شوف تشوف

حاربتو الرشوة بكري

أحسن رد على وزير العدل وما تبقى من حريات، الذي قال متبجحا إن المغرب أصبح بمقدوره الآن إعطاء الدروس للآخرين في ما يخص العدالة، هو تقرير الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، الذي وضع القضاء في مقدمة القطاعات التي تتفشى فيها الرشوة بشكل كبير.
«فاش باغي تعطي الدروس أسي الرميد، فالرشوة»؟
وهكذا فالوزير الرميد عوض أن يطبق وعده بالتصدي لتفشي الثراء بين بعض القضاة ويراقب الحسابات البنكية للذين «خنزو فلوس» بينهم، أصبح يراقب الحسابات الفيسبوكية للقضاة متشمما نسبة السياسة في تعليقاتهم وآرائهم، قبل أن يعرضهم للعزل أو التوقيف أو التنقيل.
«حاربتي الرشوة بكري».
وبين تقليص النفقات العمومية والاقتراض من البنوك الأجنبية من أجل ضمان استقرار الوضعية المالية للمغرب، هناك اقتراح ثالث يمكن أن تربح الدولة من خلال تطبيقه الملايير.
هذا الاقتراح هو الانخراط الجدي في محاربة الرشوة في كل المجالات، وداخل عرينها، أي بالمؤسسات العمومية. فالدولة تخسر يوميا الملايير بسبب هذه الآفة التي تعاقب عليها دولة مثل الصين بالإعدام بواسطة رصاصة في الرأس تدفع ثمنها عائلة المقتول، فالمرتشي عندها لا يستحق أن تضيع من أجله خزينة الدولة حتى الرصاصة التي سيعدم بها.
على الحكومة ومؤسسات الوقاية من الرشوة أن تعترف اليوم بأنها انهزمت أمام هذا الطوفان العاتي المسمى رشوة. فقد اعتقدوا وهو يتحمسون لإلقاء الخطب حول محاربة الفساد أن هذا الأخير مقطوع من شجرة ولا أهل له، فاتضح أن الرشوة والفساد لديهما جذور عميقة في التربة المغربية.
ويكفي أن يتأمل الواحد منا مستوى عيش بعض الموظفين العموميين ورجال الأمن والقضاء والجيش والجمارك، لكي يفهم أن رواتب هؤلاء لا تكفي لكي يشيدوا بها تلك الفيلات والعمارات التي يسجلونها باسم الزوجات، كما أن تلك الرواتب لا تكفي لدفع تكاليف دراسة الأبناء في أرقى المعاهد والمدارس.
ومع ذلك يعيش هؤلاء الموظفون حياة الأثرياء. والسبب واضح، إنهم في غالبيتهم مرتشون يستعملون السلطة التي بين أيديهم من أجل ابتزاز الناس مقابل قضاء أغراضهم.
هذا دون أن نتحدث عن ملايين الموظفين الذين يتقاضون رواتب متدنية، ومع ذلك يستطيعون توفير أقساط البيت الذي اشتروه بالقرض البنكي وأقساط السيارة ومصاريف دراسة الأبناء في المدارس الخصوصية.
كيف يستطيعون توفير كل تلك الأموال؟ الجواب واضح، «اللي فشي بلاصة كاينتف منها».
إن الظرفية الاقتصادية الصعبة التي يجتازها المغرب اليوم تحتم عليه أن يضع محاربة الرشوة والمرتشين ضمن أولى أولوياته. لكن يبدو أن المسؤولين لم يستوعبوا جيدا خطورة هذا المرض الذي وصل في المغرب إلى درجات قياسية، فالمغرب يتقدم كل سنة في سلم الدول الأكثر ارتشاء في العالم، وإذا استمر الوضع على ما هو عليه، فسيأتي اليوم الذي ستصبح فيه الرشوة ماركة مغربية بامتياز.
عندما نقرأ تقارير رئيس الهيئة المركزية لمحاربة الرشوة، ونسمع رئيس الحكومة يفتخر بأنه خصص لمحاربة الرشوة 30 مليارا، نتساءل هل يريد هؤلاء الناس فعلا القضاء على الرشوة أم يريدون فقط إعطاء الانطباع أمام الرأي العام بأنهم يحاربونها؟
وكما قال «كليمونصو»، إذا أردت أن تدفن مشكلة فما عليك سوى أن تخلق من أجلها لجنة، والمغرب بطل لا يشق له غبار في هذه الرياضة، فنحن لدينا لجان وهيئات لكل الآفات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، لكن دورها يقتصر على الاستماع وتلقي الشكاوى وتكديسها في مخازن الأرشيف، من أجل تقديمها في تقارير باردة نهاية كل سنة.
لو كنت مكان أبودرار على رأس هيئة مركزية لمحاربة الرشوة لطلبت ميزانية إضافية ووظفت شبابا عاطلين وجهزتهم بكاميرات صغيرة وحواسيب محمولة ووزعتهم على كافة المحاور الطرقية للمملكة وفي المحاكم والمستشفيات لكي يتصيدوا الموظفين المرتشين.
وبمجرد ما سينتشر خبر وجود هؤلاء القناصة المجهولين في طرقات المملكة وإداراتها، فإن جميع المرتشين من رجال الدرك والشرطة والموظفين سيقلعون عن عادتهم السيئة خوفا من الفضيحة.
إن ما يجب القيام به مع المرتشين الذين يخربون اقتصاد البلاد هو فضحهم و«ضرب الطر» لهم أمام الملأ لكي يكونوا عبرة لغيرهم.
في أمريكا تنشر الشرطة صور وأسماء المتورطين في جرائم الاغتصاب على أعمدة الجرائد لكي تفضحهم أمام زملائهم في العمل وجيرانهم في الحي، وكل من يقرأ مثل هذه الإعلانات الفضائحية يخاف أن يصدر اسمه وصورته ذات يوم مثل هؤلاء.
والشيء نفسه للمتهربين من دفع ضرائبهم وديونهم. وفي إسبانيا مثلا توجد شركة اسمها «موروسو» متخصصة في إخبار الجميع بأن المواطن الفلاني رجل «مديون»، وتذهب إلى حد تخصيص مستخدم يلبس الأسود لمطاردة «المديون» منذ خروجه في الصباح من بيته إلى أن يعود إليه في المساء.
وعوض أن تشعر الإدارة العامة للأمن الوطني والدرك الملكي بالحرج من رجالهما الذين تم تصويرهم متلبسين بالرشوة، عليهما أن تفكرا في إحداث موقع على الأنترنيت تضعان فيه كل الأشرطة التي تصلهما من القراصنة، بعد التأكد منها طبعا.
فهذه هي الطريقة الوحيدة لإخافة الآخرين من الوقوع في الفضيحة.
إن مصلحة المغرب العليا تقتضي تشويه سمعة هؤلاء المرتشين وفضحهم أمام الملأ، حتى يشعر الجميع بالخوف ويقدروا جريمتهم في حق الوطن حق قدرها.
لقد مرت اليوم ست سنوات على قول السيد أبو درار إنه لا يستطيع القضاء على الرشوة خلال ستة أشهر.
فماذا يصنع على رأس هيئة فشلت في تحقيق هدفها المتمثل في الوقاية من الرشوة؟
اليوم أصبح واضحا أن المغاربة يضعون ثقتهم في «يوتوب» أكثر مما يضعونها في مؤسسة القضاء أو هيئات محاربة الرشوة، والدليل على ذلك أن عدد الموظفين المرتشين الذين أسقطهم المواطنون عن طريق «يوتوب» أكثر بكثير من المرتشين الذين أسقطتهم تقارير هذه المؤسسات الدستورية التي تصرف على موظفيها ورؤسائها ميزانيات باهظة من أجل كتابة تقارير سنوية لا تفيد سوى في صياغة قصاصة إخبارية حولها تنسى قبل نهاية اليوم الذي صدرت فيه.
ولو أن الحكومة كانت فعلا تفكر في محاربة الفساد لمولت برنامجا طموحا بشراكة مع إحدى شركات صنع الكاميرات من أجل إنجاح مشروع «كاميرا لكل مواطن». هكذا يصبح جميع المواطنين مسلحين بأدوات مكافحة الرشوة، المادة الرمادية لكل فساد.
لكن يبدو أن وزراء العدالة والتنمية في الحكومة فقدوا، مع الوقت، حماسهم السابق لهذا المشروع الطموح الذي «جبد عليهم البلا» قبل غيرهم.
فوزير العدل الذي دعا المغاربة في لقاء ضم 18 جمعية مناصرة لمشروعه لإصلاح العدالة، إلى التضييق على الفساد ومحاصرته عن طريق تسجيل محاولات الابتزاز ومطالب الرشوة من قبل المسؤولين بواسطة الهواتف المحمولة والكاميرات الخفية، وجد نفسه أمام أشرطة مسجلة وضعها أمامه مهندس في وزارته يكشف فيها أن الفساد ضارب أطنابه في قلب وزارة العدل.
فما كان من معاليه سوى أن استعاذ بالله من هذه الأشرطة وقرر التوقف عن تحريض المواطنين على التصوير والتسجيل، خصوصا عندما وجد نفسه مضطرا لمعاقبة وتوقيف قاضيين من الرشيدية بسبب تسجيل متقاضية لمكالمات تورطهما في الارتشاء.
وبسبب تصديق هذه المرأة المتقاضية التي أطاحت بقاضيين دفعة واحدة لما سبق أن قاله الوزير السابق الشوباني عندما أعلن أن «التشريع يحمي المبلّغين عن حالات الفساد، وهذا يجب أن يتمّ الوعي به واستثماره للمساهمة في تقدّم البلاد وتطهيرها من الممارسات غير المقبولة»، داعيا كلّ مطّلع على ممارسة فاسدة إلى «توثيقها قبل التوجه صوب العدالة لفتح التحقيقات باسم القانون»، فإن السيدة «على نيتها» سجلت الأشرطة التي تثبت الفساد وعوقب القاضيان بسبب ذلك، وبعد أيام وجدت نفسها محكومة من طرف الهيئة القضائية بالمدينة نفسها بخمس سنوات سجنا بتهمة محاولة إضرام النار.
سيقولون لكم إن ثمن الإصلاح باهظ ويجب على المواطنين أن يكونوا شركاء فيه وأن يدفعوه من أرزاقهم وأن يكونوا شجعانا ووطنيين.
سيقولون لكم إن محاربة الفساد يمكن أن تكلفكم مناصبكم، كما وقع لمهندس وزارة العدل، وأرزاقكم وحريتكم كما حدث لسيدة الرشيدية.
وفي الوقت الذي ستكونون فيه واقفين أمام العدالة تدفعون ثمن غيرتكم ومحاربتكم للفساد، سيستمر هؤلاء السادة الوزراء في مناصبهم، يتقاضون رواتبهم السمينة ويشيدون الفيلات في المنتجعات السياحية، ويحجزون مسابح مؤسساتهم لكي يمارسوا فيها رياضة العوم، كما يصنع وزير العدل في المسبح التابع لوزارته، أو كما يصنع وزير التجهيز في المسبح التابع لنادي الوزارة مساء كل خميس.
فيبدو أن زمن «البيصارة» و«التحنسير» وسيارة «الكونغو» انتهى، وجاء عهد اللياقة البدنية و«السموكينغ» والسيارة المصفحة والطائرة الخاصة والجلابيب الموشاة بخيوط الذهب.
ولو سأل أحد المغاربة ماذا يفضلون لضمان حقوقهم، «اليوتوب» أم محاكم وزارة العدل، لأجابوا جميعهم أن «اليوتوب» و«الفيسبوك» هما ديوان مظالمهم ووزارة عدلهم الحقيقية، فإليهما يلجؤون لنشر شكواهم لملك البلاد، وفيهما ينشرون أشرطة من يبتزهم، وعبرهما يبثون استغاثتهم ضد من يحتقرهم ويبخسهم أشياءهم أو يستغبي ذكاءهم.
فـ«اليوتوب» و«الفيسبوك» حيث تنشر فضائح المرتشين، والأمطار التي تفضح هشاشة البنيات التحتية، هي وزارة العدل والهيئة الوطنية لمحاربة الرشوة والمجلس الأعلى للحسابات «تاع بصح».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى