الافتتاحية

الوطن أولا

في بضعة أيام ستكون التشكيلة الحكومية والأغلبية البرلمانية قد اتضحت بجلاء كامل وابتعدنا عن دائرة التخمينات، وقبل أن تستقر حكومتنا على حالها الأخير الذي سيعرض على جلالة الملك من أجل استكمال مسطرة التعيين الدستوري، لا بد أن نذكر بعض المهرولين للتحالف الحكومي بأن قضايا كبرى واستراتيجية تنتظر بلدنا، لا يشكل منها تشكيل حكومة وأغلبية برلمانية الذي يشغل طبقتنا السياسية سوى آلية دستورية لمواجهة تلك التحديات والمخاطر.
فالحكومة ما هي إلا واجهة سياسية ودستورية لإدارة شؤون البلاد وفق السياسة العامة للدولة وبناء على المعطيات والمتغيرات الداخلية والخارجية، وهي ذات فترة زمنية محدودة من عمر الوطن، بينما الوطن هو التضحيات وترجيح المصالح العليا على الحسابات الضيقة والمصالح الظرفية.
وللأسف لا أحد من الطامحين للتحالف أو المعارضة يضع نصب عينيه، أثناء سعيه للأغلبية أو المعارضة، التحولات الكبيرة التي تطرق بابنا من مثيل قرار موافقة المغرب على المبعوث الأممي الجديد في قضية الصحراء المغربية، وخلفية تعيين الجنرال دوكور دارمي بلخير الفاروق مفتشا عاما للقوات المسلحة الملكية، وإبعاد التحرشات الجزائرية ببلادنا، أو ما يقع في مالي من تحولات إرهابية بتمويل دولي ستؤثر لا محالة سلبا على وضعنا الاستثماري في القارة الإفريقية، أو برودة العلاقات الديبلوماسية مع الجارة الجنوبية موريتانيا، أو التحول الجيوستراتيجي للمملكة تجاه العالم الأنجلوساكسوني وتداعياته المحتملة على العلاقات مع الحلفاء الكلاسيكيين، أو التهديدات والمخاطر الأمنية جراء استهداف مؤسساتنا السيادية بسبب تغيير وجهاته الديبلوماسية وغيرها من القضايا الكبرى.
الكل منشغل بتوزيع بضع حقائب وزارية، والأنكى والأمر أن هناك من يعتقد أنه وبمجرد مغادرة الحكومة أو لكراسي التحالف فقد يخسر الوطن رهاناته، حتى بات الحفاظ على الاصطفافات هو الشغل الشاغل والهاجس المؤرق، وبدا للبعض من أمنائنا العامين أن نجاحهم لا يقاس إلا بطول فترة بقائهم في مواقعهم وجالسين على كراسي الحكومة دون أن يلمس المواطنون أي أثر إيجابي لبقائهم، ودون أن تكون في بقائهم مصلحة للوطن.
لا يدري هؤلاء أن مصلحة الوطن هي أكبر بكثير من كل المناصب والمكاسب التي يتفاوضون حولها، وأكبر من الوقوف عند رغبات أمين عام يريد أن يصبح هو أو ابنه أو ابنته وزيرا أو رئيسا لمجلس النواب أو رئيسا لمجلس المستشارين أو وزير دولة. إن الوضع الذي نعيشه يفرض على أحزابنا ألا تبني قناعتها بالحكومة أو المعارضة على منطق حب زيد أو كره عمرو، بل على مصالح الوطن التي ربما تتآكل إن لم يكن هناك ظهير سياسي حقيقي يعمل بجد من أي موقع كان لحماية مصالح دولتنا، والخشية هنا أن تضيع منا، وسط حرب الكراسي والأطماع الصغيرة للبعض والأنا المتضخمة للبعض الآخر، فرصة تشكيل مؤسسات قوية نواجه بها الصعاب القادمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى