حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأي

بين السوفيات والروس

 

 

بيار عقيقي

 

التاريخ لا يعيد نفسه، بل يكرر الأحداث لأسباب عدة. لا يعني أن قتال قبائل في غابر الأزمنة على واحة مياه وسط الصحراء، ثم قتال بلدين أو أكثر على الواحة نفسها في أيامنا الحالية، مجرد إعادة تاريخية. وإذا كنا نعتبر أن الحرب العالمية الثانية شهدت معارك دموية بين أطرافها، فإن الهامش الزمني بين معركة وأخرى في حرب «الواحة الصحراوية»، مثلا، هو الذي يخلق الفرق، مع ما تحتويه من تكثيف بشري وتقني وتحولات ديموغرافية واقتصادية.

لا يمكن القول إن صراع الحرب الباردة (1947 ـ 1991) قد انتهى بسقوط الاتحاد السوفياتي، واستطرادا سقوط حلف وارسو، بل يمكن القول إن روسيا، الوريثة الشرعية للسوفيات مع بعض التعديلات الإيديولوجية، عملت أيضا على إيجاد تكتل مواجه للغرب. الخريطة السياسية لم تتغير، بشكلها القاري الأوروبي أقله، في ظل احتوائها ثروات عدة، غير أن بعض هذه الدول بأوروبا الشرقية تحديدا أنزلت العلم الأحمر، وأعلنت انضواءها في «صفوف العالم الحر». والفجوة التي أحدثها انهيار السوفيات، ودامت نحو عقد، سمحت بتغلغل حلف شمال الأطلسي بقوة في المواقع السوفياتية السابقة. لكن المشكلة لم تندثر: كيف يمكن احتواء روسيا، وعدم قيام إمبراطورية جديدة، شبيهة بالرايخ الألماني والإمبراطوريتين اليابانية والإيطالية؟

الشروط التي بُني عليها مسار الحركة السياسية بالعالم نابعة من نتائج الحرب العالمية الثانية. لذلك، أسقط الأمريكيون الذين تدخلوا في الحرب اليابان، وأنشؤوا قاعدة عسكرية بها، وشاركوا في إسقاط ألمانيا وإيطاليا، وأنشؤوا قاعدتين بهما. في المقابل، ساهم دعمهم السخي السوفيات، عبر نقل النفط والمواد الخام إلى الموانئ السوفياتية، في بناء ترسانة عسكرية لجوزيف ستالين، استطاع بها رفع شعار «لا أرض خلف نهر الفولغا»، وترجمة تحديه أدولف هتلر بستالينغراد، ثم مطاردة الألمان إلى برلين. توقف التعاون الأمريكي السوفياتي عند هذا الحد، ولم تُنشئ واشنطن أي قاعدة لها بموسكو.

هنا، تبدو روسيا «ملفا عالقا»، كان لا بد من السيطرة عليه بعد سقوط السوفيات، ليس عبر افتتاح متجر ماكدونالدز بموسكو فحسب، بل أيضا عبر تقديم نوع من «خطة مارشال 2» التي قدمتها الولايات المتحدة لأوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وأدت إلى إعادة إعمارها. لم يحصل أي مشروع من مشاريع الدعم الاقتصادي لروسيا. لم تكن هذه الخطوة خطيئة بالمعنى السياسي، بقدر ما تعني أمرا من اثنين: إما أن عدم تقديم الدعم المالي لروسيا الجديدة بعد تفكك السوفيات مقصود، بغرض «إيجاد عدو جديد على أنقاض عدو سابق»، أو لأن قصر النظر لدى دول «العالم الحر»، في ظل الأحداث المتلاحقة بين أواخر ثمانينيات القرن الماضي ومطلع تسعينياته، دفعها إلى الاعتقاد بأن تحولات أوروبا الشرقية، ستمنع أي تفكير مستقبلي في إعادة إحياء شكل جديد من «الاتحاد السوفياتي». أوكرانيا وجورجيا وكازاخستان وبيلاروسيا نماذج فاقعة عن عاقبة قصر النظر.

تمتع جوزيف ستالين بأفضلية قياسا على فلاديمير بوتين. في لحظة ما، كان الغربيون يحتاجون حليفا بالشرق، قادرا على مدهم بالعناصر البشرية واستنزاف ألمانيا. لذلك، أدت أولوية الحاجة الغربية لستالين إلى غض النظر عما يحصل بالداخل السوفياتي. أما بوتين، فلا حاجة غربية إليه بقدر ستالين، لغياب «العدو المشترك» أولا، ولأن لا نظام حزبيا بروسيا ثانيا، كما الشيوعية السوفياتية، بل بوتينية قد تنتهي بانتهاء قائدها.

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى