بانوراما

«السخرية لا تغير الوضع الراهن»

من حوار الإعلامي باسم يوسف والصحافي توم فابر

إعداد: سهيلة التاور
أجرى الصحافي الشهير توم فابر حوارا مطولا مع الإعلامي والكوميدي المصري الساخر باسم يوسف. وأظهر منشط برنامج «البرنامج» الموقوف من البث على قناة «إم بي سي مصر»، من خلال محادثته، أن مستقبله أصبح في الولايات المتحدة الأمريكية بعيدا عن مصر التي هرب منها بعد وصول عبد الفتاح السيسي إلى رئاسة البلاد. وكان الإعلامي الساخر قد تجاوز تخصصه في الطب كجراح للقلب وعمل على ولوج عالم الإعلام باحترافية واكتسب شهرة واسعة من خلال برنامجه الساخر الذي اكتسح نسب المشاهدة التلفزيونية داخل مصر وخارجها. باسم يوسف، الذي انتقل من الطب إلى الإعلام، كان يعتبر أن بلاده الأم مصر أكثر مرضا من الأفراد الذين خضعوا لمشرط جراحته من قبل، وأن المرض الذي بداخلها هو الجهل والنفاق، وهو الأمر الأولى بالعلاج. لذلك انصب برنامجه الكوميدي السياسي الأسبوعي على النقد بالخصوص للرئاسة والسياسة المصرية، وهو ما لقي اهتماما كبيرا وتجاوبا وصل إلى حوالي ثلث الجمهور المصري المشاهد للتلفزيون. وعكست المسيرة المهنية لباسم يوسف مجموعة من المفارقات التي صاحبت المكاسب الحقيقية لثورة مصر، حيث حاول من خلال برنامجه دفع الشعب المصري إلى التحلي بالعزيمة والأمل. وساند العديدون منهجه الداعي إلى التفاؤل بالدفاع عن الحريات، ولكن البرنامج سرعان ما سيتعرض للتوقيف باعتباره يتجاوز الخطوط الحمراء، التي عادت بقوة إلى مجال الإعلام بعد الإطاحة بحكم الرئيس المعزول محمد مرسي.

توم فابر: عندما قابلني يوسف، 45 عاما، صاحب العينين الزرقاوين وهو يرتدي قميصا أبيض في بهو فندق كينسينغتون، دارت بيننا محادثة جدية بعيدة عن الشخصية الهزلية والمضحكة التي يظهر من خلالها.
فقد كان الطب هو الذي قاد يوسف إلى الكوميديا. ففي ذروة الثورة المصرية، في يناير 2011، ذهب إلى ميدان التحرير لتقديم المساعدة الطبية للمتظاهرين. وخلال هذه التجربة شعر بالإحباط من مدى تجريد وسائل الإعلام المصرية المحتجين الجادين من شرعيتهم، واصفين إياهم بالمحرضين والممولين من قوى خارجية مثل وكالة الاستخبارات المركزية أو إيران.
وفي مارس 2011، بدأ يوسف سلسلة فيديو ساخرة على موقع يوتيوب لتقديم رواية مضادة لما تتداوله وسائل الإعلام. فكل حلقة كانت لا تتجاوز الخمس دقائق لكنها كانت تسخر من بدايتها لآخرها من التغطية الإعلامية للثورة، وعلى الرغم من تصويرها بدون ميزانية في غرفة الغسيل الخاصة بباسم يوسف، فقد سجلت السلسلة 5 ملايين مشاهدة في ثلاثة أشهر.
وبعد هذا النجاح الواسع الذي حققه انتقل يوسف إلى التلفزيون، وأطلق برنامج «البرنامج» في العام نفسه. وكان البرنامج عبارة عن السخرية السياسية مع المقابلات والتمثيليات. كان يطلق عليه اسم «جون ستيوارت مصر»، تشبيها بالأمريكي الذي كان يوسف يتابعه منذ زمن طويل، وكان الكوميديان يظهران بالتناوب كالضيوف في عروض البرنامج. ولكن في الوقت الذي حقق فيه برنامج ستيوارت ديلي شو حوالي مليوني مشاهد في الليلة، حقق برنامج يوسف 40 مليون مشاهدة، أي أكثر من ثلث سكان مصر، بما في ذلك عدد كبير من مشاهديه في جميع أنحاء العالم العربي. وفي عام 2013، صنفت مجلة تايم باسم يوسف على أنه واحد من 100 شخص الأكثر تأثيرا في العالم.
من خلال السخرية، كان يوسف قادرا على إدخال مواضيع معقدة وحساسة في المحادثة العامة، ولكن كان لديه دائما هدف أكبر. يقول لي إن كونك قائدا استبداديا يتطلب شيئا واحدا: زرع الخوف في قلب الآخر. يقول باسم يوسف: «إذا انتزعت الخوف من داخلهم، فلن يكون لديهم شيء.. إذا سخرت من الخوف، فلن تخاف بعد الآن». من خلال السخرية، بدأ يؤمن بمستقبل أفضل. يقول: «طالما كان لدي سخرية، فقد كان لدي أمل».
فالمواطن المصري معروف في العالم العربي باسم ابن نكتة، «ابن النكات»، بسبب حس الفكاهة الشديد الذي يتمتع به. لكن باسم يوسف كان أول من يسخر من الزعماء السياسيين مباشرة. وكأول من فعل ذلك، أصبح مقياسا لحرية التعبير في مصر ما بعد الثورة. لكن تم تقديم شكاوى ضده وضد البرنامج، بما في ذلك اتهامات قانونية بإهانة الإسلام والجيش والرئيس، أو حتى «تعطيل نسيج المجتمع».
وفي وقت كانت فيه الاحتجاجات والاشتباكات والمذابح شائعة، تساءل متى إذا لم يكن هذا هو الوقت المناسب للنكات. يقول يوسف: «كان هذا كفاحنا اليومي». أوقف العرض مرة واحدة، بعد أعمال شغب في كرة القدم عام 2012 حيث قتل 72 مشجعًا. وقال: «لكنني أدركت أننا في منطقة حرب.. هذه هي حياتنا كل يوم.. ما الذي يجب أن نفعله، أيجب البقاء في المنزل؟». لم يلغ يوسف البرنامج عندما قتل الجيش ما يقرب من ألف متظاهر في يوم واحد في ميدان رابعة بالقاهرة، رغم أنه كافح من أجل ترجمة هذه الفظاعة إلى كوميديا. يقول: «كانت تلك الحلقة الأكثر صعوبة». «لقد سخرنا للتو من حيرة وخوفنا. احترنا لم نعرف ماذا نفعل أو نقول «.
خلال ثلاث سنوات، قام باسم يوسف بانتقاد رئيسين، حيث قدم مجموعة من الحلقات حول محمد مرسي، زعيم الإخوان المسلمين المنتخب بعد الثورة، الشيء الذي أكسبه شعبية كبيرة وبدا حاذقا عندما أطيح بمرسي في انقلاب عسكري عام 2013. وعندما اعتلى السيسي كرسي الرئاسة، أثبت أنه خصم أشد قوة، حيث تحولت السلطة السياسية من الإسلاميين إلى الجيش. يقول باسم يوسف: «كان السيسي كإله في ذلك الوقت»، وقد سخر من حماسة مصر لزعيمها الجديد.
ولكن سرعان ما أصبح المناخ السياسي أكثر خطورة. فتم تغريم يوسف وشركته 100 مليون جنيه (ما يعادل 13 مليون دولار)، وهو مبلغ غير مسبوق، في نزاع عقد، ويقول إن الشرطة داهمت مكاتبه. وفي يونيو 2014، استقال يوسف قائلا إنه لا يشعر بالأمان لمواصلة تقديم برنامجه.

برنامج باسم يوسف والإسلاميون والجيش والولايات المتحدة
✓ توم فابر: لماذا أقدم الجيش على إغلاق البرنامج بينما لم يستطع الإسلاميون فعل ذلك؟
باسم يوسف: «للجيش 60 عاما من الخبرة وجهاز عميق وراءه.. الفرق بين مرسي والسيسي هو أن أحدهما حاول أن يكون ديكتاتورا وفشل، والآخر حاول أن يكون ديكتاتورا ونجح».
وفي نونبر 2014، فر يوسف إلى دبي. ويستقر حاليا في لوس أنجلوس مع زوجته وطفليه، حيث بدأ في تكوين مسيرة مهنية في الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق البودكاست ونشر كتابا وعروضا كوميدية، وذلك باللغة الإنجليزية، اللغة الثانية بالنسبة له. لم يعد إلى مصر، لكنه يتحدث بحماس عن عرضه الفردي الذي يحكي قصته، والذي سيقدمه لأول مرة في لندن في 19 يونيو.
على الرغم من تفاؤله بشأن مستقبله في الولايات المتحدة، لم يكن هروب يوسف من مصر بدون عواقب. لم يعد يقدم عروضه ولا تدويناته بشكل ساخر بالقوة التي كان عليها في الماضي بل أصبح يلتزم شيئا من التحفظ. يبدو أنه يشعر بالقلق بشكل خاص من أن السخرية تولد الرضا عن الواقع والوضع الحالي، حيث إن المشاهدين يضحكون على السياسي الذي لا يروق لهم، وبعد ذلك، يتجاهلون الخروج للإدلاء بأصواتهم. ويشير باسم يوسف إلى أن كل السخرية في الولايات المتحدة لم تمنع دونالد ترامب من الوصول إلى السلطة. يقول يوسف: «الناس لا يفوزون في الانتخابات بسخرية.. السخرية لا تغير من الأشياء. الناس هم من يغيرونها».
لقد تغيرت مصر كثيرا منذ أن سطع نجم باسم يوسف. الأسعار لا تزال تستمر في الارتفاع ولا يزال قمع السيسي للمعارضة السياسية مستمرا. ووافق الاستفتاء في أبريل على التعديلات الدستورية التي يمكن أن تمدد حكمه حتى عام 2030، على الرغم من أن إقبال الناخبين كان منخفضا. يبدو أن أمل الشباب، الذي كان محركا لثورة 2011، قد انقرض بالفعل. لتخطي هذا الوضع السلبي، يعتقد يوسف أن البلاد بحاجة إلى النظر إلى ما وراء الثورة.

باسم يوسف: «لا يزال الناس محبوسين في عقلية 2011، يحتجون ويكتبون علامات مضحكة. في تلك المرحلة كان بإمكان السخرية والنشاط السياسي ووسائل الإعلام الاجتماعية أن تحدث فرقا.. كم عدد الهاشتاغات التي نشرها الناس في العامين الماضيين؟ هل تغير شيء؟».
✓ توم فابر: إذا كانت مصر تغرق، فما هو طريق النجاة؟ أين الأمل؟
باسم يوسف: «اسمع.. لقد خسرنا جميعنا. لقد هزمنا، علينا فقط أن نعترف بذلك.

✓ توم فابر: هل انتهيت من مصر؟
باسم يوسف: «نعم».
باسم يوسف حزم الأمر وقرر أن يتطلع للمستقبل الذي يراه في الولايات المتحدة الأمريكية وتقديم كل ما لديه باللغة الإنجليزية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى