
النعمان اليعلاوي
شرعت المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية في وضع اللمسات الأخيرة على مذكراتها الموجهة للحكومة، بشأن إصلاح أنظمة التقاعد، مع اقتراب موعد جولة جديدة من الحوار الاجتماعي المرتقبة في شهر شتنبر المقبل، فيما تأتي هذه المبادرة في ظل التحديات المتزايدة التي تعرفها الصناديق التقاعدية، وما يطرحه ذلك من رهانات حول استدامتها وقدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاه الأجيال الحالية والمستقبلية.
في السياق ذاته، تشير المعطيات المتوفرة إلى أن أنظمة التقاعد تواجه ضغطًا متزايدًا على مستوى التمويل، بفعل تزايد أعداد المتقاعدين وارتفاع متوسط أمد الحياة، مقابل تقلص عدد النشطين المساهمين في الصناديق. هذا الوضع أفرز عجزًا هيكليًا في بعض الأنظمة، ما جعل مسألة الإصلاح أمرًا ملحًا، وترى النقابات أن معالجة هذا الخلل المالي لا يمكن أن تقتصر على إجراءات ظرفية، بل تتطلب خطة شاملة تدمج إصلاحات هيكلية وضمانات اجتماعية. وتشمل الحلول المقترحة البحث عن مصادر تمويل إضافية، سواء عبر مساهمات جديدة أو توسيع قاعدة المنخرطين مع الحفاظ على التوازن بين المساهمات والمنافع.
ومن بين المحاور المركزية في مذكرات النقابات، مسألة التوازن بين الأجيال، بحيث يتم الحفاظ على حقوق المتقاعدين الحاليين، وفي الوقت نفسه ضمان استفادة الأجيال القادمة من الحقوق نفسها أو ما يعادلها، فيما يؤكد ممثلو الشغيلة أن أي إصلاح ينبغي أن يراعي العدالة بين الفئات، وألا يؤدي إلى تحميل أعباء إضافية لفئة دون أخرى، خاصة في ظل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الراهنة التي يعرفها المغرب، وما يواكبها من تحديات معيشية.
وترى النقابات أن أي تعديل في سن التقاعد يجب أن يكون مبنيًا على دراسات علمية ومعطيات دقيقة حول سوق العمل ومتوسط الأعمار، مع توفير تحفيزات لمن يختار الاستمرار في العمل بعد السن القانوني. وبالإضافة إلى الجوانب المالية والقانونية، تدعو النقابات إلى تطوير أنظمة التقاعد بما يتلاءم مع التحولات الاقتصادية والاجتماعية، مثل تغير طبيعة سوق الشغل، وتزايد العمل غير المهيكل وارتفاع نسب البطالة في بعض الفئات.
وتعتبر النقابات أن المذكرات التي ستُقدَّم للحكومة، خلال الأسابيع المقبلة، ستكون بمثابة أرضية تفاوضية أساسية، ستحدد ملامح النقاش في جولة الحوار الاجتماعي لشهر شتنبر. وتهدف هذه الجولة إلى التوصل إلى توافقات واقعية توازن بين ضمان استدامة الصناديق والحفاظ على المكتسبات الاجتماعية، فيما رجحت مصادر نقابية أن تعرف المفاوضات المقبلة نقاشًا معمقًا حول خيارات الإصلاح، خاصة في ظل وجود توجه رسمي سابق نحو إصلاح شامل لأنظمة التقاعد، بعد مراحل متقطعة من الإصلاحات القطاعية التي شملت بعض الصناديق دون غيرها.
ورغم اختلاف وجهات النظر بين الحكومة والنقابات والباطرونا، إلا أن جميع الأطراف تجمع على أن إصلاح أنظمة التقاعد لم يعد خيارًا مؤجلًا، بل ضرورة وطنية. ويبقى الرهان الأكبر هو إيجاد صيغة توافقية تحفظ الاستقرار الاجتماعي وتؤمن مستقبل المتقاعدين. وفي انتظار انطلاق جولة شتنبر، يبقى النقاش مفتوحًا أمام مختلف الفاعلين، وسط آمال بأن تسفر هذه المفاوضات عن حلول متوازنة وواقعية، تحمي الأجيال الحالية والمستقبلية وتضمن استدامة هذه المنظومة الحيوية لسنوات قادمة.





