
لقي 9 أشخاص مصرعهم وأصيب 7 آخرون على الأقل بجروح متفاوتة الخطورة في حادث انهيار عمارة سكنية من 4 طوابق، بمقاطعة المرينيين بمدينة فاس، وهو الشيء الذي يعيد شبح البنايات القاتلة إلى الواجهة بقوة، في ظل إهمال المجالس الجماعية القيام بدورها في حماية سلامة وحياة المواطنين، وتقاذف المسؤوليات بين الجماعات الترابية ووزارة الداخلية ووزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة والمُلاك أو من يكترون المنازل، حيث تبقى النتيجة واحدة وهي المزيد من المآسي والأحزان والضحايا الذين يتركون خلفهم جروحا يصعب اندمالها.
مشكل البنايات الآيلة للانهيار يتعاظم خطره كل يوم بجل المدن الكبرى والصغرى، حيث المنازل التي تشبه الخرب بالمدن العتيقة وبالأحياء الهامشية، والأسوار والشُرفات التي تظهر عليها تشققات واضحة، بالقرب من المرافق العمومية والشوارع الرئيسية والأسواق، وذلك في ظل تعثر معالجة الملف الحساس من قبل رؤساء المجالس الترابية المعنية، وبطء وتعثر الإجراءات القانونية الخاصة بالتدخل لتوفير شروط السلامة والوقاية من الأخطار.
إن إشعار السكان بإخلاء بنايات آيلة للسقوط، لا يجدي نفعا في تنزيل شروط السلامة وحماية الأرواح، بل الواجب هو تنفيذ الإخلاء بشكل مستعجل عندما تكون الحالة تقتضي ذلك طبقا لمعاينة اللجان التقنية والمهندسين المختصين، فضلا عن إشعار النيابة العامة المختصة، وترحيل الأسر مؤقتا بالقوة في حالة الاستعجال لحماية الأرواح بالدرجة الأولى، وليس انتظار حلول الكارثة لتأتي كل جهة بدليل الإجراءات الإدارية التي تم القيام بها، علما أن ذلك لا يغير من النتيجة والواقع المعاش.
وما يجب أن يستوعبه كل المسؤولين والمنتخبين، هو أن القوانين والقرارات الإدارية ليست للاستئناس ووجودها هو للتنزيل وتحقيق النتيجة التي تأتي على رأسها حماية الأرواح وسلامة المواطنين، بحيث إذا ما تم خرق الحق الدستوري في الحياة، فإن كل التبريرات التي تطرح بعد ذلك لا تفيد في أي شيء، سوى تكريس عدم الثقة بين المواطن والمؤسسات ومنح صورة سلبية حول تدبير الملفات الحساسة التي لها علاقة مباشرة بحياة وسلامة المواطن.
هناك منازل وعمارات وشرفات وأسوار آيلة للسقوط توجد لحدود الآن بالشوارع وقرب الأسواق وبالمدن العتيقة وأماكن تشهد حركة مكثفة للمارة والسيارات، حيث سبق وقوع العديد من حوادث الانهيار وتسجيل ضحايا وخسائر مادية، لكن لا حياة لمن تنادي والمجالس الجماعية منشغلة بالتفاهة السياسية وتمييع دور الجماعات والقتل الرمزي لما تبقى من ثقة في المؤسسات المعنية بخدمات القرب.
الكل يعرف أن ملف البنايات الآيلة للانهيار، يحتاج معالجة مشكل تهرب الملاك من الصيانة والإصلاح، وعقود الكراء القديمة بأثمنة بخسة ورفض الإفراغ، ومشاكل الإرث، وتقاذف المسؤوليات بين المؤسسات المعنية، والحاجة للتمويل لإعادة الإسكان مؤقتا في الحالات الاستعجالية، والحاجة أيضا إلى الصرامة في توفير شروط السلامة، لكن الكل يختار الصمت حتى تقع الكارثة ليتم بعدها إدلاء كل جهة بالوثائق التي تفيد قيامها بعملها، بينما لو قام كل مسؤول ومنتخب بواجبه لما كان هناك مشكل من الأصل.
في ظل التقلبات المناخية والكوارث الطبيعية لا قدر الله، يتضاعف خطر توالي حوادث الانهيارات المتعلقة بالبنايات الآيلة للسقوط، ما يتطلب الصرامة والجدية في تسريع برامج الصيانة أو الهدم وإعادة البناء، والعمل على حماية الأرواح والممتلكات مع تفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة، والتدخل في الحالات المستعجلة، حتى ولو تطلب الأمر استعمال القوات العمومية في الإفراغ بالقوة بتنسيق مع النيابة العامة المختصة.
يجب على كافة القطاعات الحكومية المعنية، أن لا تهمل خطر البنايات الآيلة للسقوط الذي يتضاعف بالمناطق المهددة بالهزات الأرضية والزلازل، أو تلك التي تشهد تساقطات مطرية غزيرة وهبوب الرياح القوية، وهو الشيء الذي يستدعي الإحصاء الشامل للبنايات الآيلة للانهيار، مع وضع أولويات واضحة في التدخل وإلزام كافة الجهات المعنية باحترام شروط السلامة، لأن أرواح المواطنين هي أغلى ما نملك كما يؤكد دستور المملكة والتعليمات الملكية السامية.





