شوف تشوف

الرأي

المغاربة العالقون في المغرب

يونس جنوحي

في الوقت الذي لم تكن فيه الكمامات ضرورية مثل بقية الملابس الأخرى، كان الذين سافروا إلى أوربا قد توقعوا أي شيء إلا ما وقع.
والنتيجة أنهم علقوا هناك على طريقة الأفلام وعادوا بتفاصيل لا تختلف في شيء عن الأحلام.
اليوم، مضت أسابيع على بداية أولى رحلات إعادة المغاربة العالقين إلى الوطن، بل وسُمح لأفواج من مغاربة العالم بالدخول إلى المغرب، تزامنا مع عطلة العيد، ليجدوا أنفسهم عالقين هنا بعد قرار الاتحاد الأوربي الأخير القاضي بتعليق الرحلات من المغرب إلى إشعار آخر.
وهذا يعني أنه أصبح لدينا عالقون مغاربة في أرضهم، تاركين خلفهم فواتير الماء والكهرباء والكراء في الجزء الآخر من العالم. ولعل أغلبهم هذه الأيام يستعيدون ذكريات ترقبهم قبل عقود، في انتظار صدور التأشيرة التي نقلتهم من المغرب إلى القارة العجوز لكي يشيدوا حياتهم الخاصة هناك بعيدا عن وعود الحكومة.
وهذه الأخيرة مطالبة اليوم بمراقبة وضع المغاربة العالقين في المغرب والنظر في مشاكلهم، خصوصا وأن هناك من لديه أطفال يجب أن يكونوا في مدارسهم هذه الأيام، وهناك من يتعين عليه قضاء مصالح تتحكم في مستقبل أبنائه. صحيح أن العالم كله في حالة استثنائية، لكن بعض الإدارات في أوربا وجدت ضالتها في ظرفية فيروس كورونا لكي تعيد النظر في كثير من الملفات.
تلقى عدد من المهاجرين نصائح بعدم السفر لكنهم لم يستطيعوا مقاومة إغراء إحساس ملامسة العجلات لأرض الأجداد، وفضلوا تناول “بولفاف” هنا وانتظار ما قد يحدث.. وقد حدث فعلا.
هناك مغاربة لديهم قضايا عالقة في المحاكم، بات لديهم الآن الوقت الكافي للبت فيها، بل والبحث عن حلول لها مع أخوالهم الذين لم يكونوا يقابلونهم إلا في عتبة المحكمة لسنوات. كما أن هناك مهاجرين لم يتسن لهم الوقت نهائيا لاستكشاف المنازل التي اشتروها ذات صيف وغادروها دون أن يتمكنوا يوما من استكشافها كاملة. لديهم الآن ما يكفي من الوقت لكي يروا فعلا إن كان المغرب الذي تركوه خلفهم قبل عقود ليتخذوا قرار الهجرة، قد تغير فعلا. الأيام القليلة التي كانوا يقضونها في كل موسم لم تكن كافية لإدراك كل هذه الأمور.
سيكون من الطريف أن يأتي اليوم أحد المهاجرين المغاربة العالقين في “المغرب”، لكي يضع شكاية عن وضعيته لدى إدارة ما، سواء تعلقت بقضايا المهاجرين أو المواطنين العالقين “بصّح” في المغرب. إذ إن حقهم الدستوري يكفل لهم وضع الشكايات لدى الإدارات بل والمطالبة بحقوقهم التي لا ينازعهم فيها أحد.
ماذا سيقول موظف مغربي في إدارة منسية لمهاجر مغربي عالق في المغرب يريد أن يلفت انتباه المسؤولين إلى وضعيته لعلهم يجدون له حلا ما؟ تعرفون الجواب بطبيعة الحال. في أفضل الحالات سيكون جواب الموظف: “كلنا عالقون في المغرب”. وهذا حال السواد الأعظم من المغاربة الذين لا يحول بينهم وبين الهجرة سوى تعقيدات “التأشيرة” وفراغ الجيب، والخوف من المستقبل. وإلا لاستيقظ العثماني ذات صباح دون أن يجد من يخاطبهم في “تويتر” فحتى أعضاء حزبه أصبحوا يفضلون البحث عن أفضل طريقة للتوجه إلى كندا، ولو بمنحة دراسية مصطحبين معهم زوجاتهم وأبناءهم وسجادة الصلاة وحتى شعار الحزب.
كان الله في عون الذين وجدوا أنفسهم مضطرين إلى الانتظار. أكبر عدو للإنسان هو قتل الوقت، وهذا بالضبط ما يتعين على هؤلاء العالقين في المغرب القيام به، إلى أن يستطيعوا العبور مجددا، وبعث الأشواق إلى الوطن.
ذاك النوع من الأشواق الذي يتكون من سلسلة طويلة من الأرقام التي يتطلب تفكيكها إشهار البطاقة الوطنية قبل الحصول على “تحويلات مغاربة العالم”. في انتظار ذلك، عليهم أن يتحملونا قليلا.. كلنا عالقون في النهاية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى