
ولد جورج لاباساد في العاشر من ماي 1924 بأربو جنوب فرنسا، انشغل منذ شبابه بعلم النفس الاجتماعي، ونال مكانة مرموقة في عالم البحث بفرنسا. ولأنه كان مهووسا بدراسة وتتبع تفاصيل «الحال» كسلوك إنساني، فقد وجد في مدينة الصويرة حين زارها سنة 1968، ملاذه لمدة عقدين من الزمن.
طيلة تلك السنوات، التي قضاها في الصويرة حرص لاباساد على دراسة الظواهر بالانصهار فيها، وفق مقاربة «الملاحظة التشاركية» كمنهج، لذا نسج علاقات مع ثلة من الشباب المثقفين والفنانين الصويريين من مختلف التيارات، وقام باستقاء وتحليل ونشر كل ما شكل جوهر تراث الثقافة الشعبية لهذه المدينة، خاصة الفن الكناوي.
وحسب الكاتب العربي رياض، الذي توقف عند هذا الباحث في علاقته بالصويرة، فإن حضور لاباساد لبعض الليالي الكناوية أزعج بعض «لمعلمين» واعتبروه مسا وانتهاكا لحرمة خلوتهم، لكن عبد الرحمن باكو، العازف ضمن فرقة «ناس الغيوان» كان سنده حيث سهل له مهمة اختراق هذا العالم المسكون بطقوس سعى عالم الاجتماع الفرنسي إلى اكتشافها: «استمر باكو في الدفاع عن حق لاباساد في ولوج هذا العالم، أكثر من هذا طلب بالسماح له لدخول الزاوية وأقنع الكثير من لمعلمية بأن الرجل يريد فقط من خلال معايشة طقوس كناوة، أن يدافع عن هذا الفن، ويعيد الاعتبار له». هكذا وافق البعض بصدر رحب، وهناك من تقبل الأمر على مضض، فأصبح هذا الباحث، إلى جانب أسماء أخرى لها صيت عالمي في مجال الموسيقى والنحت والتشكيل، يحضرون الليالي سواء بمنازل المقدمات أو بالزاوية الكناوية سيدي بلال.
وحسب عبد القادر مانا، الباحث الأنثروبولوجي وابن مدينة الصويرة الذي شارك في أبحاث لاباساد، فإن عوامل عدة دفعت الرجل متعدد الاهتمامات، التحليل النفسي، علم الأحياء، العلاج النفسي المؤسساتي، علم النفس الاجتماعي، الإثنولوجيا، للغوص في الحيز الثقافي لمدينة الصويرة، هو استلهامه لتجارب الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو في تونس حين انكب على دراسة تراث السطمبالي الذي يضاهي كناوة. يوضح مانا، مضيفا أن أعماله عبر العالم، جعلته يحظى بإشادة ليوبولد سيدار سنغور، الذي كان آنذاك رئيسا للسينغال، خلال المهرجان العالمي للفنون الزنجية، الذي نظم بدكار سنة 1966.
أصبحت الصويرة جزءا من حياة الرجل، بل تحول إلى رائد من رواد الدينامية الثقافية للصويرة، بالنظر لمساهمته المتميزة في أول مهرجان فني شهدته المدينة سنة 1980، والذي حمل شعار «الموسيقى أولا»، للطيب الصديقي، وخلص إلى النموذج الصويري للمهرجان. «كان طوال الوقت يسبر أغوار الثقافة المحلية إلى جانب مجموعة من الفاعلين الصويريين»، يقول مانا. في إطار هذا المهرجان، تكفل جورج بتنظيم مؤتمر حول علم الموسيقى العرقية، الذي انعقد بدار الصويري، تمت خلاله مواكبة التظاهرات الموسيقية بمائدة مستديرة حول الإثنولوجيا، شارك فيها جامعيون إلى جانب معلمين كناويين ومقدمين حمادشة وعيساوة..
حين يعود لاباساد إلى وطنه ينكب على جمع أشلاء الموروث الثقافي للمدينة، خاصة بعد أن نسج علاقة وطيدة مع الصويرة، لاسيما ظاهرة «الهيبي» التي توقف عندها طويلا في أبحاثه، حيث كان يقضي وقتا طويلا في تجمعاتهم بضواحي المدينة.
كان السوسيولوجي الفرنسي يرسل مقالاته لمجموعة من الصحف المغربية، خاصة «لوبينيون»، و«لاماليف» و«الأزمنة المعاصرة»، أو دوريات أخرى متخصصة في الأنثروبولوجيا والإثنولوجيا بفرنسا، فقد نشر ما لا يقل عن 30 مقالا حول المغرب.
توفي جورج لاباساد في 30 يوليوز 2008، حين كانت الصويرة منشغلة بمهرجان كناوة.





