الافتتاحية

القانون الخطأ في الوقت الخطأ

ماذا يعني أن يقرر مجلس النواب، قبل شهر واحد من انتهاء ولايته التشريعية، إنهاء مهامه بالتصويت في لمح البصر على مقترح قانون لتوزيع 12 مليار سنتيم على أعضاء مجلس المستشارين؟ ما هي الرسالة التي تود المؤسسة التشريعية إيصالها إلى الرأي العام بهذا التصويت الأرعن؟ هل فكر السادة ممثلو الأمة، ولو لثانية واحدة في حجم الخسائر الرمزية التي ستتكبدها المؤسسة جراء هذا التصويت، ونحن على مقربة من الاستحقاقات الانتخابية؟ من له المصلحة في إفقاد المؤسسة التشريعية ما تبقى من رصيدها السياسي والديمقراطي؟
في الحقيقة لا يمكن تفسير هاته الكارثة التشريعية، سوى بكون هذه النخبة السياسية التي انتخبها الشعب للدفاع عن مصالحه، فقدت كل صوابها ولم يعد لها ما تخسره، فقد بددت كل رأسمالها السياسي والأخلاقي في مشوار البحث عن المنافع والاغتناء بالسياسة، والأدهى أنه لم يعد يهمها الحفاظ على سمعة المؤسسات أو توطيد أعمدة الثقة في السياسة، أو تشجيع المشاركة في الشأن العام، فهي تؤمن بشعار مصالحي أولا ومن بعد ذلك فليأت الطوفان.
ويظهر جليا من خلال هذا الفعل المستفز، أن من استوصوا على الدفاع عن مصالحنا، لا يقدرون حساسية الوضع الذي تمر منه بلادنا داخليا ودوليا، اقتصاديا واجتماعيا، لأنه من العار والعيب كذلك أنه في اللحظة التي تواجه فيها الدولة ورمزها الأسمى بالكثير من الجهد والعمل تحرشات دولية آتية من الجارتين الشرقية والشمالية، وفي اللحظة التي تحاول إسبانيا تأليب البرلمان الأوروبي ضدنا لتمرير قرار إدانة تجاه بلدنا، فبرلماننا مشغول بتقسيم وزيعة مالية على أعضائه، وتوزيع ملايير الفوائد البنكية على البرلمانيين.
كنا ننتظر أن ينهي البرلمان ساعاته الأخيرة بالانشغال بما يصب في صالح المغرب، ويكثف اتصالاته لدعم الدبلوماسية الرسمية. كان أملنا كبيرا أن يهتم برلماننا بتمرير قانون الإثراء غير المشروع، قبل أن يغلق أبوابه، للضرب على أيدي المتطاولين على المال العام، وأن يستكمل تنزيل الوثيقة الدستورية التي تقادمت دون أن تخرج كل قوانينها إلى أرض الواقع. كانت رغبة الرأي العام أن يسائل البرلمان الحكومة عن سبب تأخر إخراج الكثير من المؤسسات الدستورية إلى حيز الوجود، ويستفسرها عن تأخير إخراج المجلس الوطني للغات ومجلس المناصفة ومجلس الشباب والعمل الجمعوي ومجلس الأسرة والمجلس الأعلى للأمن وغيرها من المجالس الدستورية. كنا نرجو أن يضع البرلمان في آخر أيامه استراتيجية تواصلية، لإغراء المواطنين بالمشاركة السياسية وإنقاذ بعض ماء الوجه، لكن الذي حصل هو العكس تماما، فقد وجدنا أنفسنا أمام برلمان بعيد كل البعد عن قضايا الوطن وهموم المواطن، همه الوحيد أن يمرر بأي شكل كان «همزة» معاشاته، ولو بالاعتداء على المال العام دون حياء. وجدنا برلمانا يفكر في القانون الخطأ في الوقت الخطأ، لإنتاج سياق خطأ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى