شوف تشوف

الرأي

اللهم لعمش ولا لعمى

الجزر بعد المد.. لم تتمكن الجبهة الوطنية بزعامة مارين لوبان من إكمال الإنجاز الذي حققته خلال الدور الأول من الانتخابات الجهوية، والذي احتل فيه حزبها الرتبة الأولى. إذ تشير آخر النتائج  إلى هزيمتها في مجموع الجهات الثلاث عشرة المتنازع حولها. أما اليسار، بزعامة الحزب الاشتراكي الذي رشحته بعض معاهد الاستفتاء، إلى اندحار محقق، فقد حفظ ماء الوجه بفوزه بسبع جهات، فيما فاز اليمين التقليدي بست جهات.
وكانت الأنظار متجهة بالأخص إلى منطقة نور با دو كاليه بيكاردي (شمال فرنسا)، والتي سبق أن فازت فيها مارين لوبان في الدور الأول، لكنها فشلت في الدور الثاني أمام نائب حزب «الجمهوريين» كزافييه بيرتران. المنطقة الثانية التي راهنت عليها الجبهة وهي منطقة بروفانس ألب كوت دازور٬ في الجنوب في شخص ماريون ماريشال لوبان، ابنة شقيقة مارين لوبان، والتي فشلت في انتزاع المنطقة أمام كريستيان إيستروزي عن الجمهوريين. فلوريان فيليبو٬ نائب رئيس الجبهة فشل بدوره في شرق فرنسا.
كما اتجهت الأنظار إلى منطقة باريس التي كانت محور مجابهة بين فاليري بيكريس عن الجمهوريين وكلود بارتولون ممثلا للاشتراكيين، والذي يشغل أيضا منصب رئيس مجلس النواب. وتقدمت بيكريس على بارتولون بفارق نقطتين لتكون بذلك منطقة باريس، التي تضم 12 مليون نسمة، قد خرجت من نفوذ اليسار والحزب الاشتراكي على وجه التحديد. ويتضمن هذا الانتزاع رمزية قوية قد ترهن مصير العاصمة ومصير الانتخابات الرئاسية المقبلة، باعتبار أن ما يسمى «شعب اليسار» كان دائما ضمير وقلب العاصمة وضواحيها، وإحراز فالران سان جيست، مرشح الجبهة الوطنية في باريس، المرتبة الثالثة يعتبر اختراقا كبيرا.
خسارة الجبهة الوطنية في الدور الثاني هي أيضا خسارة للطاقم المسير للحزب، الذي احتل الصفوف الأمامية في الحملة. الغريب أن هؤلاء المسيرين يحللون ويبررون النتائج من زاوية الضحية باعتبار أن الحزب الاشتراكي  هو المسؤول والمدبر لهزيمة الجبهة. هذا التبرير يلازم خطاب اليمين المتطرف منذ سنوات. أما الجمهوريون، بزعامة نيكولا ساركوزي، فإن فوزهم في بعض المناطق تم بفضل سحب الحزب الاشتراكي لمرشحيه الذين جاؤوا في الصف الثالث، فيما رفض ساركوزي رد الجميل لمرشحي الحزب الاشتراكي، وذلك برفعه لشعار «لا تنازل ولا تحالف». وهذه الاستراتيجية ستكون محط نقاش حاد داخل اجتماع المكتب السياسي للحزب هذا الاسبوع.  لكن الحقيقة هو أن لا أحد من هذه الأحزاب أحرز فوزا قويا أو أحدث «تسونامي» انتخابيا في المشهد السياسي. فهذا الاقتراع كرس نظام الازدواجية الحزبية للنظام السياسي الفرنسي٬ أي التناوب بين اليمين واليسار في تسيير الحكم. وكل وثبة أو رغبة من طرف تشكيلة أخرى إلا ويتم إجهاضها في المهد. لكن هذا لا يمنع من ملاحظة وجود مد قوي يحمل اليمين المتطرف في فرنسا وفي أوروبا عموما، وهو مد له قدرة هائلة على التشويش والتسميم.
أقيم الدور الثاني من الانتخابات الجهوية بعد مرور شهر كامل على العمليات الإرهابية التي ذهب ضحيتها 130 شخصا، وهذه الذكرى كانت حاضرة في أذهان الناخبين الذين قصدوا صناديق الاقتراع. كما أقيم غداة اختتام قمة المناخ في دورتها الحادية والعشرين التي كانت مكسبا دبلوماسيا وسياسيا للاشتراكيين، وبالأخص لفرانسوا هولاند.
كان من المفروض أن تنعكس هذه الأحداث بالإيجاب على مرشحي الحزب الاشتراكي ومجموع اليسار، لكنها لم تؤثر بقوة على سلوك الناخب العادي المتضرر من الضرائب وغلاء المعيشة، والذي سيؤدي فاتورة الحرب التي تخوضها فرنسا خارج بلدها. بتصويته على اليمين ممثلا في حزب الجمهوريين، فضل الناخب الفرنسي في الأخير «لعمش» على «لعمى»٬ بمعنى فضل ساركوزي على لوبان حتى وإن كان الاثنان «حلوف كرموص».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى