضامينه وتأمين استمراريته وانتظامه داخل المجال المحلي والقطاعي والترابي، تغليب لغة العقل والمنطق والموضوعية وسيطرة المصلحة العامة على المصالح الخاصة والفئوية، وقبلها وجود النية الصادقة والإيمان بالحوار كأسلوب وحيد وأوحد لصناعة الحلول، وختم بالقول إن «هذه الحكومة شعارها وممارستها مع الجميع مهما اختلفنا مع بعضهم، الحوار ثم الحوار ولا شيء غير الحوار».
الميلودي المخاريق*
*الأمين العام الوطني للاتحاد المغربي للشغل
«لمسنا تجاوبا من الحكومة لمعالجة عدد من الملفات الاجتماعية وقدمنا مذكرة حول مطالبنا»
قال الميلودي المخاريق، الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل، إن «الاتحاد عبر خلال لقائه مع رئيس الحكومة عن امتعاضه من الزيادات التي همت المواد الأساسية، من محروقات وزيوت وباقي المواد الأساسية الأخرى، حيث إننا اعتبرنا أنه لا توجد مبررات للزج بالطبقات الشعبية والأيدي العاملة بين أنياب المضاربين». مؤكدا أن هذا الملف كان فاتحة الحوار بين الاتحاد المغربي للشغل والحكومة، وأن المركزية النقابية طالبت رئيس الحكومة «باتخاذ إجراءات عملية، من أجل الحفاظ على القدرة الشرائية للطبقة العاملة والفئات الشعبية»، حسب المخاريق، مبينا في تصريح لـ«الأخبار» أن «الظرفية الحالية المتسمة بالزيادة في الأسعار، هي التي فرضت أولوية مناقشة هذا الأمر، خلال جلسة اللقاء مع رئيس الحكومة».
في السياق ذاته، أوضح المخاريق أن «الاتحاد المغربي للشغل يؤمن بفضيلة الحوار الاجتماعي، غير أن لهذا الحوار قواعده وأدبياته»، معتبرا أن «الحوار الذي تريده النقابة، يحب أن يكون بناء ويفضي إلى تعاقدات، من أجل تحسين الأوضاع الاجتماعية والمهنية للشغيلة المغربية»، مشيرا إلى أن «الاتحاد دأب على المشاركة في جلسات الحوار الاجتماعي، إيمانا منه بأن الحوار والتفاوض يعتبران آلية من آليات العمل النقابي، لتحسين أوضاع الطبقة العاملة المغربية، وإرساء علاقات مهنية بين الفرقاء الاجتماعيين هدفها الرقي بعالم الشغل»، مستطردا أن تجربة الحوار الاجتماعي بالمغرب «دخلت في مأزق حقيقي، نتيجة الخلافات والتجاذبات التي طفت على الساحة الاجتماعية الوطنية في السنوات الأخيرة». وقال المخاريق إن «تجارب الحوار الاجتماعي الناجعة تنطلق أولا من توفير الإرادة السياسية الفعلية والأجواء الملائمة، واحترام وجهات نظر الشريك الاجتماعي واقتراحاته».
وشدد المخاريق على أنه «لا معنى لأي حوار لا يهدف إلى تحسين الأوضاع المادية والمهنية للطبقة العاملة، ولا يفضي إلى تعزيز المستوى المعيشي للفئات الشعبية المتضررة من الأزمة ومن التهاب الأسعار»، مبينا أن من الملفات التي يعتبرها الاتحاد المغربي للشغل من الأولويات، «مأسسة الحوار الاجتماعي من خلال إحداث لجنة عليا للحوار الاجتماعي والمفاوضة ثلاثية الأطراف، يرأسها رئيس الحكومة، وتتكون من الأمناء والكتاب العامين للمركزيات النقابية الأكثر تمثيلية، ورئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، تنعقد مرتين في السنة الأولى، المرة الأولى خلال شهري شتنبر/ أكتوبر، للتداول حول التوجهات الكبرى لمشروع قانون المالية للسنة الموالية، والثانية خلال مارس/ أبريل لتقييم وتتبع نتائج الحوار الاجتماعي على الأقل، ويعهد إلى هذه اللجنة العليا تدبير جولات الحوار الاجتماعي، برئاسة رئيس الحكومة، وتجتمع عند انطلاق جولة الحوار للاتفاق حول جدول الأعمال، وعند نهاية الجولة من أجل وضع خلاصات الحوار وتوقيع محضر اتفاق»، مبينا أنه «إلى جانب هذه اللجنة وجب إحداث لجنة القطاع العام، ولجنة القطاع الخاص، وتحديد جدولة زمنية لاستيفاء جميع النقاط المسجلة في جدول الأعمال، مع تحديد سقف زمني لكل جولة».
وبخصوص المطالب المادية والمهنية والاجتماعية للطبقة العاملة، أوضح المخاريق أن «هذه الملفات تنقسم إلى نوعين، منها المشتركة بين القطاعين العام والخاص، وتتعلق بالزيادة العامة في الأجور والرفع من الحد الأدنى للأجور، وتخفيض الضغط الضريبي على الدخل، والإعفاء الضريبي لواجبات تمدرس أطفال العمال والموظفين، ورفع الحد الأدنى للمعاشات بـ30 في المائة، وإعفائها من الضريبة على الدخل». مضيفا أن مطالب هذه الفئة أيضا «تطبيق السلم المتحرك للأسعار والأجور والمعاشات، وإلغاء الضريبة على مدخرات صناديق التقاعد، إرساء التمثيلية النقابية داخل المجالس الإدارية للمؤسسات الاجتماعية والاقتصادية، وإعفاء المتقاعدين والمسنين من ذوي المعاشات الدنيا من أداء واجبات التنقل والعلاج، وسن سياسة خدمات صحية واجتماعية لفائدتهم، بالإضافة إلى عدد من الملفات التي تضمنتها المذكرة التي تقدمنا بها إلى رئيس الحكومة». مبينا أن «الكثير من الملفات تنتظر مباشرة الحكومة لها»، معتبرا أن «هناك تجاوبا من طرف الحكومة في إبداء الرغبة في معالجة بعض الملفات، التي كانت حكومتا سعد الدين العثماني وعبد الإله بنكيران، تريدان إغراق الحركة النقابية فيها»، مشيرا إلى أن «الحكومة أبدت تجاوبا للتفاوض والنقاش حول ملف التقاعد، والمشروع المشؤوم الخاص بقانون النقابات وقانون الإضراب».
يوسف علاكوش *
* الناطق الرسمي للاتحاد العام للشغالين بالمغرب
«استئناف الحوار الاجتماعي أمر إيجابي بشرط ترجمة انتظارات الشغيلة المغربية»
قال يوسف علاكوش، عضو المكتب التنفيذي للاتحاد العام للشغالين بالمغرب، إن «انتظارات الاتحاد العام للشغالين بالمغرب من الحوار الاجتماعي مع الحكومة كبيرة، وتهم معالجة عدد من الملفات التي يحملها الاتحاد، وتمس بالدرجة الأولى الطبقة الشغيلة». وأوضح علاكوش في اتصال هاتفي مع «الأخبار» أن «استئناف الحوار الاجتماعي وفتحه من جديد مع المركزيات النقابية، أمر إيجابي، وننادي به كنقابة منذ مدة»، مبينا أن «الاتحاد العام للشغالين بالمغرب يرى في هذا الحوار، أملا في الاستجابة لملفات الطبقة العاملة المكتوية بلظى ارتفاع الأسعار وضعف القدرة الشرائية، وتنتظر من خلال الحوار الاجتماعي أن تفي الحكومة بوعودها التي سطرتها في البرنامج الحكومي، والذي التزمت فيه بتحسين دخل الطبقة الشغيلة المغربية، والاستجابة لكل مطالبها العادلة والمشروعة».
وأشار علاكوش إلى أن «الحوار المركزي لن يحسم اليوم في جولة واحدة، بل عبر لقاءات وجلسات»، معتبرا أن «فعالية الحوار الاجتماعي اليوم تتطلب مأسسته، من خلال إصدار القانون الإطار للحوار الاجتماعي، الذي سيضمن استدامته وانتظامه، بالإضافة إلى ترجمة كل القرارات السابقة إلى قرارات واقعية». وأوضح عضو المكتب التنفيذي للاتحاد العام للشغالين بالمغرب أن «الطبقة الشغيلة تنتظر تنفيذ ما تبقى من اتفاق 26 أبريل 2011، واتفاق 25 أبريل 2019، بالإضافة إلى استئناف الحوارات القطاعية المتوقفة أو المتعثرة، ناهيك عن إطلاق دينامية الحوار القطاعي في عدد من القطاعات الإنتاجية». وشدد علاكوش على أهمية ملف «الحريات النقابية في القطاع الخاص، والاهتمام بتحسين معاشات المتعاقدين»، مبينا أن «هناك انتظارات عدة للطبقة الشغيلة من الواجب أن يترجمها الحوار الاجتماعي على أرض الواقع، وهي الملفات التي تصب في ثلاثة مستويات مهمة، على رأسها تحسين الدخل، ودعم القدرة الشرائية، وحماية الحرية النقابية ومأسسة الحوار».
من جانب آخر، أوضح المسؤول النقابي ذاته أن الحوارات القطاعية في عدد من القطاعات، التي أشرفت عليها أخيرا الحكومة «هي مؤشر إيجابي من أجل مأسسة الحوار الاجتماعي، والتزام الحكومة بفتح الحوار، كما التزمت به في التصريح الحكومي»، مؤكدا أن «الهدف ليس الحوار في حد ذاته، بل إعادة الثقة بين أطراف الحوار وتعزيز هذه الثقة بين النقابات وأرباب العمل والحكومة، كل من موقعه، وهو ما قد يفضي إلى تعاقدات واضحة تستجيب لمتطلبات الطبقة والشغيلة المغربية، وأيضا انتظارات أخرى تعرفها مجموعة من القطاعات المتضررة من جائحة كورونا». معتبرا أن «الطبقة الشغيلة المغربية عانت من تداعيات أزمة كورونا، وهي اليوم تعاني من إضعاف قدرتها الشرائية من خلال ارتفاع الأسعار، وهو ما يجعل المطالبة بالزيادة في الأجور ورفع الحد الأدنى للأجور، مطلبا حاضرا بقوة خلال جولات هذا الحوار الاجتماعي».
وأشار علاكوش إلى أن «هناك العديد من القطاعات التي تنتظر عودة الحوارات القطاعية، منها ما هو متوقف ومنها ما هو متعثر، وعلى الحكومة العمل على تحريكها»، مضيفا أن «هناك عددا من الاتفاقات السابقة في عدد من القطاعات كشأن التعليم، وعلى الحكومة العمل من أجل تنزيل ما تبقى منها وأجرأة ما جاء فيها، والعمل على استدامة الحوارات الاجتماعية القطاعية والحوار الاجتماعي المركزي، لتقديم الحلول العملية لعدد من ملفات وانتظارات الطبقة والشغيلة المغربية».
العلمي هوير*
*نائب الأمين العام للكونفيدرالية الديمقراطية للشغل
«ملفات ثقيلة على طاولة الحوار مع الحكومة والمأسسة ضرورة ملحة»
اعتبر العلمي الهوير، نائب الكاتب العام الوطني للكونفيدرالية الديمقراطية للشغل، أن «العودة للحديث عن مأسسة الحوار الاجتماعي، هي محاولة تجاوز نتائج السنوات العشر الماضية، التي سجلنا فيها إرادة لدى الحكومتين السابقتين في تدمير الحوار الاجتماعي، حيث لم تتم مأسسة الحوار الاجتماعي خلال تلك السنوات العشر»، حسب المتحدث، الذي أشار في تصريح لـ «الأخبار» إلى أن «الاتفاق الأخير الذي تم توقيعه مع النقابات في أبريل من سنة 2019 لم يتم فيه التأكيد على ضرورة مأسسة الحوار الاجتماعي، وقد نبهنا إلى هذا الأمر، ورفضنا توقيع الاتفاق»، مبينا أنه «من الصحي الحديث اليوم عن مأسسة الحوار الاجتماعي، من خلال قانون إطار ينظمه ويحدد المؤسسة التي ستشرف على متابعته واحترامه من الأطراف المعنية»، مضيفا أن «السياق الحالي يفرض أولوية مناقشة عدد من الملفات على رأسها ارتفاع الأسعار، وتهديدها للقدرة الشرائية للمواطنين، في الوقت الذي تبدو المبررات الدولية لهذه الزيادات غير مفهومة لدى عامة المواطنين، وهو الأمر الذي يتطلب من الحكومة حماية جيوب المواطنين وقدرتهم الشرائية، وهذا ما نعتبره دور الحكومة، وأولى النقاط الأساسية»، موضحا أن «الحوار الاجتماعي، حتى يكون حوارا حقيقيا، يجب أن يجيب عن انتظارات وقلق المواطنين ».
في السياق ذاته، أشار المسؤول النقابي إلى أن «النقابات ترافع على حماية القدرة الشرائية للموظفين والأجراء، وتقدم اقتراحات خلال الحوار الاجتماعي مع باقي الأطراف بشأنها»، مبينا أن «النقابة تقترح لتجاوز نسبة التضخم العالية وآثارها على المواطنين، تحسين دخل الأجراء والموظفين، وحماية القدرة الشرائية من خلال الحد من ارتفاع الأسعار، عبر آليتين هما تحسين الدخل والرفع من الأجور من جهة بالإضافة إلى تخفيف العبء الضريبي، على اعتبار أن الموظفين والأجراء هم الذين يؤدون الضريبة على الدخل من المنبع، وهو ما يخلف ضغطا جبائيا، كما يجب الضرب بقوة على يد المضاربين في الأسعار في عز الأزمة الحالية»، يشير هوير، مضيفا أن «من المقترحات التي قدمتها أيضا الكونفيدرالية لتجاوز الأزمة الحالية، معالجة مشكل ارتفاع المحروقات من خلال إعادة تشغيل مصفاة «لاسامير» وتقنين سوق المحروقات كما كان الشأن في السابق بالنسبة لسوق الاتصالات، حيث تم إحداث الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات، وهو نفس الإجراء الذي نطالب به بالنسبة لقطاع المحروقات».
وشرح هوير أن الملفات التي تعرضها نقابته أيضا على طاولة الحوار هي «نقطة الهجوم على الحريات والحقوق النقابية، حيث تم تسجيل تسريحات كبيرة للأجراء والعمال في عدد من القطاعات التي حصلت على دعم الحكومة، ومنذ بداية الجائحة، تحت ذرائع واهية، وهو الأمر الذي دفعنا إلى مطالبة الحكومة بالوقوف على هذه الخروقات والتسريحات غير القانونية، علما أننا توصلنا بمئات الملفات المتعلقة بهذه التظلمات، وقد وجهنا مراسلات متعددة للسلطات المحلية ومفتشي الشغل للوقوف على هذه المخالفات»، معتبرا أن «هناك هجوما على العمل النقابي يتطلب تدخلا من الحكومة»، مشددا على أن «عددا من القطاعات تتطلب مفاوضات جماعية لتجاوز الوضع الاجتماعي الصعب، وإن كانت هناك اتفاقات مرحلية في عدد من القطاعات كالتعليم والصحة»، مبينا أن «من الملفات التي يجب معالجتها، ملف إصلاح التقاعد، بعد ما سمي في عهد الحكومتين السابقتين بإصلاح لهذه الصناديق، وهو في الأصل سرقة من أجور الموظفين، عبر الرفع من سن التقاعد والرفع من الانخراطات»، معتبرا أن «الحكم على الحوار يكون انطلاقا من النتائج التي سيتم التوصل إليها».
المجلس الاقتصادي والاجتماعي يقترح جيلا جديدا لمنظومة الحوار الاجتماعي
استعرض رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أحمد رضى الشامي، بعض معالم الجيل الجديد لمنظومة الحوار الاجتماعي كما يقترحها المجلس، في اتجاه إبرام التوافقات البناءة التي تجمع بين الواقعية والطموح، وبين الأداء الاقتصادي والشغل اللائق.
وقال الشامي، في كلمة بمناسبة افتتاح أشغال المنتدى البرلماني الدولي السادس للعدالة الاجتماعية، إنه انطلاقا من تشخيص تشاركي، يقترح المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بعض مسالك التفكير والعمل من أجل إرساء منظومة جديدة للحوار الاجتماعي، وذلك بالتشديد على ترجمة الإرادة السياسية، التي يتقاسمها الجميع، من خلال إصدار قانون – إطار للحوار الاجتماعي، يحدد المبادئ والقواعد للأطراف المعنية، ويوضح مسؤولياتها، ويضع آليات الحوار.
وأضاف أن المجلس يقترح أيضا العمل على إرساء منظومة مغربية – مغربية للحوار الاجتماعي بكيفية تشاركية، تتجاوب مع واقع المغرب وطموحاته الاقتصادية والاجتماعية، وتنسجم مع الالتزامات الدولية للمملكة في هذا المجال؛ والعمل على مأسسة منظومة شاملة ومتكاملة على المستوى الوطني والجهوي والإقليمي، وفي القطاعين العام والخاص، وداخل المقاولة.
وأشار الشامي أيضا إلى الحرص على تعزيز تمثيلية الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين، بما يقوي مشروعية الحوار الاجتماعي ويوسع تمثيلية أطرافه، وكذا توسيع جدول أعمال الحوار الاجتماعي لكي يشمل مواضيع جديدة ومتنوعة (العمل اللائق؛ وتأهيل وتكوين وتثمين الرأسمال البشري؛ والمساواة بين الجنسين في مجال العمل؛ ومواكبة تحولات سوق الشغل والتحولات التكنولوجية؛ وتعزيز الحكامة؛ وتطوير التنافسية والمردودية).
ومن ضمن مقترحات المجلس، حسب الشامي، تطوير وتعميم الاتفاقيات الجماعية، وإسهام الحوار الاجتماعي الموسع في إعداد السياسات والبرامج العمومية، فضلا عن تقوية ودعم قدرات المنظمات النقابية والمهنية، وتعزيز الانتماء النقابي، وتحسين الحكامة الداخلية، وشدد، بهذه المناسبة، قائلا « صحيح أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ليس مؤسسة للحوار الاجتماعي بحصر المعنى، أو بمعناه التفاوضي الثلاثي أو الثنائي الأطراف، لكن قانونه التنظيمي يمنحه، فضلا عن اختصاصاته الاستشارية والاقتراحية، دورا أساسيا في تيسير وتشجيع التشاور والتعاون بين الفرقاء الاقتصاديين والاجتماعيين، والمساهمة في بلورة الميثاق الاجتماعي».
وكشف الشامي أن المجلس اليوم بصدد التفكير في كيفيات تفعيل هذا الدور كـ «مسهل » (Facilitateur)، من خلال بلورة مبادرات واقتراح أساليب وممارسات للتشاور والتعاون بين جميع الفرقاء الاقتصاديين والاجتماعيين، وبعد أن لفت إلى أن الحوار الاجتماعي، والحوار المدني، والتعاقدات الكبرى، كلها محاور مركزية في مرجعية الميثاق الاجتماعي الجديد الذي أعده المجلس، والمبنية على فعلية الحقوق الفردية والجماعية بمختلف أجيالها، أبرز الشامي أن المجلس أدلى برأيه الاستشاري في العديد من الإصلاحات والقضايا التي تتعلق بالتشريع الاجتماعي ومناخ الشغل، مثل: أنظمة التقاعد، ومدونة التعاضد، ونزاعات الشغل، وحوادث الشغل، والتعويض عن فقدان الشغل، والتنظيم النقابي.
وخلص إلى أن المجلس في مختلف المواضيع والقضايا التي يتناولها في هذا الإطار، ما فتئ يؤكد على أهمية الحوار الاجتماعي المهيكل والممأسس والمنتظم والموسع، نظرا إلى أثره الإيجابي في تحسين أداء المرفق العام والنسيج المقاولتي، والمساهمة في إرساء وتطوير ممارسات مهنية جيدة، وتعزيز التعاون بين أطراف الشغل، وتحفيز الموارد البشرية.
وبدوره، أكد رئيس مجلس المستشارين، النعم ميارة، أن طريقة ممارسة ومأسسة الحوار الاجتماعي، والتي شهدت تطورات عديدة وتجربة خيارات متنوعة، في حاجة إلى إبداع صيغ جديدة، وإلى فهم مغاير لوظيفة الحوار وأجندته، وقال إن «الحوار الاجتماعي، في سياق الدولة الاجتماعية، ليس لحظة تابعة أو قوسا زمنيا يفتح ويغلق خلالها، بل هو انشغال دائم للسياسات العمومية في لحظات صياغتها وإعمالها وتقييمها».
وأضاف أن الحوار الاجتماعي لم يعد محدودا ولا مقتصرا على الوضعية المادية للأجراء، وعلى ظروف عملهم، ولا معنيا فقط بتوفير فضاء لتدبير اختلافات أطراف العلاقات الشغيلة، بل هو جزء من سياسة اقتصادية مندمجة، لافتا إلى أن «الحوار الاجتماعي معني بحماية فرص الشغل، وبالتشغيل المنتج، وبرهان المقاولة المواطنة، وبسياسة ضريبة فاعلة ومحفزة، وبإصلاح تشريعي وقانوني وتنظيمي يواكب التطورات الجديدة لمتطلبات سوق الشغل».
وسجل أن العالم مر خلال الخمسة عشر سنة الأخيرة، من أزمات اقتصادية متلاحقة أدت إلى ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية، وعرت على هشاشة الاقتصاديات الصاعدة، وعلى ضعف آليات التضامن الدولي، زيادة على تداعيات جائحة كوفيد، التي عرت على ضعف البنيات الصحية والاجتماعية، وعلى صعوبة تحمل الاقتصادات الوطنية، لا سيما الصاعدة منها، لهزات من القبيل ذاته، مشيرا إلى أن هاته الأسباب «تجعلنا اليوم، في حاجة إلى أطروحات ومقاربات جديدة للتعاطي مع المعضلة الاجتماعية» .
كما أشار إلى التوفر على الإطار المؤسساتي للاشتغال، وعلى وجود إرادة سياسية مشتركة متقاسمة، تجعل مقومات الدولة الاجتماعية، أولوية الأولويات، مبرزا أن مؤسسات حماية الحقوق والحريات والنهوض بها، والهيئات الاستشارية، وتركيبة مجلس المستشارين، والمرجعية الدستورية للحقوق، وبرنامج العمل الذي تقدمه، تشكل، في تكاملها وترابطها، فضاءات مناسبة للحوار، ولبلورة الأفكار، وتقارب القناعات، والتقائية السياسات.









