شوف تشوف

الرأيالرئيسية

«بول سيرفانت».. المُصور المنسي

يونس جنوحي

 

 

التصوير، هذه الأيام، صار «هواية» مُكلفة، هناك رواج غير مسبوق في سوق معدات التصوير ولوازم الكاميرات. والسبب الإقبال الكبير على بث المحتوى، إن صح التعبير طبعا، الموجه لـ«الاستهلاك» على الهواتف النقالة.

هكذا، بدل أن يشتري الشباب معدات صيد الأسماك في الوديان، أو أدوات تزيين الدراجات النارية، صاروا يقتنون عدسات الكاميرات وأجهزة الميكروفون وأدوات الإضاءة وصناعة «الأستوديو المنزلي». شركات إنتاج بدون علم أصحاب دفاتر التحملات.

الحقيقة أن هواية التصوير قديمة جدا، لكنها، عندما تجتمع مع الموهبة، توصل صاحبها إلى العالمية، وقد تُدخله التاريخ، هذا بالضبط ما وقع لـ«بول سيرفانت».

هذا الرجل وُلد في العام 1878، وفي شبابه جاء إلى المغرب في إطار جولة سياحية، وكان وقتها يهوى التصوير.

هذه الهواية، التي مارسها بشغف إلى أن مات في مدينة طنجة سنة 1958، كانت وراء دخوله التاريخ. ورغم أن هذا المصور توفي بعد استقلال المغرب واستعادة منطقة طنجة، إلا أننا، للأسف، لا نعرف عنه أي شيء، ولولا أن أرشيفه حُفظ لدى الأمريكيين، في واحدة من كبريات وكالات التصوير، لانتهى مجهولا دون أن يعرفه أحد، رغم أن أعماله عُرضت في مجلات مهمة خلال ثلاثينيات وخمسينيات القرن الماضي.

من مدينة ليون الفرنسية جاء الشاب «بول» إلى المغرب، بعد جولة تصوير طويلة جال خلالها بين مدن الجنوب الفرنسي وإسبانيا.

إلى هنا تبدو حياة هذا المصور، الذي لم يحترف التصوير إلا متأخرا، رغم أنه بدأ مسيرته في سن مبكرة جدا، عادية للغاية. لولا أنه سبق له أن أدى الخدمة العسكرية في فوج المشاة. ومن حياة الجيش، ودون أن تفارقه آلة التصوير، ترقى إلى أن أصبح رئيس ما كان يعرف وقتها بـ«لجنة البروباغندا والسياحة». ومارس أنشطته من طنجة الدولية، ليصبح لاحقا رئيسا لـ«مكتب السياحة في طنجة».

هذه الحياة الحافلة ما كان هذا الفرنسي ليعيشها، لولا أنه لم يلاحق حلمه في ممارسة هواية التصوير في الشوارع، وبفضل آلة التصوير التي كان يحملها فوق صدره دائما، وثق لمشاهد مهمة من تاريخ المغرب منذ سنة 1904، وهناك كتابات تؤكد أنه بدأ التصوير في المغرب قبل هذا التاريخ.

لا بد وأن جزءا من أرشيف هذا المصور الفرنسي ضاع بسبب عوامل الزمن، وأن ما وصلنا من فنه لم يكن سوى الصور الأصلية التي نجت، أو نُسخت، خصوصا وأن أعماله بدأت تعرض على صفحات المجلات في ثلاثينيات القرن الماضي.

والمثير أن أول منبر نشر صور «بول»، كان مجلة ناطقة بالإسبانية تصدر في مدينة طنجة خلال ثلاثينيات القرن الماضي، ويتعلق الأمر بمجلة «لا بيكينا إيستوريا دي تانخير» و«ريفييرا طنجة». وهكذا استطاع الوصول إلى جمهور واسع من القراء من خلال «صيد الكاميرا».

تخيلوا لو أن السيد «بول» عاش في وقتنا الحالي، لا بد أن أعماله كانت لتعرف شهرة أكبر، ولربما نافس كبار المصورين العالميين الذين يحصدون كبريات جوائز التصوير سنويا في نيويورك وبرلين وأمستردام.

الهواتف النقالة لن تقتل أبدا آلات التصوير، هذه قناعة راسخة لدى محترفي التصوير عبر العالم، تماما مثلما يؤمن متصفحو الجرائد بأن نهاية الجريدة لا يمكن أن تكون على يد ماسكي الهواتف النقالة، لأن فعل القراءة لا يرتبط لا بالورق ولا بالهاتف، بل بحب الاطلاع وطقس حمل الجريدة، الأمر نفسه ينطبق على آلات التصوير.

المشكل يكمن في الواقفين خلف الكاميرا، هناك من مكنتهم آلة تصوير وحدها من تخليد أسمائهم في التاريخ دون أن يكتبوا سطرا واحدا، وهناك من أرسلتهم كاميرا الهواتف إلى مزبلة التاريخ، دون أن يفتحوا أفواههم بكلمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى