حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرئيسيةسياسيةفسحة الصيف

ذكريات مع محمد الخامس وولي العهد في باريس سنة 1955

يونس جنوحي

مقالات ذات صلة

بالنسبة لمولاي المهدي العلوي ومن معه من الطلبة، لم تكن القضية المغربية مجرد نشاط مواز يحضرون أشغاله بعد انتهاء الدراسة، وإنما كان التزاما قائما، نسجوا بفضله علاقات مع مثقفين فرنسيين من أصدقاء المغرب الذين كانوا يُدينون علنا مواقف بلادهم السياسية عندما يتعلق الأمر بما تمارسه فرنسا في المغرب سنة 1954.

عاش مولاي المهدي العلوي محنة نفي السلطان سيدي محمد بن يوسف، من قلب مدينة سلا، حيث انطلق العمل السري لتوعية الناس بخطر ما “تُهندسه” الحكومة الفرنسية للمغاربة.

وعندما حلت سنة 1955، ومع اقتراب انفراج الأزمة المغربية، بإعادة السلطان سيدي محمد بن يوسف إلى باريس، تمهيدا لعودته النهائية إلى المغرب لاستعادة العرش، كان مولاي المهدي العلوي مرة أخرى في قلب الأحداث.

وقلما كان أحد السياسيين والمناضلين المغاربة محظوظا لكي يُقدر له أن يعيش تفاصيل اللحظتين التاريخيتين معا.

يحكي مولاي المهدي العلوي عن أجواء وجود السلطان سيدي محمد بن يوسف في باريس:

“عودة السلطان المظفرة بعثت في نفسي الفخر والاعتزاز بما كنت أقوم به، رفقة زملائي، من أعمال تحتسب عند اللّٰه جهادا في سبيل حرية بلدي؛ فإلى جانب حملات الاتصال والتعبئة في صفوف الأحزاب ورجال الإعلام التي كُنا نقوم بها، تشكلت، عند وصول السلطان إلى مقر إقامته في “سان جرمان أونلي” خلية للمساعدة، عبارة عن سكرتارية، تكلفت بقراءة الرسائل والخطابات ضمت كلا من السيد أحمد عصمان، وأحمد السنوسي ومحمد الجعايدي وعبد ربّه.

وكنا نحضر إلى الفندق محل إقامة السلطان في الساعة العاشرة صباحا لنعكف على عملنا الذي تطوعنا للقيام به، حتى يحين وقت الغذاء، فنلتحق بالمطعم الذي كُنا نشاهد فيه الملك وهو يتناول غذاءه رفقة عائلته، وفي أحيان أخرى مع بعض ضيوفه.

وفي يوم من الأيام، قمنا بجولة على الأقدام في شوارع سان جرمان وسان ميشيل، رفقة ولي العهد آنذاك الأمير مولاي الحسن، وكان يسأل عن وضعية الطلبة المغاربة في باريس، وكيف نتدبر أمورنا الدراسية والمعيشية، كما كان يسأل عن وضعية العمل الوطني وتنظيمات الحزب، وقد بلغنا إلى غاية جادة “سيربونت  Rue Serpente” ، حيث يوجد مقر حزب الاستقلال، ثم أقفلنا عائدين.

شهدت فترة وجودنا بالقرب من جلالة الملك في “سان جرمان أونلي” وقوع حدثين مهمين:

أولهما وصول الباشا لكلاوي إلى الفندق ومثوله أمام السلطان سيدي محمد بن يوسف طلبا للعفو بالطريقة التي يعرفها الجميع. وقد رأيت الرجل من شرفة مجاورة وهو يتقدم نحو السلطان في وضعية انحناء يُقارب الأرض، حتى بلغ قدمي الملك فارتمى عليهما.

وقد كان الباشا لكلاوي يطلب عفو السلطان ليتجاوز عن جريرته في دعم الاستعمار، فيصفح عنه، وذلك حين بادر إلى دعوة باشوات المدن المغربية الكبرى وعشرين قائدا، للاجتماع في قصره بمراكش يوم 20 مارس 1953، لتوقيع عريضة توصي بسحب الشرعية الدينية من السلطان محمد بن يوسف أميرا للمؤمنين، ومنحها لابن عرفة، الذي ستُنصبه الإقامة العامة الفرنسية ملكا على البلاد وأميرا للمؤمنين.

وكانت تلك الخطوة حاسمة في دعم مخططات الاستعمار، باعتبار ما للوازع الديني من تأثير في مساعدة فرنسا على بسط السيطرة على البلاد، بما أن السلطان بقي دائما، منذ دولة الأدارسة في القرن الثامن الميلادي، بمثابة الزعيم السياسي والإمام الديني في الوقت نفسه، والقائم على الدين والضامن لوحدة الأمة الروحية”.

عاش مولاي المهدي العلوي إذن تلك اللحظة التاريخية التي انحنى فيها الباشا القوي، التهامي الكلاوي المزواري، أمام السلطان سيدي محمد بن يوسف طلبا للعفو، بعد قطيعة سياسية عنيفة، جيّش فيها الكلاوي القياد والأعيان لتوقيع عريضة المطالبة بنفي السلطان.

حظ مولاي المهدي العلوي، جعله يحجز تذكرة في الصفوف الأمامية أثناء مرحلة بناء مغرب جديد، يتسع للوطنيين.. لكن ما حمله له القدر من “أحداث ومواقف”، خصوصا عندما اختار المعارضة السياسية، جعله في قلب أحداث أخرى، شكلت ملامح مغرب السنوات الأولى بعد الاستقلال.

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى