شوف تشوف

الرئيسيةالقانونية

تأملات حول المساطر الاستنادية في قضايا المخدرات

رشيد المنجري : عضو نادي قضاة المغرب
من المعلوم أن قضايا المخدرات بمختلف تجلياتها ووقائعها المتنوعة من حيث المكان والزمان والأشخاص المتورطين وكذا نوع المخدر موضوع الجريمة، تعرف فقها بكونها من القضايا التي تحمل بصماتها معها، ويقصد بذلك أنه يستحسن للدقة في ضبط الجريمة والقول بنسبتها للمتهم في قضايا الاتجار والحيازة والتصدير والزراعة والحيازة غير المبررة أن يتم ضبط المعني بالأمر متلبسا باليد في الحقيبة «la main dans le sac».
بمعنى أنه عند ضبط تاجر المخدرات والمتورط بها، فمن الأفضل للضابطة القضائية التي باشرت البحث أن تحجز مع المعني بالأمر كمية من المخدرات، ثم تبحث بعد ذلك عن الدليل في كونها تخصه ويتاجر فيها، أو كونها مخصصة للترويج أو التصدير أو غير ذلك من الأعمال المجرمة قانونا، طبقا لظهير21 ماي 1974، أو لمدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة.
وعلاقة بموضوعنا، وهو تقديم المتهمين والأشخاص أمام العدالة بناء على «مساطر استنادية أو مرجعية»- والتي يمكن تعريفها لغير المطلع على المفاهيم القانونية- بكونها الحالات التي يتم ضبط بعض الأشخاص في قضايا سابقة فيذكرون أشخاصا إما بأسمائهم الكاملة أو بألقابهم أو بأوصافهم، والأماكن التي يترددون عليها على أساس أنهم هم من زودوهم بالمخدرات أو كونهم يشتغلون لفائدتهم أو يعرفون بأن لهم علاقة بالمخدرات، فتحرر مذكرات بحث في حق هؤلاء ليتم ضبطهم بعد ذلك ومواجهتهم بما ذكره هؤلاء الأشخاص السابق تقديمهم إلى العدالة من اتهامات.
إن الموضوع يحتاج إلى تفصيل كبير، وأود فقط هنا أن أعرج على جزئية من الأهمية بمكان، وهي الحالة التي يتم ضبط متهم تم ذكره في مجموعة من المساطر المرجعية، التي قد تفوق العشرات ويقدم إلى النيابة العامة بدون محجوز ولا إجراء تفتيش قانوني بمنزله أو الأماكن التي من المحتمل أن يتردد عليها، بعدما تكتفي الضابطة القضائية بتضمين اعتراف مفصل للمعني بالأمر بمحضر الاستماع إليه، تختزل فيه كل العمليات التي قام بها والتي لها علاقة بما ذكره مصرحو المساطر الاستنادية.
وتعليقا على هذه الجزئية أثير الانتباه إلى الملاحظات التالية:
1 – بغض النظر عن حجية الإثبات التي يحتويها محضر تصريح المتهم تمهيديا، والذي في حالة استجماعه للشكليات المنصوص عليها قانونا ينهض كوسيلة إثبات قوية ضده، ما لم يثبت ما يخالفها طبقا لمقتضيات المادة 290 من قانون المسطرة الجنائية المغربي .
2 – ما الذي يمنع عناصر الضابطة القضائية المكلفة بالبحث في قضايا المخدرات، ونعلم أن هناك مجموعات وفرقا للبحث مختصة في المجال من تتبع خطوات الأشخاص المذكورين بموجب مساطر مرجعية، والقيام بأبحاث محيطية لاستجماع العناصر المادية والقانونية للتثبت من تورطهم فعلا في قضايا المخدرات، وتقديم خلاصة عملها كلما ضبط شخص من هذه العينة، وإرفاق كل ذلك بالمحاضر المنجزة لتأخذها الجهة القضائية المختصة بعين الاعتبار، ولتقدم كدليل وقت محاكمته.
3 – لماذا تعجز الضابطة القضائية في العديد من الحالات عن ضبط الأشخاص المذكورين في حالة تلبس، فلا تقدم لنا لا محجوزا لنوع المخدر المتورط فيه ولا نقودا ناتجة عن عمليات الاتجار، ولا غيرها من الوسائل التي يستعملها المعني بالأمر لتنهض على قرائن لتورطه في موضوع المخدرات، وتكتفي بإنجاز بحث تقليدي بالاستماع إلى المعني بالأمر حول ما نسب إليه.
4 – ما جدوى وسائل التنصت القانونية وكاميرات المراقبة والمخبرين وباقي الوسائل التقنية أمام التطور السريع للدليل والبصمة الإلكترونيين؟ وما نصيب قضايا المخدرات منها؟
5 – لماذا لم تتطور آليات البحث وما زالت فرق الأبحاث بالضابطة القضائية تعتمد على الدليل التقليدي والكلاسيكي، فتكتفي بتحرير محضر قد لا يتعدى أحيانا الصفحة الفريدة متضمنة للديباجة والهوية ونبذة عن الحياة العائلية والاجتماعية وفقرتين أو ثلاث من تصريحات المتهم، مع أننا أمام قضايا نوعية ترتبط بأشياء مادية ملموسة ولا تتعلق فقط بسب أو تهديد أو ضرب وجرح، نحتاج فيها فقط إلى تصريح شفاهي للمتهم يفيد بأنه فعلا صدر عنه ما هو منسوب إليه، ومع ذلك نحتاج في هذه القضايا أيضا إلى وسائل مثبتة للوقائع كالشهادات الطبية مثلا لتعزيز اقتناع المحكمة .
6 – لا ننسى أننا كلما تأخرنا في تطوير وسائل البحث والتحري واستجماع الدليل بخصوص قضايا المخدرات، ستنمحي فكرة الفقهاء الواقعية من كون قضايا المخدرات «لابد أن تحمل بصماتها معها»، إلى مجرد قضايا عادية قد تحمل دليلها في ورقة، والتي قد يوقعها المتهم أو يشار فقط إلى كونه قد رفض التوقيع أو الإبصام مع ترتيب الأثر القانوني على ذلك، وإخضاع الكل لتقدير السلطة القضائية المختصة – نيابة عامة أو قضاء التحقيق أو محكمة الموضوع المختصة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى