
النعمان اليعلاوي
تعرضت أسوار المدينة العتيقة بسلا، خلال الساعات الأولى من يوم الثلاثاء الماضي، لاعتداء تخريبي جديد، بعدما أقدم مجهولون على تلطيخ أجزاء واسعة من السور التاريخي بالصباغة السوداء، في سلوك أثار موجة استياء وسط السكان وزوار المدينة، خصوصاً أن هذه الأسوار خضعت لورش ترميم شامل لم تمر على إتمامه سوى سنوات قليلة.
في هذا السياق، أشارت مصادر مطلعة إلى أنه قد تم إيفاد لجنة تقنية إلى عين المكان لرفع معاينة ميدانية وتحديد حجم الأضرار، التي طالت الواجهات الخارجية للسور. وأضافت المصادر أنه قد تم توجيه شكاية رسمية إلى السلطات المحلية باعتبار السور تراثاً وطنياً يستوجب حماية قانونية مشددة، مشيرة إلى أن السلطات ستعتمد على كاميرات المراقبة المثبتة في الفضاءات العمومية لتحديد هوية المتورطين وفتح تحقيق في الواقعة.
الحادث يأتي في وقت لم تكتمل فيه بعد استفادة المدينة من ثمار برنامج تأهيل وتثمين المدينة العتيقة (2019-2023)، والذي شمل عدة مشاريع كبرى، أبرزها ترميم السور التاريخي الممتد على طول يفوق 10 كيلومترات، وتحديث عدد من الفنادق التقليدية والحمامات وتهيئة دور للضيافة.
وانتهت آخر مراحل ترميم الأسوار قبل سنوات قليلة فقط، وتحديداً في الشطر الثالث من المشروع الذي هم السور الممتد من شارع 2 مارس إلى باب بوحاجة، تحت إشراف شركة التنمية المحلية “الرباط الجهة للتهيئة”، وبكلفة مالية ناهزت 10 ملايين درهم، امتدت الأشغال خلالها لـ15 شهراً.
وبخصوص أهمية السور التاريخي، فقد شددت أمينة المغاري، الخبيرة في التراث المعماري والأستاذة بالمعهد الجامعي للبحث العلمي بالرباط، على أهمية الأسوار التاريخية في الهوية الحضرية للمدينة الإسلامية.
وقالت في تصريح لـ”الأخبار” إن “أسوار سلا ليست مجرد مبنى حجري، بل جزء من ذاكرة المدينة وهويتها”، موضحة أن المدينة عرفت بناء ثلاث طبقات من الأسوار عبر تاريخها، وأن إعادة البناء الكبرى تمت في عهد الخليفة الموحدي يعقوب المنصور سنة 1196.
وأضافت المغاري أن الواجهة المطلة على البحر بقيت مكشوفة بعد إعادة البناء، مما جعل المدينة عرضة لهجوم القشتاليين سنة 1260 في واحدة من أكبر المآسي التي عرفتها سلا.
وأبرزت المتحدثة أن السور صُنّف كنصب تاريخي بموجب ظهير 10 أكتوبر 1914 خلال فترة السلطان مولاي يوسف، ما يعزز مكانته القانونية والتراثية وضرورة حمايته من التخريب المتكرر.
ويعيد الحادث الأخير طرح سؤال حماية التراث العمراني بالمدينة، خاصة في ظل تكرار الاعتداءات المشابهة خلال السنوات الماضية، رغم الاستثمارات الكبيرة التي رُصدت لترميم المعالم التاريخية وتثمينها. كما يثير مخاوف من تدهور قيمة المنشآت التراثية، في حال استمرار غياب إجراءات ردع فعالة تضمن حماية السور كمكون أساسي في الهوية التاريخية لسلا.





