
أثار مشروع قانون مالية 2023، الذي أعدته الحكومة وبدأ نقاشه في البرلمان للمصادقة عليه، الكثير من الجدل بخصوص عدد من المقتضيات التي لاقت رفضا قويا من فئات مهنية محددة. وعلى رأس تلك المقتضيات ضريبة الاستقطاع الإلزامية على الرسوم المدفوعة للمهن الحرة، وهي الضريبة التي تستهدف جميع مقدمي الخدمات المسجلين للضرائب المهنية أو الأشخاص الاعتباريين أو الطبيعيين، بمن فيهم المهنيون المعنيون بحفظ الحسابات وتلقي الرسوم والعمولات أو السمسرة وأي فئة أخرى مماثلة.
وأعلنت هيئات المحامين والمحاسبين القضائيين والموثقين والعدول عن تنسيق بينها من أجل الضغط لإسقاط المستجدات الضريبية الأخيرة، واتسعت رقعة الفئات المهنية الرافضة للمقتضيات الضريبية الواردة في مشروع قانون المالية لسنة 2023، المحال من الحكومة على البرلمان، بالتحاق الصيادلة وأطباء القطاع الحر.
جبهة لمواجهة الإجراء الضريبي
أعلنت ثلاث نقابات ممثلة في كل من كونفدرالية نقابات صيادلة المغرب والنقابة الوطنية لأطباء القطاع الحر والفيدرالية الوطنية لنقابات أطباء الأسنان بالقطاع الحر بالمغرب، يوم الثلاثاء فاتح نونبر الجاري، عن رفضها رفع ضريبة الأرباح على الشركات التي تحقق ربحا سنويا أقل من 300 ألف درهم، من 10 إلى 20 في المائة.
وقالت النقابات الثلاث إن المقتضيات القانونية، المرتبطة بمشروع قانون المالية لسنة 2023، عرفت تراجعات جبائية من شأنها تهديد التوازنات الاقتصادية للمهن الصحية والصيدلانية، والتي تدخل في إطار المقاولات الصغيرة والصغيرة جدا.
واعتبرت النقابات أن هذه التعديلات «من شأنها تأزيم المقاولات، التي يعاني بعضها الهشاشة الاقتصادية، وإغلاق مرافقها الصحية والصيدلانية، مما سينعكس على الأمن الصحي ببلادنا»، وسجلت أن مشروع القانون «يأتي بعد الانخراط الجدي والمواطناتي لمؤسساتنا المهنية الصحية في توقيع اتفاقيات وطنية للمصالحة الضريبية، مما ساهم بالقسط الأوفر في التعبئة المالية لخزينة المديرية العامة للضرائب»، مبرزة أن المقتضيات التي أقرتها الحكومة «مجحفة وتضع كل المهن المنظمة خاصة ودافعي الضرائب بصفة عامة في خانة التهرب الضريبي، وهو ما يعتبر إهانة لكرامة الأطر الطبية والصيدلانية وللمنظومة الصحية بشكل عام».
من جانبهم، يصمم أرباب المهن الحرة، من المحامين والمهندسين المعماريين وكتاب العدل والمحاسبين القانونيين والعدول، على منع التدبير الضريبي المنصوص عليه بمشروع القانون المالي الجديد، والمتمثل في ضريبة الاستقطاع الإلزامية البالغة 20 في المائة على الرسوم المدفوعة للمهن الحرة المعنية بعملائها، سواء كانوا أشخاصًا طبيعيين أو اعتباريين، بموجب القانون العام أو الخاص. ولهذا عقد المجلس الوطني للتنظيم المهني للمحاسبين القانونيين، يوم الأحد 30 أكتوبر، بالدار البيضاء اجتماعا مع نقابة المحامين بغرض التنسيق من أجل مواجهة الإجراء الضريبي الجديد. وبعد مناقشة البند الضريبي المثير للجدل، تحدث الهيكلان معًا لرئيس المنظمات العادية التي تمثل المهندسين المعماريين، مثل الموثقين وكذلك العدول، عن رغبتهما في التنسيق لتشكيل جبهة مشتركة ضد التدبير المنصوص عليه في قانون المالية.
وحسب مصادر من هيئات المحامين، فالتنسيق المهني لأصحاب المهن الحرة سيعلن عن «جبهة» لمواجهة الإجراء الضريبي الجديد. وأشارت المصادر إلى أنه سيتم قريبا تنظيم مؤتمر صحفي مشترك لمناقشة تداعيات الإجراء والدعوة إلى سحبه، بالإضافة إلى خوض إضرابات ووقفات احتجاجية تنسيقية بين الهيئات المعنية، مثل تلك التي يعتزم المحامون تنظيمها في مبنى محكمة الاستئناف.
ويعد الاستقطاع الضريبي الإلزامي على الرسوم المدفوعة للمهن الحرة الإجراء الرئيسي الذي يثير الغضب لدى فئة عريضة، على اعتبار أنه يستهدف جميع مزودي الخدمة المسجلين لدى المهنيين الضريبيين أو الأشخاص الاعتباريين أو الطبيعيين، مسك الحسابات وتلقي الرسوم والعمولات أو السمسرة وأي فئة أخرى من الأجر المماثل. لذلك سيتعين على كل عميل يحتفظ بحسابات خصم 20 في المائة من كل فاتورة، على أن يتم تحصيل مبلغ الضريبة المقتطعة بالحساب الجاري للسنة، وهو ما يرى رافضوه أن من شأنه أن يثقل كاهل خزائن دافعي الضرائب المعنيين، خاصة أنه يحدد بحسب رقم المعاملات وليس هامش الأرباح، وهو ما سيؤثر، حسبهم، بشكل كبير على التدفق النقدي لدافعي الضرائب.
ويرى المحاسبون أن هذا الإجراء من شأنه أن يضع غالبية مقدمي الخدمات في وضع معلق للدفع، ومعظم مبيعاتهم يتم استيعابها من خلال الرواتب، بما في ذلك رواتب مدير الشركة والإيجارات ونفقات التشغيل الأخرى، بالإضافة إلى أن الإجراء الضريبي الجديد سيواجه صعوبة، إذ لن تتمكن السلطات الضريبية من معالجة جميع الملفات في فترة زمنية معقولة، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم صعوبات التدفق النقدي للشركات، التي ستواجه، حسب المحاسبين أنفسهم، صعوبات مالية قد تدفعها إلى تسريح موظفيها، خصوصا بالنسبة لشركات المحاسبة والمكاتب الكبرى للمحاماة والموثقين.
رسوم صناديق الاستثمار
إلى جانب المهن الحرة المعنية بهذه الضريبة، يتضح، من خلال قراءة متأنية لمشروع قانون المالية، أن المشروع يفرض أيضا رسوما على شركات إدارة صناديق الاستثمار، بنسبة 20 في المائة، عندما تكون محدودة للغاية بالفعل، في الوقت الذي دأب المشرع المالي، منذ فترة طويلة، على إلغاء الضريبة على القيمة المضافة غير القابلة للاسترداد، والمفروضة على صناديق الاستثمار، من أجل تمكينهم من تحسين أدائهم وجذب المزيد من المستثمرين، حيث إن الضريبة المقتطعة التي فرضها المشرع ستثقل كاهل تلك الشركات، على اعتبار أنها «ستتقاضى 100 عن الخدمة بالإضافة إلى 20 في المائة كضريبة القيمة المضافة، غير أن تلك الـ20 في المائة لا تعود على الشركة، وعليها أن تدفع ضريبة القيمة المضافة كما لو كانت حصلت على 120 في المائة بما في ذلك الضريبة.
وإلى جانب ما تثيره الضريبة الجديدة التي تضمنها مشروع قانون مالية 2023، من جدل، تثير مستجدات أخرى في المشروع، كذلك، جدلا آخر، وهي تلك المقتضيات المرتبطة بسندات الائتمان والتي يستفيد حاملوها، على وجه الخصوص، من الضمان الذي يتكون من محفظة من الذمم المدينة من قروض مصرفية، الرهن العقاري أو قروض الذمم المدينة للسلطات المحلية والشركات العامة، والتي، نظرًا للخصائص الجوهرية والمزايا التي توفرها من حيث إدارة الأصول / الالتزامات وكذلك الامتيازات التي يتمتع بها حاملوها، تعتبر هذه الأوراق المالية استثمارًا جيدًا مع مخاطر منخفضة. ناهيك عن أنها تجعل من الممكن تلبية احتياجات المستثمرين في الأدوات المالية طويلة الأجل ذات السعر الثابت.
وأثارت هذه السندات، التي نص عليها مشروع قانون مالية 2023، إشكالا مرتبطا بالتمويل الجماعي، بخصوص تداخله مع النظام المتعلق بعرض الدعم، الذي تديره شركة «تمويل الدعم»، وهي النافذة التشاركية لـ«تمويلكم»، يتعلق بآليات تدخل مختلفة لصالح الشركات والأفراد، بالإضافة إلى الضمانات المعلقة بتلك السندات، والتي تخول لصندوق ضمان للتمويل، والذي تمنحه البنوك ويقدم منتجات ضمان مثل «فوكاريم سكن» و«فوكالوج إسكان»، والتي تستهدف فئات محددة من المستفيدين. ثم، ضمان مقاولة، وهو صندوق ضمان للتمويل تمنحه البنوك ونافذة تشاركية لصالح المؤسسات الصغيرة ومتوسطة الحجم.
إشكالية شهادة «الصكوك»
إلى جانب ذاك، نص مشروع قانون مالية 2023 على مستجدات بخصوص إقرار شهادة «الصكوك»، وهي من التمويلات التشاركية التي أوردها المشروع، بشكل أكثر تحديدًا، ضمن أدوات التمويل التشاركي في سوق رأس المال، حيث تم تعديل القانون المتعلق بتوريق الأصول في عام 2018، وذلك بهدف السماح بإدخال فئات مختلفة من شهادات الصكوك. ومنذ الإصدار السيادي الأول لشهادات صكوك الإجارة في أكتوبر 2018، تابعت الحكومة العمل على تعزيز الترسانة القانونية، وكان الهدف هو تحديد الخصائص الفنية لشهادات صكوك الاستثمار والتمويل.
وتحقيقا لهذه الغاية، تميز عام 2022 بإصدار الرأي الإيجابي من المجلس الأعلى للعلماء بشأن مشاريع المراسيم المتعلقة بشهادات صكوك المشاركة والمضاربة والوكالة والمرابحة والسلام والاستصناع، غير أن التنزيل لأجرأة هذه الصكوك في سوق الرساميل يطرح عدة إشكالات، بحسب المستثمرين.
ضريبة «السكر» تغضب المقاولات
إلى جانب كل هذه النقاط الخلافية التي يثيرها مشروع قانون المالية للسنة المقبلة، أثار المشروع، كذلك، غضبا في صفوف الاتحاد العام لمقاولات المغرب، الذي طالب بتعديلات تفضي إلى سحب الضريبة الداخلية على الاستهلاك على المنتجات المحتوية على السكر، مثل المشروبات غير الكحولية المعطرة أو المحضرة بعصير الفواكه (صودا ونكتار)، حيث أشارت وزارة الاقتصاد والمالية إلى أن هذا الإجراء يأتي استجابة لطلبات بعض الفرق البرلمانية خلال دراسة مقتضيات مشروع قانون المالية برسم سنة 2022، وتماشيا مع المعايير العالمية وتوصيات منظمة الصحة العالمية التي تنص على فرض ضرائب على المنتجات المحتوية على نسب عالية من السكر، مبرزة أن الإجراء يندرج في إطار مجهودات السلطات العمومية الرامية إلى مكافحة الأمراض غير المعدية التي تتطلب مصاريف صحية مهمة.
ويهدف هذا الاقتراح إلى اعتماد تضريب تدريجي يمتد على ثلاث سنوات ابتداء من فاتح يناير 2023، حسب نسبة السكر المضافة إلى المنتجات المشار إليها، فيما يحدد قانون التمويل لعام 2023 مقياسًا لضريبة الاستهلاك المحلي (TIC) يأخذ في الاعتبار معدل استخدام السكر على مدى السنوات الثلاث المقبلة، ويستهدف منتجي البسكويت والحلويات والشوكولاتة ومنتجات الألبان والمربيات والمربى الأخرى. وبالتالي، سيتم إعفاء الشركات المصنعة التي تقل عن المعدل المحدد مسبقًا من قبل الإدارة من TIC وهذا لتشجيعهم على تخفيف منتجاتهم من السكر.
وتم وضع معيار غير إلزامي، مع مراعاة وصفات منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة، من قبل Imanor وينص على حدود قصوى لكل منتج. فلسفة التوجه الحكومي الجديد لفهرسة مقياس TIC على محتوى السكر، وحتى لإعفاء أولئك الذين يذهبون بعيدًا في هذا التخفيض. على سبيل المثال، إذا استخدم صانع بسكويت 40 غرامًا من السكر في عام 2024، فسيتم فرض ضريبة عليه بمبلغ 140 درهمًا، وإذا كان محتوى السكر في المنتجات 39 غرامًا، على سبيل المثال، فسيتم إعفاؤها من TIC في عام 2024.





