
تقع مسؤولية حماية التلاميذ القاصرين على عاتق الأسرة والمدرسة والقضاء والبرلمان والإعلام والجمعيات الحقوقية والأحزاب السياسية وجميع القوى الحية بالمجتمع دون استثناء، وهذه الحماية تتعلق أساسا بضمان التربية والتعليم في ظروف آمنة وجيدة، والحماية من كافة أشكال الاستغلال والتحرش الجنسي والتغرير والإدمان، والضرب بيد من حديد بقوة القانون على من يرتكب جرائم في حق الطفل القاصر.
مع التحولات المجتمعية المتسارعة والتيه القِيمي، هناك حاجة ماسة إلى اجتهادات وتشريعات قانونية جديدة، تتضمن عقوبات مشددة في حق المتورطين في جرائم التغرير واغتصاب قاصرين واستغلالهم بأي شكل من الأشكال، أو استعمال المال والنفوذ والسلطة المعنوية والمادية للضغط على التلاميذ بالترهيب والترغيب، لاستغلالهم في إرضاء نزوات جنسية وجرائم أخرى خطيرة.
وتجبُ الصرامة في حماية التلاميذ القاصرين داخل الفضاءات التعليمية، مع تفعيل دور الأنشطة الموازية والتوعية والتحسيس بأخطار التغرير بالتلاميذ وحمايتهم من الشبكات الإجرامية، التي تتربص بهم لإسقاطهم في فخاخ الإدمان والدعارة والاتجار في البشر، والإغراء بالأموال والنفوذ، خاصة في ظل اتساع دائرة الاحتياجات خلال العصر الحالي، والتهافت على المظاهر الخداعة في العيش وتسويق ذلك بالمواقع الاجتماعية.
ولا بد من إجراءات فعالة تُمكن من إحياء دور الأسرة في التربية، عوض تركها فريسة للتمييع والهدم بمعاول نجوم التفاهة المتاجرين في سوق «الأدسنس»، والتنسيق الأمثل مع المدرسة للجودة في التربية قبل التعليم، مع الأخذ بعين الاعتبار المسؤولية الملقاة على الجميع، لتكوين أجيال قادرة على حمل مشعل التنمية والاستمرار في بناء وطن يتسع للجميع وتُحفظ فيه حقوق الكل.
ولا يمكن تحميل التلميذ القاصر المسؤولية في ما يمكن أن يتعرض له من جرائم الاغتصاب وهتك العرض والاستغلال بشتى أنواعه، لأن الأمر يتعلق بالتغرير الذي يمارسه المتهم الراشد، وفي حال كان هذا المتهم له سلطة أو نفوذ أو علاقة تعليمية أو مسؤول يقتضي أن يكون محط ثقة بالنظر إلى حساسية المؤسسة التي ينتمي إليها، فإن العقوبات يجب أن تكون مشددة أكثر ويُضرب بها المثل بالنسبة إلى المجتمع بشكل كامل.
علينا كسر «الطابوهات» المرتبطة بالثقافة الشعبية للتستر على المجرمين، وبحث تزويج التلميذات القاصرات اللائي يتعرضن لجرائم هتك العرض والعنف والاستغلال من المجرمين، وإلقاء اللوم عليهن، بدل الحديث بصوت عال حول المشاكل التي تنخر كيان الأسرة كمكون أساسي للمجتمع، وتكثيف برامج التوعية والتحسيس والتربية داخل المدرسة، وتشجيع الضحايا على الحديث ووضع شكايات والتفاعل معها كما يجب من قبل الجهات المعنية، لأن الصمت على الجرائم الخطيرة بمبرر «الطابو» والفضيحة تبعاته كارثية في المستقبل، ويسمح باستمرار تدمير حقوق الطفل بلا رحمة، وفتح نوافذ استغلاله من قبل شبكات إجرامية لا هم لها سوى إرضاء نزوات مرضية، مع ما يشكل ذلك من تبعات نفسية وبناء مجتمع معطوب، يحمل أورام جرائم خطيرة يصعب التعامل معها، إذا لم يتم استئصال الأورام بجراحة اجتماعية معقمة بالعلم والمعرفة والسمو في الأخلاق ومعاني الإنسانية والمواطنة.





