
أعلن عز الدين الميداوي، وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، عن إعادة اعتماد نظام «الباشلور» في التكوين الجامعي، وذلك من خلال المدارس العليا للتكنولوجيا. وجاء هذا الإعلان عقب مصادقة مجلس الحكومة، يوم الخميس 12 يونيو 2025، على مشروع المرسوم رقم 2.25.456 القاضي بتعديل وتتميم المرسوم رقم 2.04.89 الصادر في 18 ربيع الآخر 1425 (7 يونيو 2004)، المتعلق باختصاصات المؤسسات الجامعية وأسلاك الدراسات العليا والشهادات الوطنية المطابقة.
تقوية فرص إدماج الخريجين في سوق الشغل
يهدف هذا النظام، المعتمد على نطاق واسع عالميا، إلى مواءمة منظومة التعليم العالي المغربي مع المعايير الدولية، مع الحفاظ على الطابع المهني للمؤسسات المعنية، ومنحها ميزة إضافية على مستوى التميز الأكاديمي، كما يسعى النظام إلى تحسين فرص إدماج الطلبة في سوق الشغل، خصوصا بعد التراجع، خلال الفترة السابقة من الولاية الحكومية، عن نظام الإجازة المهنية.
ويأتي إدماج نظام «الباشلور» في سياق تفعيل مضامين القانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، سيما في ما يخص تنويع العرض البيداغوجي وتعزيز جودة التكوين داخل مؤسسات التعليم العالي ذات الولوج المحدود.
جدير بالذكر أن نظام «الباشلور» سبق اعتماده في فترة الوزير الأسبق سعيد أمزازي، بعد توافق واسع مع مختلف الفاعلين في المجال الأكاديمي، قبل أن يُلغى لاحقا من طرف الوزير السابق عبد اللطيف ميراوي، وهو القرار الذي نتج عنه توقيف تسجيل أكثر من 24 ألف طالب في مختلف المسالك المعتمدة دون طرح بديل فعلي لنظام الاستقطاب المفتوح.
ويعتمد نظام «الباشلور»، المستوحى من الهندسة البيداغوجية الأنجلوساكسونية، في نسخته الأولى، على وحدات تهدف إلى تقوية اللغات الأجنبية والمهارات العرضانية الأساسية والثقافة العامة، إضافة إلى دعم قابلية تنقل الطلبة وطنيا ودوليا، كما يركز على تسهيل الانتقال بين التعليم الثانوي والتعليم العالي عبر إحداث سنة تأسيسية جامعية، تُعد جسراً بين المرحلتين.
تصفية تركة ميراوي
في منعطف جديد من تراكمات إصلاح التعليم العالي بالمغرب، عاد نظام (الباشلور) ليطل برأسه من بوابة المدارس العليا للتكنولوجيا، في مشهد يعيد إلى الأذهان قصة إصلاح طموح، حمل ملامحه الوزير الأسبق سعيد أمزازي، قبل أن يُجهض في مهده على يد خلفه عبد اللطيف ميراوي، ثم يُبعث من جديد على يد الوزير الحالي عز الدين الميداوي.
ففي سنة 2021، وبينما كانت أنفاس المنظومة الجامعية تختنق تحت وطأة الإشكالات التقليدية، خرج سعيد أمزازي، وزير التعليم العالي آنذاك، برؤية جديدة تُراهن على مواءمة الجامعة المغربية مع التجارب العالمية، عبر اعتماد نظام «الباشلور» المستوحى من الهندسة البيداغوجية الأنجلوساكسونية. لم يكن القرار وليد اللحظة، بل كان تتويجًا لمسار تشاوري طويل مع أساتذة وخبراء ومؤسسات جامعية.
كان النظام الجديد بمثابة قطيعة معرفية مع النموذج الكلاسيكي، حيث جاء ليسد الفجوة بين التعليم الثانوي والعالي من خلال سنة تأسيسية، ويمنح الطلبة مهارات لغوية وثقافية وتقنية تعزز جاهزيتهم المهنية، وتفتح أمامهم أبواب الاندماج في محيط معولم لا يرحم المتقاعسين عن التجديد.
لكن لم تكد فرحة الأوساط الجامعية تستقر حتى جاءت رياح التغيير السياسي، ليُعين عبد اللطيف ميراوي وزيرًا للتعليم العالي، وبقرار مفاجئ، اختار إيقاف العمل بنظام «الباشلور»، مُلغيا بذلك مسارات دراسية لأزيد من 24 ألف طالب، تركهم معلَّقين في فضاء الغموض دون بدائل واضحة. ولم يرافق قرار الإلغاء أي تفسير دقيق، ولا خريطة طريق بديلة، ما جعل عدداً من الفاعلين يرون في الخطوة نكوصاً عن إصلاح واعد، يُعيد المنظومة إلى دائرة التردد وغياب الرؤية.
اليوم، تعود الحكومة لتعلن، في مجلسها المنعقد يوم الخميس 12 يونيو الجاري، عن بعث نظام «الباشلور» من جديد، بمرسوم رسمي يقر اعتماده داخل المدارس العليا للتكنولوجيا، في خطوة تعكس عودة الثقة في هذا النموذج التكويني العصري. القرار جاء بمبادرة من الوزير الحالي الذي بدا حريصًا على ترميم ما تم هدمه، وإحياء روح الإصلاح الذي أطلقه أمزازي، حيت لم يكن ذلك مجرد اجترار للماضي، بل قراءة استراتيجية لمستقبل الجامعة، خصوصًا بعد حذف نظام الإجازة المهنية، وما خلفه من فراغ في التكوينات ذات الصبغة التطبيقية.
عودة النظام الجديد تأتي في سياق تنزيل مضامين القانون الإطار 51.17، الذي ينص على تنويع العرض التكويني والرفع من جودته، سيما في المؤسسات ذات الولوج المحدود، كما أن هذه العودة تمنح المدارس العليا للتكنولوجيا وضعية تميز، دون التفريط في وظيفتها المهنية، لتصبح رافعة للتكوين الأكاديمي المواكب لمتطلبات سوق الشغل، ومُحفزًا على الابتكار والاندماج. بين يد أمزازي التي غرست، ويد ميراوي التي اقتلعت، ويد الميداوي التي أعادت البناء، تقف الجامعة المغربية اليوم أمام لحظة مراجعة عميقة لخياراتها، فهل تكون هذه العودة الثانية للباشلور أكثر رسوخًا، أم أن قدر الإصلاح في هذا البلد أن يظل رهينة الأمزجة المتعاقبة؟ سؤال مفتوح على الزمن، وعلى الإرادة السياسية.





