شوف تشوف

دين و فكر

تأملات قرآنية :سورة الأعراف (1)

 

سورة الأعراف مكية، تتحدث عن وجوب اتباع القرآن، واعتبرت الإنسان مسؤولا عن نفسه تجاه المبادئ التي يدعو إليها القرآن، لأنها معروفة عنده بالقوة التي استودعها الله فيه ومن خلالها يعرف طريق الخير وطريق الشر، لذلك حذرت السورة من اتباع طريق الشيطان وهو ضد صراط الله المستقيم الذي هو القرآن، كما بينت مصير هؤلاء وهؤلاء،  ووصفت السورة مشاهد اليوم الآخر وأحوال أهل الجنة وأهل النار، كما بينت السورة كيف أن الله حذر كل الأقوام السابقين من تكذيب الرسل وقد جاؤوهم بالبينات والآيات، ودعوهم إلى عبادة الله وحده وعمل الصالحات وترك الفساد في الأرض،  وحذرهم من الهلاك في الدنيا قبل العذاب في الآخرة فجحدوا كل ما جاءت به رسلهم فأهلكهم الله، وأمر الله المؤمنين بعدم اتباع طريق المجرمين الذين قص الله سيرهم واتباع الصراط المستقيم، وهي جملة المبادئ التي دعا إليها القرآن، فهذا هو المعنى العام الذي تتحدث عنه السورة.

1 – قال الله تعالى: ((كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ (3)))[سورة الأعراف:2-3]، يجب عدم التحرج مما يدعو إليه القرآن، والتذكير به كما بينت آياته كما هي عليه في حقيقتها، وليس كما يفعل بعض من يدعي التجديد يزعمون عدم مسايرة النصوص القرآنية للعصر؛ فيغيرون أحكامه باعتبار الزمان والمكان، وذلك حتى لا يتحرجون من الآخر الذي يملي عليهم اتباع مبادئه وأفكاره، لذلك أمر الله تعالى اتباع ما أنزل من عنده ونهى عن اتباع هؤلاء، بل وتذكيرهم هم أيضا بما أنزل إليهم من ربهم.

2 – قال الله تعالى: ((وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ ۚ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9)))[سورة الأعراف:8-9]، فالمفلحون في عيشة راضية، وأما الذين خسروا أنفسهم فأمهم هاوية، كما قال تعالى: ((فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9)))[سورة القارعة:6-9]. وميزانه تعالى عدل، كل شيء يوزن، كبيرا كان أو صغيرا، ولو مثقال ذرة، كما قال تعالى: ((فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)))[سورة:الزلزلة:7-8].

3 – قال الله تعالى: ((قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ))[سورة الأعراف:16]، ذكر الله تعالى هنا رد إبليس عندما طرده الله، فصراط الله المستقيم الذي أراد إبليس قعوده قد ذكره الله تعالى حيث قال: ((قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ۖ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۖ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۖ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ  (153)))[سورة الأنعام:151-153] وهي جملة الأوامر والنواهي التي جاء بها القرآن، فصراط الله المستقيم الذي قعده إبليس هو القرآن.

4 – قال الله تعالى: (( ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ))[سورة الأعراف:17]، تحدث الله تعالى هنا عن إبليس الذي أراد أن يقعد للناس صراطهم المستقيم، ويعترض سبيلهم إلى الفضائل، لذلك الشاكرون قليل، فأكثر الناس اتبعوا سبيل الشيطان، كما قال تعالى: ((وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ(([سورة سبأ:13].

5 – قال الله تعالى: ((فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا))[سورة الأعراف: 20]، متحدثا عن إبليس الذي غر آدم وحواء حتى نزع عنهما لباسهما، أقف هنا لأقول إن اللباس الذي كان على آدم وحواء ليس من صنعهما بل الله أوجده عليهما فلم يكونا قد تعلما صنع اللباس بعد؛ لذلك لما بدت لهما سوآتهما أخذا يخسفان عليهما من ورق الجنة، وإبليس منذ بداية البشرية وهو يعمل على تعرية الإنسان من لباسه لأن التعري هو مظهر من مظاهر الانحطاط، وفتنة الشيطان الأولى، وهو أسهل طريق عليه لإيقاع الناس في الفتنة، وبه يكون نهاية الإنسانية، لذلك استعجل الأمر، وقد حذرنا الله من هذا الأمر فقال: ((يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ))[سورة الأعراف:26].

6 – قال الله تعالى: ((وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ))[سورة الأعراف: 20]، السمو والخلود غاية ما يطلبه الإنسان لتحقيق كماله.

7 – قال الله تعالى: ((فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ))[سورة الأعراف:22]، هذه أول محاولة لصناعة اللباس قام بها الإنسان، حيث كانت صناعته للباسه من ورق الأشجار؛ ولم يكن قد عرف الصيد ليتخذ من جلود الحيوان لباسا له، ولا قام بتربية الأنعام والطيور فيتخذ لباسه وأثاثه من أصوافها وأوبارها وأشعارها وريشها.

8 – قال الله تعالى: ((قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ))[سورة الأعراف:23]، هذه هي الكلمات التي قالها آدم فتاب الله عليه، كما أخبر بذلك تعالى عنه، حيث قال: ((فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ))[سورة البقرة:37].

9 – قال الله تعالى: ((يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ))[سورة الأعراف:26]، اللباس الذي يكسو الجسم غير كاف للعفة وإن كان واجبا، لذلك كان لباس التقوى هو الأقوى وهو الوازع النفسي الداخلي، وكلاهما واجبان، والفرق بينهما أن اللباس الذي يكسو الجسم هو للآخر، أما لباس التقوى فهو للإنسان نفسه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى