الملف السياسي

«بلوكاج» التشريع بالبرلمان.. هل ستسقط الحكومة بسبب التعليم؟

إعداد: محمد اليوبي

اندلعت أزمة سياسية جديدة داخل الأغلبية الحكومية، بسبب انقلاب حزب العدالة والتنمية، الذي يقود الحكومة على التوافق الذي حصل بين جميع الأحزاب السياسية الممثلة داخل البرلمان، بخصوص القانون الإطار المتعلق بالتربية والتكوين، وساهم عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة السابق، في صب المزيد من الزيت على نار الخلافات بين مكونات التحالف الحكومي، بتحريضه على إسقاط حكومة العثماني. كما دخل حزب الاستقلال على الخط لإرباك العملية التوافقية، بدعوته إلى تفعيل الفصل 103 من الدستور، لاختبار مواصلة منح الثقة للحكومة من طرف البرلمان، عن طريق التصويت على القانون. فهل هي رسالة سياسية موجهة إلى «البيجيدي»، قبل اللجوء إلى استعمال سلاح ملتمس الرقابة لإسقاط الحكومة؟

أصبحت الدورة الاستثنائية للبرلمان في مهب الريح، وذلك بعد فشل ندوة رؤساء الفرق البرلمانية في التوصل إلى اتفاق بشأن موعد لانعقاد لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، قبل افتتاح الدورة الربيعية العادية، يوم الجمعة المقبل، خاصة أن القانون الإطار المتعلق بالتربية والتكوين شكل محور جدول أعمال هذه الدورة، وتأتي هذه التطورات، بعدما تمكن فريق حزب العدالة والتنمية من عرقلة ثلاثة اجتماعات عقدتها لجنة التعليم والاتصال بمجلس النواب، خلال الأسبوع الماضي، للمصادقة على القانون، ما تسبب في أزمة داخل الأغلبية الحكومية، تهدد بسقوط الحكومة. كما أن فريق حزب الاستقلال قاطع ندوة الرؤساء، وأعلن انسحابه من التوافق الذي حصل قبل أسبوعين بخصوص المواد الخلافية بالقانون، قبل أن ينقلب حزب العدالة والتنمية على هذا التوافق، حيث توصلت اللجنة التقنية المكلفة بمناقشة القانون إلى صياغة التعديلات المقترحة، ما جعل الحكومة تدعو إلى عقد دورة استثنائية بموجب مرسوم وقعه رئيسها، سعد الدين العثماني، وهو الأمين العام للحزب الذي «عرقل» عملية التصويت على القانون.

تحريض بنكيران وانقلاب «البيجيدي»
بالتزامن مع انعقاد لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، خلال الأسبوع الماضي، للمصادقة على مشروع القانون الإطار المتعلق بالتربية والتكوين، بعد التوصل إلى توافق بين جميع الفرق البرلمانية من الأغلبية والمعارضة، حرض رئيس الحكومة السابق والأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية، نواب حزبه على التصويت ضد القانون، ولو أدى ذلك إلى إسقاط الحكومة التي يقودها سعد الدين العثماني، حيث دعا في كلمة مصورة بثها عبر صفحته الفيسبوكية، منتسبي الحزب وبرلمانييه في مجلسي النواب والمستشارين إلى التمرد على التوافق، الذي تم التوصل إليه بمجلس النواب، من أجل التصويت على القانون، بما في ذلك المواد المثيرة للجدل المتعلقة بتدريس المواد العلمية والتقنية بإحدى اللغات الأجنبية. واعتبر بنكيران أن المصادقة على القانون الإطار 51.17 المتعلق بإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي بصيغته الجديدة ستكون بمثابة «ضربة قاضية لحزب العدالة والتنمية»، على حد تعبيره، وطالب فيها فريق حزبه بالبرلمان وكذا رئيس الحكومة سعد الدين العثماني برفضه.
وواصل بنكيران تحريضه لنواب الحزب على رفض التصويت على القانون الإطار في الشق المتعلق بلغة التدريس، ودعا إلى ضرورة التراجع عن الصيغة المتوافق حولها «ولو كانت الضريبة هي سقوط الحكومة»، معتبرا أن حزب العدالة والتنمية «قدم تنازلات، لكن التنازل عنده حدود»، داعيا إلى «ترك الأحزاب الأخرى للتصويت على القانون، وإن أرادوا تشكيل أغلبية جديدة غير هذه الأغلبية الحالية، فنحن لن نكون إلى جانبهم» على حد تعبير بنكيران، معتبرا تصويت حزب العدالة والتنمية على القانون الإطار «خيانة» للدستور ولرؤيته المذهبية.
وتسببت خرجة بنكيران في ارتباك نواب حزب العدالة والتنمية، حيث انسحب إدريس الأزمي الإدريسي، رئيس الفريق، من اجتماع ندوة رؤساء الفرق البرلمانية، بحضور الحبيب المالكي، رئيس مجلس النواب، عندما طالب بتأجيل الجلسة التشريعية المخصصة للتصويت على مشروع القانون الإطار المتعلق بالتربية والتكوين، وذلك إلى حين حسم الخلافات داخل فريق حزبه بخصوص تدريس المواد العلمية والتقنية بإحدى اللغات الأجنبية. وتسبب ارتباك فريق «البيجيدي» في تأجيل اجتماع لجنة التعليم والاتصال، كما عقد العثماني اجتماعا طارئا مع نواب حزبه، بعدما هدد بعضهم بالتصويت ضد القانون، رغم التوافق حول النقاط الخلافية.
وفعلا، تمكن نواب «البيجيدي» من تأجيل ثلاثة اجتماعات كانت مبرمجة للمصادقة على القانون، وذلك إثر انقلاب الحزب على الاتفاق الذي حصل بين رؤساء الفرق البرلمانية على تقديم تعديلات مشتركة، وتوصلوا إلى صيغة لتعديل المواد التي كان بشأنها خلاف، ويتعلق الأمر بالمادة الثانية من القانون، التي تنص على اعتماد مبدأ التناوب اللغوي، والمادة 31 التي تنص على تدريس المواد العلمية والتقنية بإحدى اللغات الأجنبية، لكن الخروج المثير لبنكيران، جعل رئيس فريق «البيجيدي» يتراجع عن هذا التوافق، وطلب مهلة إضافية لإعادة النظر في التعديلات المقدمة.

أزمة داخل الأغلبية
اتهم وزير التربية الوطنية والتعليم العالي، سعيد أمزازي، نواب حزب العدالة والتنمية بعرقلة التصويت على القانون، وذلك بعد انقلابهم على ما تم الاتفاق عليه بحضوره وتحت إشراف رئيس مجلس النواب. وبخصوص مطالبتهم باعتماد الرؤية الاستراتيجية التي وضعها المجلس الأعلى للتربية والتكوين في ما يخص التدريس باللغات الأجنبية، أوضح أمزازي أن المجلس الأعلى للتربية والتكوين له دور استشاري ولا يتدخل في التشريع، مشيرا إلى أن الحكومة هي التي وضعت القانون وأحالته على البرلمان. وفي ما يتعلق بالجدل حول تدريس المواد العلمية بإحدى اللغات الأجنبية، قدم الوزير معطيات صادمة حول الهدر المدرسي في صفوف حاملي شهادة الباكالوريا علمية، حيث 30 في المائة منهم لا يتابعون دراستهم في كليات العلوم، بسبب لغة التدريس، كما أن 22 في المائة يغادرون كليات العلوم مباشرة بعد تسجيلهم، و45 في المائة يغادرون بدون الحصول على أية شهادة جامعية.
واحتج نواب المعارضة على تأجيل اجتماع اللجنة، بسبب الصراعات التي تعرفها الأغلبية الحكومية، وأكد محمد اشرورو، رئيس فريق الأصالة والمعاصرة، أن خلافات فرق الأغلبية تتسبب مرة أخرى في تعطيل التصويت على مشروع قانون الإطار، والتاريخ سيسجل عليهم عرقلة مجموعة من النصوص التشريعية وهدر الزمن التشريعي، مسجلا أن فريق «البام» غير معني بما ستؤول إليه الأمور، محملا المسؤولية الكاملة لفرق الأغلبية التي لم تتمكن من أن تتوافق وتتجاوز خلافاتها، مشيرا إلى أن الأغلبية الحكومية تجاهلت أهمية الزمن التشريعي واستخفت بباقي الفرق البرلمانية حينما انقلبت على الصيغة المتوافق عليها بخصوص المادة 2 المتعلقة بتدريس بعض المواد العلمية والتقنية بلغات أجنبية، مبرزا أن مجلس النواب يعقد دورة استثنائية من أجل التصويت على مشروع القانون، نظرا لأهميته باعتباره قضية كبرى ومهمة للبلاد.
وأكد محمد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، على أهمية التركيز على مسألة القيام بإصلاح عميق لمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي وإصلاح المدرسة المغربية العمومية والمناهج وجودة التعليم والمساواة في الولوج إلى التعليم، عوض حصر النقاش في لغة التدريس. وفي ما يتعلق بلغة التدريس، طالب بنعبد الله بضرورة التركيز على مناقشة المشاكل الحقيقية التي تعرفها المنظومة التعليمية، مشددا على أن اللغة العربية تعتبر هي الأساس، لذا وجب الحفاظ عليها كلغة للتدريس، مع العمل، موازاة مع ذلك، على الانفتاح على اللغات الأجنبية، فضلا عن التعامل مع الأمازيغية باعتبارها لغة رسمية.
من جهتها، شنت عائشة لبلق، رئيسة المجموعة النيابية للحزب، هجوما على فريق حزب العدالة والتنمية، وأكدت على أنه كان بالإمكان التوصل إلى صيغة توافقية، إلا أن البعض، ومع كامل الأسف، فضل الدخول في حسابات سياسية ضيقة، وجعل هذا القانون رهينة تجاذبات سياسوية عوض مباشرة ورش إصلاح المدرسة العمومية ورد الاعتبار إليها.
وأكد قيادي بأحد الأحزاب المشاركة في الحكومة، أن موقف «البيجيدي» من قانون التعليم سيكون له ما بعده داخل الأغلبية، وأن التعايش بين المكونات نفسها تحت سقف الحكومة لم يعد له معنى في ظل ازدواجية المواقف وتصريف حسابات وأجندات إيديولوجية وانتخابوية بغية تصريف الأزمة الداخلية للحزب الذي يقود الحكومة، مشيرا إلى انقلاب فريق الحزب على حلفائه لعرقلة أشغال اللجنة المختصة التي اشتغلت عدة أيام على القانون لكي يكون جاهزا للمصادقة قبل اختتام الدورة البرلمانية. واستغربت مصادر في فرق الأغلبية للطريقة التي يتعامل بها فريق الحزب الذي يقود التحالف الحكومي، ما اعتبرته المصادر سلوكا سلبيا يهدف إلى عرقلة مشروع قانون يعزز ورش إصلاح منظومة التربية والتكوين الذي يرعاه الملك محمد السادس، وأكد على أهميته في خطبه، بل اعتبره قضية أولى بعد قضية الوحدة الترابية.

سحب الثقة من الحكومة
دعا حزب الاستقلال رئيس الحكومة إلى تفعيل الفصل 103 من الدستور لاختبار مواصلة منح الثقة في حكومته، من خلال ربط طلب الموافقة على مشروع القانون الإطار المتعلق بالتربية والتكوين والبحث العلمي، لدى مجلس النواب بتصويت منح الثقة للحكومة حتى تواصل تحمل مسؤوليتها.
وأشار بلاغ صادر عن اللجنة التنفيذية للحزب، التي عقدت اجتماعا برئاسة نزار بركة، الأمين العام للحزب، إلى أن المقترح جاء بعد استعراض الحالة السياسية الناتجة عن التداعيات الخطيرة التي أفرزها مسار مناقشة هذا المشروع داخل مجلس النواب من طرف مكونات الأغلبية الحكومية والأزمة التشريعية غير المسبوقة التي تسببت فيها، واعتبارا للتصدع المزمن الذي ما فتئت تشهده مكونات الأغلبية – بما فيها الحزب القائد لها- والذي زادت حدته في الآونة الأخيرة في سياق انتخابوي سابق لأوانه، بتداعياته المتفاقمة على تماسك الأداء الحكومي والعمل التشريعي، وما لذلك من عواقب في إهدار منسوب الثقة لدى المواطن والفاعل، وتعطيل أوراش الإصلاح الملحة وإضاعة فرص التنمية على البلاد.
وأوضح الحزب أن المقترح يأتي، كذلك، نظرا للتداعيات الخطيرة لهذه الأزمة السياسية على مصداقية المؤسسات الدستورية، وخاصة الحكومة والمؤسسة التشريعية، وما أفرزته من إضعاف واضح لمنسوب الثقة فيهما، ومن عرقلة لمهامها ووظائفها، ونظرا للمناخ السياسي العام الموسوم بالعبثية والهشاشة وسوء الفهم الكبير بين المؤسستين التشريعية والتنفيذية نتيجة الفشل الواضح للأغلبية الحكومية ومعها الحكومة في تحمل مسؤولياتها، ونظرا للتذبذب في المواقف والارتجالية في التعاطي مع مشروع قانون الإطار المتعلق بالتعليم.
واعتبر الحزب أن التحلل من الالتزام بالصيغة التوافقية حول مشروع القانون الإطار حول إصلاح التعليم، هو مؤشر غير مسبوق في الممارسات السياسية والتشريعية الفضلى، ويتجاوز مضامين مشروع القانون الإطار إلى ما هو أعمق وأخطر يمس استقرار المؤسستين الحكومية والبرلمانية.
ويرى المحلل السياسي حفيظ الزهري أن الأزمة الحكومية ليست وليدة اليوم، لذا لا يمكن اعتبار القانون الإطار سببا من أسبابها، بل ساهم في إظهارها بشكل واضح للعموم. فالأزمة التشريعية هي نتاج تراكمات الصراع الصامت داخل الأغلبية الحكومية. فبعد توافق الأغلبية والمعارضة، يلاحظ أن هناك متدخلين آخرين وأيادي تحاول العبث بهذا التوافق إما عن قناعة وهذا أمر مستبعد، أو عن سوء نية تصفية لحسابات قديمة ربما حانت الفرصة السياسية في نظرهم لرد الصاع صاعين سواء للخصوم الداخليين أو للحلفاء، دون الأخذ بعين الاعتبار المصالح العليا للبلاد والشعب المغربي، حيث يتضح أن الصراع ليس صراع ثقافة وهوية وإنما هو صراع ثنائي ثلاثي لا أقل ولا أكثر.
وأضاف الزهري قائلا: «في اعتقادي الأزمة التشريعية الحالية ستكون لها تبعات ونتائج ليس فقط على الحكومة بمختلف مكوناتها بل على المشهد السياسي المغربي بصفة عامة، وقد تتعدد الخيارات، يبقى أهمها تقديم ملتمس الرقابة أو اللجوء إلى تعديل حكومي موسع قد ينتج عنه تغير كبير في ملامح التحالف الحكومي الذي أصبح مجرد ائتلاف ذاهب للانفجار في أي لحظة».
وبخصوص دعوة حزب الاستقلال لتفعيل المادة 103 من الدستور، اعتبرها الزهري محاولة من الحزب المعارض لقياس ميزان مدى تلاحم مكونات الحكومة الحالية، مستغلا في ذلك تنصل برلمانيي العدالة والتنمية من مخرجات التوافق حول قانون الإطار بعد دخول رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران على الخط عبر دعوته لعدم التصويت على هذا القانون. وزاد المتحدث ذاته قائلا: «لكن كان بإمكان حزب الاستقلال الذهاب إلى أبعد حد عبر تقديم ملتمس الرقابة وفقا للفصل 105 في ظل الشتات الذي يعرفه التحالف الحكومي، وربما قد ينتج عن ذلك إسقاط للحكومة، لكن يظهر أن أبناء علال الفاسي يحاولون تعميق الأزمة أكثر ربحا للمزيد من النقاط على حساب الحكومة ورفيقه في المعارضة حزب الأصالة والمعاصرة، وهي لعبة سياسية في اعتقادي قد تخلط الأوراق وتعيد السباق المبكر نحو الظفر بانتخابات 2021 إلى نقطة الانطلاقة بعدما كانت محاولات حصره بين حزبي العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار».
وحول إمكانية تفعيل ملمس الرقابة، تحدث الزهري عن غياب التنسيق بين مكونات المعارضة البرلمانية، ما يجعل من تفعيل المادة 105 مستبعدا إلى حد ما، مشيرا إلى أن تقديم ملتمس الرقابة يحتاج إلى قوة عددية، وهو ما لا يتوفر لحزب الاستقلال، مضيفا «وتبقى الدعوة لتفعيل المادة 103، في اعتقادي، مجرد محاولة للركوب على موجة الخلافات داخل التحالف الحكومي وممارسة المزيد من الضغوطات على الحكومة». وفي حال حصل تنسيق بين مكونات المعارضة، لم يستبعد الزهري أن تتطور الأمور لتفرض ضرورة تقديم ملتمس الرقابة الذي قد يعصف بالحكومة الحالية، حيث يبقى سيناريو حكومة وطنية واردا جدا في هذه الظرفية السياسية التي تمر منها البلاد، في حين يبقى سيناريو الذهاب لانتخابات سابقة لأوانها مستبعدا إلى حد ما.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى