
يبدو أن الدولة العميقة في فرنسا غاضبة من قرارات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بشأن علاقته اللامتوازنة بين المغرب والجزائر، فالدولة العميقة التي جعلت ماكرون يتحول منذ سنوات من مجرد خبير مالي واقتصادي إلى رجل دولة قادر على التحكم في المؤسسات التنفيذية الفرنسية، بدأت تخرج عن صمتها بخصوص استراتيجية القائم على قصر الإليزيه، الذي أصبح بارعا في تضييع نفوذ فرنسا.
ويمكن القول إن الدولة العميقة الفرنسية اليوم هي غير مرتاحة أمام التحولات الجارية ضد فرنسا في إفريقيا وفقدانها لمراكز نفوذها، بل الأكثر من ذلك أن القادم من الأيام سينهي الوجود الفرنسي في شمال وغرب إفريقيا، إذا استمر النهج نفسه، خصوصا مع الزيارة الأخيرة لرئيس الدبلوماسية الروسية سيرجي لافاروف، ولذلك فمؤسسات الدولة العميقة والكثير من العقلاء السياسيين الفرنسيين ومثقفيها، حتى من غير الفرنسيين، أصبحوا يعلنون جهارا أن فرنسا ماكرون ليست بخير، وتخسر أصدقاءها وحلفاءها وشركاءها بكل بشاعة.
إن الافتتاحية التي خصصتها جريدة «لوموند» بما يمثله هذا المنبر الإعلامي داخل دوائر القرار الفرنسي للرد على نظام «الكابرانات» بالجزائر، تستبطن قناعة الدولة العميقة الفرنسية بأن اختيارات الرئيس الفرنسي ببناء علاقة مع الجزائر، بسبب الحاجة إلى الغاز الجزائري على حساب مصالح باريس مع المغرب، هي ضرب للثوابت الدبلوماسية الفرنسية التي تقوم على التوازن في العلاقات مع الرباط والجزائر.
الدولة العميقة نفسها تعلم علم اليقين أن مصالحها مرتبطة ارتباطا وثيقا مع عمقها في الضفة الجنوبية للمتوسط، وتحديدا مع المغرب الذي يتميز بنظام سياسي مستقر، ويتوفر على شرعية دينية وتاريخية وسياسية، وبالتالي لا يمكن المجازفة باستراتيجياتها، فقط لأن فرنسا تحتاج إلى بعض الغاز في فصل الشتاء.
لذلك أطلقت الدولة العميقة تحذيرا للاستراتيجية اللامتوازنة التي يقودها إيمانويل ماكرون عبر صحيفة «لوموند»، ومن استمرار العلاقات الفرنسية مع نظام عسكري بات يتجه لعهد جديد من القمع، معلنة بكل صراحة ووضوح أن المسؤول عن قصر الإليزيه يُخاطِر بعلاقاته مع الرباط، ولعل ردة الفعل في ما يتعلق بقضية الناشطة الفرنسية الجزائرية، أميرة بوراوي، أبرز دليل على خطر المجازفة بالعلاقات الجزائرية على حساب الرباط تقول «لوموند».
فرنسا إذن أمام مفترق الطرق، فإما تستوعب أن المغرب بلد استراتيجي في قوتها ونفوذها وتتعامل معه كشريك محترم وموثق وتتوقف عن تحريك حروب بالوكالة، وإما أن ترتمي في أحضان نظام عسكري وتفقد ما تبقى من مصداقيتها داخل المغرب وإفريقيا عموما.





