شوف تشوف

الرأيالرئيسيةرياضة

جمعية الرفق بالمدربين

 

حسن البصري

 

كان مدربا بالأقدمية، وحين أصبح التدريب في أقسام الدرجة الثانية والهواة يحتاج لشهادة، طوقت عنقه حبال البطالة، فنصحه لاعب دولي سابق بالبحث عن كسرة خبز مبللة بالكرة من استديوهات التحليل الرياضي، وأصبح محللا يوزع الفتاوي كل مساء.

في مقهى قريب من محطة إذاعية منحته الصدفة فرصة لقاء رئيس هيئة للمدربين، عرض عليه نكبته واشتكى له طول الجلوس في مقهى العاطلين، فتوسط له من أجل ولوج دورة تكوينية للمدربين بإشراف من «كاف». شكر الله على حسن المصادفة، وحين أنهى اللقاء تذكر أنه لا يملك مبلغ الاشتراك في التكوين المحدد في عشرة آلاف درهم، وأن رصيده من اللغة العربية لا يكفي إلا لكتابة الرسائل الهاتفية لزملاء الأمس والمقربين.

فتح زملاء في مهنة المتاعب اكتتابا لجمع المبلغ، عينوا أمين السر وكاتبا وناطقا رسميا يجيد فن الاستجداء، بالكاد جمعوا سعر المشاركة، وحولوه للحساب البنكي للدورة التكوينية، وضع زميل رهن إشارته حاسوبا مستعملا ومحفظة وقلم رصاص ومنجرة.

هيأ نفسه للحصول على رخصة تدريب كباقي أقرانه، تراقصت أمام عينيه أحلام الجلوس في كرسي البدلاء، والوقوف أمام الصحافيين، ووعد نفسه باستبدال الهاتف الكسول بآخر ذكي حين يحصل على أول راتب. احتسى قهوته السوداء ونظر إلى سيجارته الأمريكية بازدراء، ثم قال: وداعا للتدخين بالتقسيط.

كان يسأل عن أسماء مؤطري الدورة التكوينية وعن مواضيع الاختبارات، ويستطلع آراء من سبقوه إلى الامتحان، علم أن شعار الدورة «من غشنا قد يكون منا»، إذا كان رصيده الكروي يسمح بغض الطرف عن ركاكة الأسلوب.

ظهرت لوائح المستفيدين من التكوين، فانتابته سعادة جارفة، واعتبر نفسه مشروع مدرب كامل الأوصاف. جاء دوره وشد الرحال إلى سلا ابتغاء رخصة تدريب تحفظ ماء الوجه وتغنيه عن الاستجداء.

آمن بالقول المأثور: «من طلب العلا سهر الليالي»، فسهر في خمارة لا تبعد عن مقر الجامعة إلا بخطوات، وعند الامتحان الكتابي اختار الجلوس وراء مدرب نجيب، وحدها الاختبارات التطبيقية التي شفعت له، وكلما سدد الكرة إلى المرمى تمنى لو أن تسديداته كانت بنفس الدقة في الحياة.

ولأنه محلل رياضي يعشق السؤال، فقد استغل وجود عضو جامعي في مأدبة عشاء على شرف المتدربين، وسأله عن سبب غياب شرط المقابل المادي حين يتعلق الأمر بدورات التكوين الخاصة بالحكام والإداريين والمعالجين الطبيعيين، واشتراط الأداء قبل التكوين حين يتعلق الأمر بفئة المدربين.

استأذن العضو الجامعي ووضعه هاتفه على أذنه قبل أن تبتلعه الأرض، وكأن السؤال فيه مصيدة مهما كان الجواب، نصحه رفاقه الذين كانوا يتحلقون حول مائدة العشاء بالكف عن الأسئلة الخارجة عن النص، وطلبوا منه الاعتذار للعضو حتى لا يصادر الرخصة ويحشره مع الساقطين.

صحيح أن الاشتراك في الأكل الجماعي يتحول إلى قرابة قد توازي قرابة الدم والرضاعة، فقرابة الملح أو «الممالحة» تتأسس بمشاركة الطعام وابتلاع الأحقاد، لكن الانسحاب جعل شهادة «كاف» في كف عفريت.

المشكل الحقيقي لا يكمن في ثمن المشاركة في التكوين، بل في فائض المدربين الحاصلين على رخصة التدريب، وفي اجتياح المدربين الأجانب للمشهد الكروي، وفي إصرار رؤساء كثير من الفرق على التعاقد مع مدرب عركته التجربة حتى ولو تكالبت عليه أمراض الشيخوخة، وفي استمرار هيئات الرفق بالمدربين في لعب دور الكومبارس في فيلم «رقصة المدربين».

بالقرب من مقر جامعة الكرة يقوم بعض المدربين المغاربة والأجانب بعمليات إحماء في انتظار إشارة، من غرفة القرار، تنهي العطالة، بينما يستنفر بعضهم قواتهم الاحتياطية ويمنحونهم الذخيرة الكافية لتمشيط المشهد الكروي من منافسين محتملين أملا في استعادة بطاقة زيارة تتوسطها مهنة مدرب وطني بكل ما توفره من حصانة.

التدريب حق للجميع.. شيك بدون رصيد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى